إعلان

هل المملكة المتحدة هي القائد الأمني الذي تحتاجه أوروبا؟

01:37 م الثلاثاء 31 يناير 2023

المملكة المتحدة

واشنطن- (د ب ا):

عندما انتشر في 24 يناير الحالي خبر استجابة المستشار الألماني أولاف شولتس لمطالب أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين المقربين لإرسال دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا، لم يصطف رؤساء الدول في أوروبا بالضبط لتهنئة شولتس على قيادته الحاسمة. ولكن في الحقيقة، أعرب الكثيرون عن خوفهم من أن القرار تأخر كثيرا ونجم عن ضغط خارجي- وليس بسبب إصرار ألمانيا على إظهار جبهة متحدة ضد روسيا.

ويقول الباحثان الدكتور فايل كوربيلا، المدير التنفيذي لمعهد الابتكار الفنلندي، وديانا مجيشتري، المحللة بالمعهد، في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، إن شولتس التقى الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الأسبوع الماضي للاحتفال بمرور 60 عاما على معاهدة الإليزيه الموقعة بين البلدين، والتحدث عن الأمن الأوروبي والطاقة، والسياسة الاقتصادية، في محاولة لدحض الانتقادات بأن الشراكة الفرنسية الألمانية تتهاوى.

من ناحية أخرى، حظي رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون بترحيب واستقبال الأبطال في كييف، كما لو أنه مازال في منصبه. كما اعتبرت قوة الاستطلاع المشتركة التي تقودها المملكة المتحدة، والتي تربط بين دول الشمال ودول البلطيق من خلال ضمانات أمنية بريطانية، بديلا فعالا للعضوية الكاملة في حلف شمال الأطلس (الناتو)، بالنسبة لفنلندا والسويد، في ظل معارضة تركيا لتوسع الناتو على أساس مزاعم متنازع بشأنها، بأن السويد تدعم جماعات إرهابية كردية.

ويرى كوربيلا ومجيشتري، وهما من أعضاء برنامج المستشارين بالمجلس الأطلسي، أنه على الرغم من أن الشراكة الفرنسية الألمانية الاستراتيجية تواجه متاعب، بدا الآن أن بريطانيا العظمى هي مرشح غير محتمل للقيادة في الأمور الأمنية الأوروبية، فبريطانيا التي كانت أول دولة أوروبية ترسل دبابات إلى أوكرانيا، أصبحت مرة أخرى القائد في مجال السياسة الأمنية الأوروبية، رغم أنها تركت أوروبا سياسيا.

ولايبدو أن التحديات السياسية المحلية التى تواجهها بريطانيا بعد خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي (بريكست) قد أخمدت السياسة الخارجية الطموحة للحكومات البريطانية المتعاقبة، حيث أظهرت كل منها أنها مؤيد قوي لأوكرانيا . وقد حظى هذا بدعم الدول الأعضاء في الجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي، والتي تشعر كلها بالقلق من أنها سوف تصبح الضحية التالية للعدوان الروسي، إذا ما سقطت أوكرانيا.

وفي حين أن بريطانيا كسبت قلوب معظم الدول الموالية لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، تواجه ألمانيا انتقادا متزايدا لعدم إسهامها بشكل كاف في القضية الأوكرانية. ومع ذلك، كان المنتقدون أقل ضراوة بالنسبة لفرنسا، التي لم يكن اقتصادها قبل حرب أوكرانيا مرتبطا بروسيا بنفس القدر مثل ألمانيا.

وفي حقيقة الأمر، هناك اختلافات أساسية تفصل بين فرنسا وألمانيا، فبالنسبة للقضايا الجغرافية الاستراتيجية ومعنى ما تصفه الدولتان بـ" سيادة" أوروبا، تعتبر ألمانيا أكثر ارتباطا بالناتو والولايات المتحدة، بينما تلتزم فرنسا بالتقليد الديجولي فيما يتعلق بأوروبا، باعتبارها قوة وساطة و" توازن" بين دول العالم الكبرى. كما أن الاختلافات كبيرة في سياسة الطاقة، إذ تواصل فرنسا دعم الطاقة النووية، بينما أصبحت ألمانيا في المرحلة الأخيرة من التخلص من هذه الطاقة.

وتبرز قضية إرسال الدبابات الألمانية إلى أوكرانيا مسألة أكثر أهمية بالنسبة لمستقبل القيادة الأوروبية، يمثلها الاقتباس الشهير الخاطىء الذي غالبا ما ينسب إلى وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر وهو: " بمن اتصل إذا كنت أريد التحدث إلى أوروبا؟".

والسؤال الملح الذي يدور في عقول الجميع يتعلق بمستقبل التزام الولايات المتحدة تجاه الأمن الأوروبي. فبدون مظلة واشنطن النووية، هل ستسعى ألمانيا إلى تطوير قدراتها النووية، مما يؤدي إلى شراكة فرنسية ألمانية أكثر تعقيدا ؟ فالألمان لا يمكنهم التأكد من أن الولايات المتحدة سوف تواصل مد مظلتها النووية فوق بلادهم دون شروط. ولن يخاطر أي رئيس أمريكي بخوض حرب نووية من أجل برلين تحت أي ظروف. ويمكن لوجود بريطانيا العظمى، الملتزمة تماما بالدفاع الأوروبي، كقوة نووية أخرى، أن يبدد مخاوف ألمانيا وأن يقلل من احتمالات حدوث تنافس متزايد بين باريس وبرلين.

ومنذ 60 عاما، وصف شارل ديجول المصالحة بين فرنسا والمانيا بعد الحرب بأنها" معجزة زماننا"، وذلك في أعقاب التجاوزات ذات النزعة القومية في القرنين التاسع عشر والعشرين. ولم يكن تفاؤل ديجول ساذجا، حيث إن معاهدة الإليزيه التي وقعها مع كونراد أديناور في عام 1963 بقيت حتى بعد عهد جورج بومبيدو وسياسة المستشار فيلي برانت الشرقية التي اتسمت بعلاقات "نموذجية، ولكن لا تشمل الجميع".

واختتم الباحثان تقريرهما بالقول إنه مع تركيز الصحفيين والمحللين السياسيين عل دبابات ليوبارد الألمانية وعودة جونسون إلى كييف، يبقى السؤال الحقيقي الذي يتعين أن نسأله لأنفسنا، هو ما إذا كان ما نشهده هو بالفعل الفصل الأول من فصول عودة بريطانيا إلى أحضان الاتحاد الأوروبي- وهذه المرة كأبطال لديهم جهود لانقاذ أوكرانيا. وهذا بالتأكيد سيكون كما قال الجنرال ديجول، معجزة حقيقية في زماننا.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان