"خوف وحذر وقلق".. كيف استقبلت الجالية العربية في إيطاليا فوز اليمين المتطرف؟
روما - (ا ف ب)
فوز اليمين المتطرف التاريخي بالانتخابات التشريعية في إيطاليا الأحد 25 سبتمبر/ أيلول، فجر العديد من الأسئلة داخل هذا البلد، بينها مستقبل الجالية العربية فيه التي يفوق عددها -بحسب بعض الأرقام- الخمسة ملايين، جراء العداء الذي يكنه هذا المعسكر السياسي للهجرة والمهاجرين. فكيف استقبلت هذه الجالية هكذا فوز؟ وما مستقبلها بهذا البلد؟ وما الهامش المتاح لها للدفاع عن نفسها في حال تعرضها لأي حيف؟
"إنها المرة الأولى منذ عقود التي يتغير فيها الوجه السياسي للبلاد بشكل كامل"، تكتب صحيفة "ريبوبليكا" اليومية الإيطالية بنبرة قلقة على خلفية نتائج الانتخابات التشريعية التي أدت الأحد 25 سبتمبر/أيلول إلى فوز تاريخي لليمين المتطرف في إيطاليا.
هذا التغير يزرع "القلق والحذر" لدى الجالية العربية المقيمة في ثالث قوة اقتصادية في أوروبا حول مصيرها، لا سيما أن المعسكر اليميني المتشدد الفائز في هذه الانتخابات، لا يخفي عداءه للهجرة والمهاجرين، حسب ما جاء في تصريح الإعلامي والناشط السياسي عبد المولى البصراوي لفرانس24.
وفاز حزب "فراتيلي ديتاليا" (إخوة إيطاليا) بزعامة جورجيا ميلوني، وهو تنظيم له جذور فاشية، بـ26 بالمئة من الأصوات وفق نتائج جزئية. وتقود ميلوني ائتلافا من ثلاثة أحزاب: رابطة الشمال" بقيادة اليميني المتطرف ماتيو سالفيني، وحزب سيلفيو برلسكوني "فورزا إيطاليا"، إضافة إلى حزبها. ويتوقع أن يفوز الائتلاف بغالبية مقاعد البرلمان، ويشكل حكومة هي الأكثر يمينية في إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية.
وتعود جذور حزب "إخوة إيطاليا" إلى حركة ما بعد الفاشية التي أسسها أنصار بينيتو موسوليني، وقد أشادت ميلوني نفسها بالدكتاتور في مرحلة شبابها. لكنها سعت إلى النأي بنفسها عن ماضيها مع تحول حزبها إلى قوة سياسية وازنة، فيما تظل أطروحاتها حول الهجرة والمهاجرين مصدر قلق الجالية العربية اليوم.
حول نتائج هذه الانتخابات، يلفت النائب في البرلمان التونسي المعلق عن دائرة إيطاليا مجدي الكرباعي، في حديث لفرانس24، إلى أنها "كانت منتظرة، وإن كنا نأمل أن اليسار الإيطالي سيتحرك ويتجاوز خلافاته الداخلية حتى يدخل هذه الانتخابات بقوة أكثر، ويحصل على نتائج أفضل. لكن اليسار عموما يعاني في الوقت الحالي، والنتائج التي يجنيها في أكثر من بلد تؤكد تراجعه".
بالنسبة للإعلامي والناشط السياسي المغربي عبد المولى البصراوي، "عموما الأجانب المقيمين على التراب الإيطالي استقبلوا نتائج الانتخابات التشريعية بحيطة وحذر شديدين. لأن حزبي "إخوة إيطاليا" وهو حزب عنصري متطرف في طروحاته ومواقفه، و"رابطة الشمال" الذي كان ينادي بتقسيم إيطاليا إلى شطرين شمالي وجنوبي ثم حزب برلسكوني، لهما حساسية مفرطة اتجاه الأجانب عموما والجالية المسلمة خاصة".
"وهذا الشعور بالحيطة والحذر مع فوز اليمين المتطرف بهذه الانتخابات"، يضيف البصراوي في حديث لفرانس24، "له ما يبرره لكون هذه الجالية اصطدمت في عدة مناسبات مع هذا المعسكر السياسي في مناطق مختلفة من البلاد، خصوصا في قضايا مرتبطة ببناء مراكز ثقافية، مساجد، تدريس اللغة العربية إلى غير ذلك".
"هناك شعور بالخوف ليس لدى الجالية العربية فقط، وإنما جميع الجاليات الأخرى، وإن كان المستهدف الأول هو الجالية المسلمة، على اعتبار أن جورجيا ميلوني قد صرحت قبل سنوات أن إيطاليا إن كانت في حاجة إلى المهاجرين، يجب أن تعطى الأولوية لأمريكا اللاتينية وتحديدا لسكانها المتحدرين من أصول إيطالية". يوضح الباحث المغربي في مجال الهجرة عبد الله جبار.
ومشكلة ميلوني، يستطرد جبار المستقر في إيطاليا، "ليست مع الهجرة في حد ذاتها بل مع الانتماء الديني والعرقي، وهذا يحرك فيها تلك الجذور التاريخية التي ينتمي إليها حزبها وهو استمرار للحزب الفاشي لموسوليني. لذلك لا نستغرب عندما نقرأ في الصحف أن ميلوني هي ثاني رئيس حكومة بعد موسوليني يعتنق الأفكار الفاشية".
ماذا ينتظر الجالية العربية والمهاجرين عموما؟
يبدو أن المهاجرين عموما في هذا البلد تنتظرهم "أياما صعبة"، حسب البصراوي، "فبدون شك أن اليمين المتطرف بمجرد ما يتولى السلطة سيقوم بتضييق الخناق على الجاليات، خصوصا على إجراءات الحصول على وثائق الإقامة، بناء المساجد، ومحاولة الحد من نشاط الجمعيات الأجنبية، وتقليص الدعم لهذه الجمعيات، وتغيير القوانين من أجل محاصرتها. وهي مواقف طالما عبر عنها حزبا "رابطة الشمال" و"إخوة إيطاليا".
ويعتبر البصراوي أن "هذه الأحزاب حصدت أعدادا كبيرة من الأصوات لاستغلالها ورقة المهاجرين خصوصا غير الشرعيين، وما يترتب عن هذه الظاهرة في بعض الأحيان من جرائم. وهذا بدون شك أثر على العملية الانتخابية، لأن هناك إيطاليين يعتقدون أنهم مهددون بخطر اسمه المهاجرون. وهذه فكرة طبعا خاطئة عمل على ترسيخها اليمين المتطرف".
ومن المنتظر أن يقوم اليمين المتطرف، حسب الكرباعي، بـ"تعقيد الحصول على أوراق الإقامة والجنسية أيضا، علما أن ماتيو سالفيني صعّب ذلك أصلا عندما كان وزيرا للداخلية في حكومة سابقة. كما أن مراكز الإيواء واللجوء من المرتقب أن يخفض عددها كما حدث كذلك عند تولي زعيم رابطة الشمال المسؤولية الحكومية".
كما سيؤدي وصول هذا المعسكر السياسي للسلطة إلى إغلاق حدود بلد يصل إلى سواحله سنويا عشرات آلاف المهاجرين، وهو ما يثير مخاوف المنظمات غير الحكومية التي تعمل على إنقاذ المهاجرين العابرين للبحر المتوسط هاربين من الحرب والفقر المدقع.
وتعهدت قائدة "إخوة إيطاليا"، يشير الكرباعي، بالدفع في اتجاه تنفيذ مشروعها لبناء ما أسمته "الحدود المتقدمة"، بـ"خلق مراكز توقيف للمهاجرين في شمال دول أفريقيا" بناء على تفاهمات مع حكوماتها، على أساس دراسة ملفات المهاجرين انطلاقا من هناك، وفق ما جاء في برنامجها.
"لن نسكت عن أي قرارات ضدنا"
أمام هذا الوضع "دورنا كسياسيين وفاعلين في المجتمع المدني الإيطالي العمل معا، والبقاء في تواصل مع أصدقائنا من الإيطاليين. لن نسكت عن أي تجاوز وأي قرارات ضدنا، كانت مبنية على العنصرية والتفرقة. سندق أبواب القضاء سواء محليا أو دوليا في حالة كنا هدفا لأي حيف"، يشدد الكرباعي.
"وهي معارك، يلزم أن نخوضها اليد في اليد"، يقول النائب التونسي، "حتى تؤكد هذه الجالية أنها مكون أساسي من المجتمع الإيطالي. واليوم، هناك منتخبون من أصول عربية في المجالس المنتخبة، ووصلت لأول مرة امرأة من هذه الشريحة إلى البرلمان وهي المغربية الأصل وداد البقالي".
ومن جهته، يرى البصراوي أنه "رغم أن الجالية المسلمة في إيطاليا تعتبر جالية كبيرة ومهمة، لكن ما ينقصها هو أنها لم تستطع بعد تشكيل قوة ضاغطة في المجتمع الإيطالي، ولها حضور باهت على المستوى المحلي والجهوي والوطني".
"والأمل الوحيد الذي يمكن أن يتمسك به هؤلاء المهاجرون"، في حال تعرضهم لأي حيف، "هي العدالة الإيطالية لأنها مستقلة"، يلفت جبار، وينبه في الوقت نفسه إلى أن "السياسة المقبلة لهذا اليمين ستكون عقابية رغم الدور الاقتصادي لهذه الجالية، وهو معروف ومشهود له بالأرقام من قبل المؤسسات الإيطالية الرسمية وغير الرسمية".
في كل الأحول، سوف لن يكون من السهل أن يطبق اليمين المتطرف الإيطالي أفكاره حول الهجرة وفق رؤيته الخاصة، يوضح الباحث جبار، مفسرا: "أعتقد أن الأمر سيكون صعبا، لأن هناك سياسة أوروبية موحدة حول الموضوع".
فإلى أي حد سيذهب اليمين المتطرف في تنفيذ برامجه المتشددة جدا حول الهجرة؟ والتي توصف بالقاسية، وما مدى قدرة القوى الديمقراطية والحقوقية ومعها المؤسسات الأوروبية للتصدي لها؟ السنوات المقبلة ستحمل معها الإجابة.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: