تحاليل الحمض النووي.. لماذا حظرت إسرائيل إجراءها وتتخوف من نتائجها؟
كتب- محمود الطوخي
لطالما عملت دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ قيامها على ترسيخ فكرتها "بوحدة الأصل المشترك لليهود" حول العالم، وخلال سعيها حظرت كافة الوسائل التي من الممكن أن تطعن في نظريتها المزعمة، وكانت أهمها تحاليل الحمض النووي، التي قد تؤدي نتائجها إلى ما يخالف أهواء قادتها ويضرب جذور الادعاءات الصهيونية بـ "الحق التاريخي" في أرض فلسطين.
وتمتلئ المكتبات العامة والأكاديمية في دولة الاحتلال الإسرائيلي بأبحاث تندرج تحت مسمى "علم الوراثة لليهود"، إذ تتفق جميعها على تقديم اليهود بأنهم عرق واحد، ينتمي لأصول شرق أوسطية مشتركة، في محاولة لإثبات إحدى الأساطير المتأصلة في الفكر الصهيوني، بأن "اليهود شعب واحد رغم التشتت، تجمعه رابطة عرقية متجذرة في أصل أسلافه المشترك من اليهود الأصليين في يهودا القديمة".
"هل تريد أن تعرف نسب عائلتك؟ ليس بدون أمر من المحكمة"، هكذا عنونت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية مقالًا نشرته في مارس من العام 2019، مؤكدة أنه في الوقت الذي يَسهل فيه على المواطنين حول العالم إجراء اختبارات الحمض النووي "DNA"، فإن إجراء مثل هذه التحاليل في إسرائيل يحتاج إذنًا خاصًا من المحكمة.
ولفتت الصحيفة العبرية إلى أنه رغم توافر الوسائل والأدوات المطلوبة لإجراء تحاليل مماثلة، وخصوصا لشركات أمريكية متخصصة تقدم خدماتها عن بعد من خلال إرسال العينات اللازمة بالبريد أو عبر الإنترنت، فإن ذلك محظور تمامًا في إسرائيل قائلة: "يمكن أن تحمل هذه الاختبارات آثارًا وطنية، كون إسرائيل دولة دينية يهودية معترف بها".
وأردفت "جيروزاليم بوست" بأن إسرائيل متخوفة من أن تؤدي نتائج هذه الاختبارات والتحاليل إلى نسف الأسطورة الصهيونية الأساسية التي قامت عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي مزاعمها بأن "اليهود ينتمون إلى عرق واحد".
لكن في الـ 5 من ديسمبر عام 2012 أثارت دراسة نشرها الباحث اليهودي في معهد جونز هوبكنز بولاية بالتيمور الأمريكية "إيرين حايك" بعنوان "الحلقة المفقودة من النسب اليهودي الأوروبي، مقارنة راين لاند والفرضيات الخزرية"، ضجة واسعة داخل المجتمع اليهودي في إسرائيل؛ بعد أن وصف الأسطورة الصهيونية الزاعمة بوحدة الأصل اليهودي المشترك بالهراء.
خلصت الدراسة الجينية التي أجراها حايك إلى أن اليهود عموما لا ينتمون إلى أصل واحد، موضحا على سبيل المثال أن يهود أوروبا المعاصرين لا ينحدرون من سلالة اليهود المذكورين في كتابهم المقدس "التوراة"، بل هم خليط ممن يُعرفون بـ "الخزر (من اعتنقوا اليهودية من الشعوب التركية القديمة بمنطقة القوقاز)"، واليهود اليونانيين والرومان ويهود ما بين النهرين.
وأوضح حايك في دراسته أن التركيبة السكانية لليهود الأوروبيين تشكلت في منطقة القوقاز ما بين أوروبا وآسيا، مؤكدًا أن هذا دليلًا على زيف الادعاءات الصهيونية بـ "الحق التاريخي في أرض فلسطين.
لم يكن حايك وحده من نقض في دراسته مزاعم "القومية اليهودية"، إذ توافقت مع معطيات دراسته آراء المؤرخ الإسرائيلي "شلومو زاند" من خلال بحثه التاريخي الذي ناقش بعض تفاصيله خلال لقاء تلفزيوني في برنامج " حوار الساعة" على قناة "مساواة" بالتلفزيون الفلسطيني عام 2018.
عبّر زاند عن عدم اعتقاده بوجود "قومية يهودية"،قائلًا إنه من المضحك أن الحركة الصهيونية صنعت شعبين وقوميتين، مضيفًا أن "العنصرية هي العنصرية، وفي جامعة تل أبيب تجري الأبحاث لاكتشاف الحمض النووي والجينات الوراثية اليهودية".
وأكد زاند على أن اليهود هم الشعب الوحيد في العالم الذي يبحث في الجينات الوراثية؛ "ليثبتوا لأنفسهم أنهم شعب وهذا غريب جدًا في تاريخ الشعوب"، موضحًا أنه من الغريب أن اليهود الذين عانوا في الماضي الأمرّين بسبب اختلاف عروقهم وأنهم من شعوب مغايرة، "يحاولون اليوم إثبات عرقهم وشعبهم، ومازالو يبحثون عن الجينات الوراثية والحمض النووي اليهودي ولم يجدوه".
ويوضح زاند أنه "عندما يقول على سبيل المثال الشعب الألماني أو الإيطالي، فإنه بذلك يقصد مجموعة من الناس يشتركون في العادات والثقافة واللغة والطعام وغير ذلك من الأمور، بينما على الجهة الأخرى عندما تقول الشعب اليهودي فإن ذلك يقصد به مجموعة من البشر لا يشتركون في اللغة على مر التاريخ، ولا الطعام ولا الملابس حتى".
واستطرد المؤرخ الإسرائيلي "إنهم يبحثون عن الجينات الوراثية بخلاف شعوب العالم كلها، حيث لا أحد يبحث عن جينات الشعب الأمريكي أو الألماني مثلا".
وبالرغم من المحاولات التي يقوم بها القادة الصهاينة في إسرائيل، فإن اعتداءات جيش الاحتلال على الفلسطينيين في غزة أظهرت انشقاقات واسعة في "المجتمع اليهودي" حول العالم، إذ شارك فصيل كبير يضم رجال دين يهود في تظاهرات ترفض الممارسات الإسرائيلية الجائرة على المدنيين في القطاع.
فيديو قد يعجبك: