إعلان

مجزرة داريا: "لا يمكنك تخيل مدى الرعب الذي عشناه"

08:39 م الجمعة 26 أغسطس 2022

سكان داريا يقفون وسط الأنقاض المدمرة ويحملون لافتا

دمشق- (بي بي سي):

سكان داريا يقفون وسط الأنقاض المدمرة ويحملون لافتات تطلب المساعدة من المجتمع الدولي

في الأيام التي سبقت عمليات القتل في أواخر أغسطس 2012 التي وقعت في بلدة داريا، تعرضت البلدة الواقعة على مشارف العاصمة دمشق، لقصف عنيف.

لم يكن ذلك بالأمر المستبعد، فقد عُرف سكان البلدة بمعارضتهم للرئيس بشار الأسد منذ بداية اندلاع الأزمة السورية في عام 2011.

ومع ذلك، لم يطمئن قلب طارق جابر عندما توقف القصف أخيراً وساد صمت مريب.

يقول جابر: "كنا نعلم أنه عندما تتوقف قذائف الهاون، فهناك شيء ما سيحدث". فقد وسبق وأن كان جابر شاهداً على هجمات الجيش السوري في بلدات أخرى، لذا كانت هذه دلائل مألوفة لديه.

وأضاف: "لاحظنا انقطاع شبكة الهاتف المحمول وإقامة نقاط تفتيش عديدة حول البلدة".

في غضون ساعات، سُمع دوي إطلاق الرصاص، مصحوباً بصرخات جنود الجيش السوري على حد قوله. كانت المجزرة جارية على قدم وساق.

وبحسب ما ورد بدأ الجنود في طرق الأبواب والانتقال من منزل إلى آخر، بحجة إنهم يبحثون عن "إرهابيين".

صحيح أن مقاتلي المعارضة كانوا يتمركزون في البلدة، يقول شهود عيان إنه سرعان ما أصبح واضحاً أن هذه العملية كانت تستهدف المدنيين بشكل أساسي.

وقالت وسائل إعلام رسمية سورية وقتذاك، إن الجيش قد "طهّر" داريا من "فلول الإرهاب".

رفضت الحكومة مراراً البياناتالقائلة بأن قواتها ارتكبت عمليات قتل خارج القانون وغيرها من الفظائع.

قادت المحامية ياسمين النحلاوي تحقيقاً قام به الاتحاد السوري البريطاني الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له، في ما حدث هناك.

وتقول: "قتل أكثر من 700 شخص بينهم 63 طفلاً و 36 امرأة. ومن بين الرجال الذين اعتُقلوا وأعدموا من كانوا لا يزالون في ملابس النوم" مضيفة أنه "لم يكن هناك أي هدف عسكري، بل هجمات تستهدف المدنيين".

يقول نشطاء محليون إن معظم مقاتلي المعارضة المسلحة من "الجيش السوري الحر" غادروا البلدة قبل أيام من بدء المجزرة في 24 أغسطس، في محاولة لإبعاد الخطر عن المدنيين.

كان محي الدين (اسم مستعار)، يبلغ من العمر 19 عاماً في ذلك الوقت ويقول إنه شاهد كيف جرت الأحداث.

ويقول محي الدين إن جنود الحكومة السورية كانوا يدخلون المنازل ويعتقلون أي شاب يجدونه في المنزل، مضيفاً أن كثيرين منهم تعرضوا للتصفية الميدانية.

حاول هو وصديق مقرب له تجنب اكتشافهما. "كنا نختبئ في مكان ما تحت الأرض، لا يمكنك تخيل لحظات الرعب التي عشناها، لم يكن يفصلنا عن الموت شيء يذكر".

بعد ذلك بوقت قصير، نشر الناجون صوراً ومقاطع فيديو على الإنترنت لما بدا أنها مقابر جماعية لجثث المدنيين، لكن، كان من الصعب التحقق من صحتها في ذلك الوقت.

واجه سكان داريا نقصاً حاداً في الغذاء والماء والكهرباء قبل أن تسيطر عليها القوات الموالية للأسد في عام 2016.

تفاوتت تقديرات عدد القتلى بشكل كبير وتراوحت ما بين 100 إلى ما يزيد عن 500 شخص.

حسب نتائج تحقيق فريق النحلاوي قتل 700 شخص على الأقل بناء على المقابلات التي أجرتها مع نشطاء محليين احتفظوا بسجلات تفصيلية للقتلى والمختفين والمعتقلين.

وتقول: "لقد تم تقسيمهم أيضاً حسب العمر والجنس والمكان الذي اعتُقل الشخص فيه. من بين 700 جثة تم دفنها في داريا، تم توثيق 514 منها بالإسم".

وأفاد بعض شهود العيان الذين استجوبهم المحققون أن عناصر من المليشيات الإيرانية ومقاتلين ينتمون إلى جماعة حزب الله اللبنانية كانت ضمن صفوف قوات الحكومة السورية التي نفذت المجزرة.

توصلوا إلى هذا الاستنتاج بعد رؤية الشارات الموجودة على زي المقاتلين وكذلك بعد الاستماع إلى لهجاتهم.

انتهت المذبحة في 26 أغسطس، عندما انسحبت القوات الحكومية من داريا، البلدة التي قام فيها بعض النشطاء بتقديم الزهور وزجاجات المياه إلى القوات الحكومية في بداية المظاهرات المناوئة للحكومة.

لكن سرعان ما تم استبدال أحد الفظائع بأمر آخر لا يقل فظاعة ألا وهو الحصار والقصف لأربع سنوات متواصلة.

تقر الدكتورة النحلاوي بأن هناك فرصة ضئيلة لعرض تقرير الكونسورتيوم البريطاني السوري أمام القضاء ومحاسبة الرئيس الأسد وأعوانه بناء عليه، لكنها تصر على أنه من الضروري الاستمرار في المحاولة.

"عندما تترك مرتكب الجريمة يفلت من العقاب، فأنت بذلك لا ترسل فقط إشارة تفيد بأن هذا العمل لا بأس به و قد يمر دون محاسبة، بل يمهد الطريق أمام ارتكاب المزيد من الفظائع. وهذا ما رأيناه في أوكرانيا بكل تأكيد".

بالنسبة للناجين من هذه الفظائع، فإن العثور على العدالة أمر شخصي. إنهم يخشون أنه بدون تحقيق العدالة سيكون من المستحيل استعادة الراحة النفسية، ويقولون إنه مع مرور الزمن سينسى العالم الخارجي هذه المذبحة، لكنها ستبقى حية في وجدانهم.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: