إقليم كازامانس السنغالي.. قصة 40 عامًا من التمرد في أفريقيا
(دويتشه فيله)
إقليم كازامانس في السنغال، الذي كان في الماضي مستعمرة برتغالية ويزخر ببعد ثقافي متميز عن باقي أقاليم البلاد، يعصف به أطول تمرد وثورة انفصالية في أفريقيا، لكن سكان الإقليم يرغبون في طي صفحة الماضي. فهل ستنجح جهود السلام؟
لأكثر من أربعة عقود، يدور القتال بين المتمردين الانفصاليين الموالين "لحركة القوى الديمقراطية لكازامانس" من جهة والقوات الحكومية السنغالية من جهة أخرى ما أسفر عن تشريد حوالي 60 ألف شخص وسقوط خمسة آلاف ضحية خاصة بسبب الألغام الأرضية في إقليم كازامانس الواقع في جنوب البلاد.
يعد تشارلز نديكي أحد ضحايا القتال في كازامانس إذ فقد إحدى ساقيه بعد انفجار لغم أرضي في منطقة قالت الحكومة إنها باتت "آمنة" بعد تطهيرها من الألغام.
وفي مقابلة مع DW، قال "لقد عدت إلى قريتي بعد أن دفعتني الحرب إلى تركها والعيش في الخارج لسنوات. وقد أبلغتنا السلطات في حينه أن القرية باتت آمنة، لكن السلطات كانت مخطئة حيث خلفت حركة القوى الديمقراطية والجيش الألغام في كل مكان."
ويعد إقليم كازامانس منطقة معزولة جغرافيا عن أقاليم السنغال الأخرى إذ تفصل غامبيا معظم أراضي الإقليم عن بقية البلاد فيما يقطن الإقليم قرابة 1.5 مليون شخص يعيشون في أجواء "لا حرب ولا سلام".
الغابات.. ملجأ للمتمردين
ومازال يشهد الإقليم صراعا وقتالا على الرغم من المحاولات العديدة لإجراء تفاوض بين المتمردين والحكومة لإحلال السلام في كازامانس.
ويعتبر 2007 عاما محوريا في تاريخ "حركة القوى الديمقراطية لكازامانس" حيث انقسمت إلى فصائل عقب وفاة الزعيم أوغستين دياماكون سنغور فيما باتت نختبئ عناصرها في الغابات الكثيفة.
وعلى عكس الفترات السابقة، صب تركيز عناصر "حركة القوى الديمقراطية لكازامانس" على أعمال تهريب الأخشاب المربحة أكثر من تحقيق الاستقلال والانفصال عن دولة السنغال الأم.
وفي ذلك، قال أميدو دجيبا، الذي يُعرف نفسه بأنه الناطق الحالي باسم "حركة القوى الديمقراطية لكازامانس"، إنه منذ بدء القتال عام 1982، تبنى رؤساء السنغال عدة استراتيجيات مختلفة في مسعى لإنهاء الصراع.
وأضاف "تباينت الاستراتيجيات من العمليات العسكرية والفساد وحتى قطع الوعود بتحقيق التنمية، لكنها باءت بالفشل".
وإذا كان دجيبا وغيره من متمردي الحركة ما زالوا على اقتناع بأن معظم سكان إقليم كازامانس يدعمهم ويرغبون في الانفصال، فإن تبيان حقيقة ذلك لا يتطلب سوى ركوب دراجة نارية والسير إلى القرى المجاورة لإدراك أن غالبية السكان لديهم رغبة في طي صفحة الماضي.
"لا حديث الآن عن القتال"
ولم تقتصر دعوات إحلال السلام على السياسيين، بل انضم إلى ذلك فنانون ومطربون مثل "باي مايك" الذي يرغب في وضع نهاية لهذا الصراع طويل الأمد.
وقال "باي مايك"، وهو أول مغني راب بلغة المانجاك، "عندما كنت شابا قمت بكتابة أغانٍ عن إحلال السلام مثل باقي مؤلفي الأغاني. لكن الآن قامت الحركة بتغيير فكرتها الأساسية التي قامت عليها إذ لم يعد هناك أي حديث عن الصراع. لقد تطور الوضع لأن البيئة تغيرت".
وأضاف "نحن في حاجة إلى التفكير في المستقبل وعلينا إعطاء دور كبير للثقافة في حياتنا. يجب أن نكون قادرين على إحداث التغيير في المجتمع".
انخراط المتمردين في تهريب الأخشاب
يشار إلى أن تمويل الأعمال القتالية في الإقليم يأتي بشكل كبير من خلال اقتصاد غير مشروع، لكنه يعود بالنفع على المجتمعات المحلية.
وفي ذلك، يقول عدد من النشطاء إنه من أجل إنهاء القتال، هناك حاجة إلى تغيير طرق تفكير الفئات التي تستفيد من أعمال تهريب أشجار خشب الورد.
وكان متمردو "حركة القوى الديمقراطية لكازامانس" قد لجئوا منذ وقت طويل إلى المناطق الحدودية، لكن هذه المناطق باتت مصدرا للتمويل من خلال انخراط الحركة في أعمال التهريب إذ يشارك المتمردون بشكل مباشر في إنتاج القنب الهندي وتهريب خشب الورد النادر والثمين إلى غامبيا.
الجدير بالذكر أنه في عام 2012 جرى الإعلان عن انقراض أشجار خشب الورد الأفريقية النادرة في غامبيا، لكنها ورغم ذلك ظلت واحدة من أكبر مصدري أخشاب شجر الورد إلى الصين.
وتقول التقارير إن الجزء الكبير من خشب الورد الذي يتم إرساله عبر غامبيا يأتي من إقليم كازامانس الذي يعد أقرب إلى غامبيا أكثر من من الموانئ الرئيسية في السنغال مثل ميناء داكار.
بدوره، قال فوسار دابو، ناشط بيئي، إن قاطعي أشجار خشب الورد يتمركزون في مناطق الغابات قرب الحدود الغامبية.
وأضاف دابو، وهو يعمل مدرسا، "يتم قطع الأشجار سرا في الليل أو في وضح النهار عن طريق إظهار تصاريح مزورة. ثم يتم نقل الخشب عبر الحدود الغامبية مباشرة وبعد ذلك تتم عملية التصدير إلى الصين".
نجح دابو مع نشطاء آخرين في تأسيس "غرين سيدهيو" وهي منظمة ترمي إلى محاربة أعمال التهريب والاتجار غير المشروع بالأخشاب.
وكانت السنغال قد خسرت منذ عام 2010 أكثر من مليون شجرة بسبب أعمال تهريب الأخشاب التي تقدر بقرابة عشرة مليارات دولار (9.36 مليار يورو) فيما قامت غامبيا بتصدير ما يقدر بنحو 1.6 مليون شجرة من خشب الورد النادر منذ عام 2012.
ويأتي هذا الرقم الكبير من تصدير الأخشاب رغم أن مساحة غامبيا لا تتجاوز 11300 كيلومتر مربع إذ تعد أصغر دولة في غرب أفريقيا.
وفي ذلك، قال دابو "نرى عشرات الأشجار المدمرة كل شهر. وفي حالة الاستمرار فإن المنطقة في خطر إزالة الغابات والتصحر. باعتباري من أبناء كازامانس، لا يمكننا أن نخسر هذه الثروة التي لا تقدر بثمن".
وشدد دابو على أنه وابناء جيله يدركون خطورة الأمر أكثر من الأجيال السابقة، مضيفا أن الكثير ممن نشأوا في براثن الصراع والقتال يرغبون في طي صفحة الماضي. وقال "لقد ولدت سنغاليا وأولادي ولدوا في السنغال وهم سنغاليون. أريدهم أن يجدوا إقليم كازامانس في حالة أفضل مما وجدته أنا".
فيديو قد يعجبك: