الدعاية الروسية تدعو لتوجيه "ضربة استباقية" لفرنسا ردًا على دعمها العسكري لأوكرانيا
موسكو - (ا ف ب)
قال محللون روس في نقاش ساخن بثته الإثنين قناة روسيا-1 الحكومية الموالية للرئيس بوتين، إنه يجب توجيه "ضربة استباقية" لفرنسا لدعمها سلطات كييف وقرارها الأخير تزويد أوكرانيا بدبابات قتالية. في المقابل، اعتبر مراقبون حاورتهم فرانس24 بأن مثل هذه التصريحات دعائية فقط وموجهة للداخل الروسي، مستبعدين أن تقدم موسكو على مثل هذا التصعيد.
طالبت الدعاية الروسية الإثنين بتوجيه "ضربة استباقية" لفرنسا ردا على دعمها العسكري لكييف، خصوصا بعد قرار ماكرون الأربعاء الماضي إرسال دبابات قتالية خفيفة إلى أوكرانيا.
جاء هذا خلال برنامج تلفزيوني بث على قناة روسيا-1 الرسمية الموالية للكرملين، حيث قال ضيوف قدموا على أساس أنهم خبراء عسكريون بأنه وبدلا من "الجلوس والانتظار"، يجب شن "هجوم مضاد" بشكل فوري.
وتنظر الدعاية الروسية نظرة قاتمة إلى المساعدات الغربية لأوكرانيا وهي تطالب بشكل متكرر بالتحرك واتخاذ إجراءات راديكالية.
وقناة روسيا-1 التلفزيونية هي وسيلة إعلام حكومية موالية للرئيس فلاديمير بوتين، وقد باتت معروفة خصوصا منذ بدء الحرب في أوكرانيا، مع نشرها تصريحات عدوانية ومتطرفة ضد كييف والدول الغربية الداعمة لها.
"فرنسا.. حذار من ضربة استباقية"
وخلال نقاش الإثنين حول أوكرانيا، قال خبير عسكري في البرنامج الذي يقدمه فلاديمير رودولفوفيتش (مروج للدعاية الروسية) وفق ما نقلت قناة تي إف 1 الفرنسية، إذا قدم "إيمانويل ماكرون دبابات" لأوكرانيا فيجب على فرنسا أن "تتلقى ضربة وقائية بصفتها طرفا في النزاع"، لكنه لم يحدد إن كانت الضربة ستكون هجوما نوويا. مع ذلك، حذر نفس المتحدث من أن "ضرب فرنسا مرة واحدة" سيكون كافيا "ليخاف الجميع"، بما في ذلك المواطنون الروس الذين يفكرون في الفرار نحو فرنسا أو بريطانيا.
ردا على هذه التصريحات النارية الجديدة لكن المتكررة والتي تصدر عن الدعاية الروسية باستمرار منذ بدء الحرب في 24 فبراير/شباط 2022، كتب أنطوان جيراشينكو مستشار وزارة الشؤون الداخلية في أوكرانيا، في تغريدة على تويتر: "حذار فرنسا! الدعاية (الروسية) تلوح بشن ضربة استباقية". وأرفق تحذيراته بنشر فيديو النقاش الذي أذاعته القناة الروسية.
وكانت الرئاسة الفرنسية قالت إنه قد تقرر إرسال دبابات من طراز AMX-10 RC مشيرة إلى أن "هذه هي المرة الأولى التي تزود فيها القوات الأوكرانية دبابات ذات تصميم غربي".
"دعاية تعكس فشل رهانات روسيا"
في قراءته لهذه التصريحات، يرى د. عمر الرداد خبير استراتيجي ومحلل سياسي أن التهديدات التي أذاعتها قناة روسيا-1 هي مجرد "دعوات في إطار الدعاية والتهديد التي يمارسها التيار القومي في روسيا بعد إعلان فرنسا تقديم مدرعات خفيفة للجيش الأوكراني. هو احتمال غير وارد ذلك أن روسيا سارعت لنفي اتهامات بسقوط أحد صواريخها داخل بولندا. فرنسا عضو رئيس في حلف الناتو وتبدو اليوم رغم تصريحات الرئيس ماكرون حول خلافات مع أمريكا وضرورة الحفاظ على خطوط اتصال مع الرئيس بوتين، أقرب لمواقف أمريكا وألمانيا وبريطانيا. تهديد فرنسا من قبل أوساط روسية غير بعيدة عن الحملة الإعلامية التي لا تتجاوز حدودها الداخل الروسي، وتعكس فشل رهانات روسية حول زيادة الفجوة بين أوروبا وأمريكا تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا".
يضيف د.عمر الرداد: "مرجح أنه ما لم يقدم الرئيس بوتين تنازلات تتضمن التوصل لحلول مقبولة، خارج شروطه المعروفة، فإن الدعم العسكري لأوكرانيا سيتواصل في إطار أسلحة تضمن تحقيق الاستراتيجية العسكرية الغربية وجوهرها استنزاف القوات الروسية في أوكرانيا بدون أن تصل إلى العمق الروسي أو تتجاوز حدود أوكرانيا غربا باتجاه الدول الأوروبية. لا يستبعد أن يقرر الناتو في آذار/مارس المقبل تزويد أوكرانيا بأسلحة ومعدات عسكرية أكثر تطورا تحقق المزيد من استنزاف روسيا في المستنقع الأوكراني وذلك بمرجعية أن الرئيس بوتين لن يقبل التفاوض إذا لم يدرك خسائره على الأرض في أوكرانيا".
"لردع الناتو عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة"
وبالنسبة إلى عماد أبو الرب رئيس المركز الأوكراني للتواصل والحوار، فإن هذه التصريحات تأتي "في ظل تصاعد الحرب العدوانية (الروسية) على أوكرانيا وتزايد الدعم العسكري والاقتصادي والإنساني الأمريكي والأوروبي لكييف، وتحسبا لتوجهات روسيا التي صرح بها العديد من المسؤولين والتي أعلن فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية في بلاده، إضافة للتهديد عدة مرات بإجراء ضربات استباقية ضد بعض الدول الأوروبية خاصة بريطانيا وفرنسا على اعتبار أنهما من أبرز الداعمين لأوكرانيا كما ذكر مسؤولون روس".
لكن أبو الرب يوضح أنه وحسب "كثير من الخبراء العسكريين فإن روسيا ليست معنية الآن ولا حتى قادرة على شن ضربات لدول أعضاء في الناتو، وهم يعتبرون مثل هذه التصريحات رسائل لردع دول الحلف عن تزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية ستُحدث تأثيرا في الميدان، رغم أن روسيا تدعي أن ذلك لن يفيد أوكرانيا التي ستدفع الثمن بوقوع المزيد من الضحايا وهدم البنية التحتية فيها وأشارت إلى أن ذلك سيطيل فقط أمد الحرب. ويضيف محدثنا: "تشهد الجبهات تطورات ميدانية منذ بداية السنة الجديدة حيث بدأت مرحلة هجوم بري روسي جديد على الشرق الأوكراني مصحوب بميليشيات فاغنر التي تهاجم الآن بشدة مدينة باخموت وتحاول إحكام الحصار عليها كما أنها تقدمت في أجزاء من مدينة سوليدار في الوقت الذي تجد فيها مقاومة شرسة من القوات الأوكرانية التي تعزز صفوفها بشكل دائم. تستمر الهجمات الصاروخية على مدن شرق وجنوب أوكرانيا يوميا خاصة خيرسون ونيكولاييف وخاركوف وزابوريجيا وسومي".
"غضب روسي واستياء حيال الدعم الفرنسي لأوكرانيا"
بدورها، قالت لانا بدفان باحثة في العلاقات الدولية والأوروبية في مدرسة الاقتصاد العليا بموسكو: "لا يمثل هذا المحلل الروسي وما قاله النخبة الحاكمة أو القرار الروسي. بالتأكيد لا يمكن أن نتحدث عن ضربة استباقية بين فرنسا وروسيا في الوقت الحالي. الدعم الفرنسي لأوكرانيا لا يؤهل روسيا لأن توجه لها ضربة عسكرية على أراضيها، لكن يمكن توجيه الضربات ضد المساعدات التي ترسل إلى أوكرانيا مثل الدبابات التي تقرر إرسالها وغيرها. لا يمكن أن نتحدث عن سيناريو أبعد من أوكرانيا سواء كان في أوروبا الشرقية أو في أي دولة أوروبية وخاصة ما جرى الحديث عنه بالنسبة إلى فرنسا".
وأضافت بدفان: "المشاعر هنا مختلطة، هناك غضب واستياء من الداخل الروسي ومن بعض السياسيين حيال الدعم الفرنسي لربما هذا ما دفع هذا المحلل إلى التصريح بضرورة توجيه ضربة عسكرية لكنها لا تمثل الجهات الحكومية ولا رأيها، وخاصة أن العلاقات الروسية-الفرنسية ورغم التوتر الحالي إلا أنها كانت إيجابية مع تأثرها بالعملية العسكرية على الأراضي الأوكرانية. بوتين هنأ ماكرون بتوليه الرئاسة مرة ثانية وبالتالي لا يمكن أن نتحدث عن انقطاع دائم في العلاقات إنما توتر كبير بسبب الدعم الفرنسي لأوكرانيا. لحد هذه اللحظة فإن القنوات الدبلوماسية مفتوحة ودائما ما نسمع عن مكالمات هاتفية بين الرئيسين. كما أن التمثيل الدبلوماسي الفرنسي لا يزال موجودا في روسيا".
في نفس السياق، أوضح رامي القليوبي أستاذ زائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو ومراسل صحيفة العربي الجديد: "هذه التصريحات صادرة عن خبير عسكري لا يمثل سوى نفسه وهي موجهة إلى الجمهور الداخلي وليس للخارج، حيث إن المجتمع الروسي يشهد موجة من العسكرة. أما أوكرانيا فبدورها تسعى لاستغلال مثل هذه التصريحات وتوجيهها إلى الرأي العام الأوروبي لتصوير روسيا كدولة شيطانية، كل ذلك ضمن الحرب الإعلامية بين البلدين. كما أن أي ضربة روسية على فرنسا أو دولة أخرى في حلف الناتو أمر مستبعد تماما".
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: