لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

نهر إيفروس.. مقبرة أحلام شباب كانوا ضحية جشع المهربين

11:26 م الأحد 25 سبتمبر 2022

قارب مطاطي على جنبات نهر إيفروس، كان يحمل مهاجرين

(دويتشه فيله)

على جنبات نهر إيفروس الواقع بين تركيا واليونان، تكون عادة نقطة انطلاق رحلات الموت إلى "الفردوس الأوروبي". ضحايا عمليات التهريب لا يمكن حصرهم في عدد محدد، فبينما ينجو البعض، يختفي آخرون أو تلفظهم مياه إيفروس.

لا تتوقف عمليات تهريب الشباب من تركيا نحو اليونان، ولا تتوقف أيضا جثثهم عن الظهور على ضفتي النهر. "أ.م"، شاب في الثامنة عشر من عمره، غادر دير الزور السورية رفقة الأسرة قبل سنوات وهو طفل صغير، هرباً من الحرب، ثم قرر مغادرة اسطنبول باتجاه ألمانيا لتحقيق مستقبل أفضل بعد بلوغه سن الرشد.

طريق الموت!

بعلم أسرته، تم التواصل مع أحد المهربين المتواجدين في أوروبا، الذين اختاروا الاتجار بحياة شباب يافعين، والهدف كان إيصال "أ.م" بأمان إلى أي بلد أوروبي، وبعدها جلبه إلى ألمانيا. من يعملون لصالح هذا المهرب وغيره في تركيا واليونان، يوهمون هؤلاء الشباب بأن طريقهم نحو الفردوس الأوروبي يبدأ بعبور نهر إيفروس.

بعد إلحاح من أ.م على الهجرة، رتب شقيقه الأكبر المتواجد في ألمانيا رحلة الهجرة التي كانت ستكلفه 9 آلاف يورو، دفع منها 5 آلاف قبل انطلاق الرحلة، لأجل إيصاله إلى صربيا فقط. لكن كان للقدر كلمة فاصلة، قلبت موازين الرحلة وعكست مآلها.

عوض بدء حياة جديدة في ألمانيا، صار "أ.م" واحدا من ضحايا تيارات نهر إيفروس القوية، وضحية لفكرة الهجرة السرية ولتغرير المهربين بالشباب، وأيضا ضحية لتقاذف المهاجرين بين ضفتي النهر بين حرس الحدود التركي واليوناني، حسب شهادات استقاها مهاجر نيوز من شاهد كان على متن القارب الذي غرق وأودى بحياة "أ.م".

هذا المصير الذي يلقاه العديد من المهاجرين في نفس المكان ولنفس الأسباب، يتكرر أسبوعياً، وهو ما توثقه العديد من الفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي

تلاعب الأتراك واليونانيين بالمهاجرين!

ناجي (اسم مستعار)، يبلغ من العمر 21 سنة، صادف "أ.م" وصار صديقاً له خلال أيام البحث عن مهرب في تركيا، لأشهركان الشابين مقربين من بعضهما، وأكثر ما يجمعهما هو حلمهما بالوصول إلى ألمانيا حيث استقر بعض من أفراد العائلة. يقول ناجي "كان "أ.م" يمازحني قائلا، "عندما أصل إلى ألمانيا، سأصير شخصا آخر، لن أكلمك بعدها أبداً، لا أريد رؤيتك مجدداً هناك، سأتعرف على الألمان".

بعد إيجاد المهرب، اتفق أفراد عائلتي الشابين معه على إيصالهما بأسرع وقت، وقد تحدد يوم انطلاق الرحلة من ضفة النهر على الجانب التركي نحو اليونان يوم 26 يونيو/حزيران 2022، بعدما تم إلغاؤها لمرات عديدة بسبب تشديد الحراسة وخوف المهرب من إلقاء القبض على طاقمه.

"للأسف تم إلقاء القبض علينا من قبل الحرس اليوناني بعد وصولنا للضفة المقابلة من النهر في أول محاولة، وأعادونا إلى تركيا. بينما نحن نحاول إيجاد وسيلة نقل للعودة إلى وسط اسطنبول تم إلقاء القبض علينا من طرف السلطات التركية، ليتم حجزنا في مركز ممتلئ بالأشخاص الذين حاولوا الفرار نحو اليونان، كان عددهم يناهز 60 شخصاً، بينهم نساء وأطفال وشيوخ، أعادوهم إلى اسطنبول، بينما أرغموا الشباب منا على العودة إلى النهر"، يحكي ناجي.

"الأتراك واليونانيون ينفذون رحلات إعادة غير قانونية نحو اليونان"!

"كنا تسعة على متن القارب الخشبي الصغير المخصص للصيد، وما إن تحركنا نحو وسط النهر حتى انقلب بنا. كان معنا شخص تركي، يلبس لباساً عسكرياً، مهمته كان التأكد من وصول القارب إلى الجانب اليوناني وبقائنا هناك هذه المرة"، يقول الشاب السوري. لكن حلم الشباب لم يتحقق، ومحاولة إبعادهم إلى الجزء الأوروبي من النهر من قبل الأتراك، تسببت في قتل واحد منهم، واختفاء اثنين.

نجا خمسة شباب إضافة للعسكري التركي الذي رافقهم، بينما عاد هو سريعا نحو الجانب التركي بمساعدة قارب لزملائه، تابع ناجي والشباب الأربعة الآخرون السباحة نحو الجانب اليوناني، وتمكنوا فعلا من الوصول بعد كفاح كبير. يحكي ناجي "بعد انقلاب القارب، تشبثت به وحاولت إنقاذ من كانوا بجانبي، وأول من وجدت كان "أ.ِم"، كان قد توفي بالفعل، لم يكن يتحرك أو يتنفس، ورأيت جثتين تبتعدان بعدما جرفتها المياه القوية".

بعد وصول من تمكنوا من النجاة إلى الجانب اليوناني، يحكي ناجي "رأينا قاربا تركيا يحمل الشخص التركي الذي رافقنا، وحاولنا إقناعهم أن يبحثوا عن الشباب الثلاثة الغارقين، لكنهم ذهبوا دون تقديم أي مساعدة. ثم مرت سيارة شرطة على الجانب اليوناني فناديناهم وتوقفوا، طلبنا منهم البحث عن الآخرين في النهر لكنهم لم يفعلوا شيئا، وقالوا لنا أنهم سيأخذوننا إلى مركز استقبال، لكنهم اقتادونا نحو السجن لساعتين أو ثلاثة فقط، وأعادونا لتركيا عبر قارب صغير أنا والشباب الأربعة، إضافة لأشخاص آخرين".

هذه المرة، وقعت مهمة إيصال القارب على عاتق من أسماهم ناجي بالـ "مرتزقة الذين يستعملهم الحرس اليوناني لمهمة الصد، وكانوا من جنسية أفغانية". وتمكن ناجي والشباب الآخرين من الهرب للحرس التركي وعادوا إلى اسطنبول. عمليات الفرار من السلطات على الجانبين، خاصة إذا قام بها المهاجرون وهم بقرب النهر أو داخله، غالبا ما تكون خطيرة على حياتهم.

مصير قاتم مهما اختلفت النهايات!

شقيق "أ.م" المتواجد بألمانيا، تمكن من استعادة جزء من المال الذي دفعه للمهرب بعد تأكد وفاة أخيه، رغم أن المهرب ماطلهم كثيراً قبل أن يعترف لهم أن القارب قد انقلب، وظل يوهمهم لأيام أن الشباب معتقلون في اليونان، لكن ظهور جثة بلباس "أ.م"، في مستودع الأموات في اسطنبول، أوضح نهاية القصة، وتم تأكيد هويته بعد فحص DNA، أجرته والدته، ليتم تسليمها جثة ابنها في نهاية المطاف.

صحيح أن أسرة واحدة تمكنت من تحديد مصير ابنها، ورغم ألم الفقدان، إلا أنها باتت تعرف مصيره. بينما تعيش أسرتان سوريتين في اسطنبول على أعصابها، يستمرون في البحث عن مصير اثنين من الشباب الذين فقد أثرهم داخل النهر.

شقيق "ف.أ"، واحد من الشابين المختفيين في النهر، واجه الأتراك بما حصل خلال ذلك اليوم بعد تواصله مع الشباب الناجين، لكنهم نفوا أنهم يعيدون المهاجرين إلى النهر عبر قوارب خشبية، ولم يساعدوه أبداً في البحث أو العثور على الجثة، حسب ما حكاه لمهاجر نيوز.

ولا يختلف حال أسرة الشاب الآخر "ق.ب"، التي بحثت في كل من تركيا واليونان، ووكلت محامياً في كل من الدولتين، إلا أنها لم تجد أثرا لابنها. كان "ق.ب" في التاسعة والعشرين من عمره، متزوج وله طفلة. يقطن شقيقه في هولندا، وقد عزم على الهجرة لأجل الوصول إلى أوروبا لضمان مستقبل أفضل لأسرته الصغيرة.

المهرب الذي اتفاق معه "ق.ب" سوري أيضا وموجود بتركيا، لا يعرف أحد اسمه الحقيقي ولا صورته، ينفذ عمليات التهريب باسم "أبو.س" ولا يترك أثرا عن هويته، مستعينا بمكتب إرشادات سياحية وسط اسطنبول يحتفظ له بالأموال من الزبائن، ويرشدهم إلى الخطوات اللاحقة، والعاملون فيه أيضا سوريون.

بينما يحاول شقيق "أ.م" نسيان ألم الفقدان، وتكافح أسرتين لإيجاد أثر لأبنائها، يستمر ناجي في التخطيط لتكرار المحاولة لأنه حسبه "لا مستقبل لي هنا أبدا، تعرضت لإصابة في رجلي تسبب لي مشكلا ولا يمكنني العمل في تركيا، إضافة إلى ذلك، السلطات التركية لا تريدنا هنا، ويضيقون علينا الخناق أينما تواجدنا، لا حل أمامي سوى الوصول إلى أوروبا".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان