لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

غضب يتصاعد في تركيا مع انهيار مبان حديثة كان يفترض أن تقاوم الزلازل

04:58 م الجمعة 10 فبراير 2023

زلزال تركيا

أنقرة- (بي بي سي):

أثار مشهد انهيار المباني المشيدة حديثاً بفعل الزلزالين اللذين ضربا تركيا الغضب. وتفحصت بي بي سي ثلاثة من تلك المباني الحديثة، التي تحولت إلى ركام، لمعرفة ما تكشفه عن سلامة تلك المباني.

لقد أدى زلزالان كبيران- بقوة 7.8 و 7.5 درجة على مقياس ريختر، إلى تسوية مبان من مختلف الأنواع بالأرض وخلفا آلاف القتلى في مناطق جنوبي تركيا وشمالي سوريا.

لكن حقيقة انهيار حتى بعض المباني السكنية الحديثة وتحولها إلى غبار قد أثار أسئلة ملحة حول معايير السلامة لتلك المباني.

فأساليب البناء الحديثة يجب أن تعني أن المباني يمكنها أن تتحمل زلازل بهذه القوة. وكان يفترض باللوائح التنظيمية التي أعقبت كوارث سابقة في البلاد أن تضمن وجود هذه الإجراءات الحمائية كأمور مدمجة في البناء.

في المبنى الأول بين المباني الثلاثة المنهارة التي حددتها بي بي سي، أظهرت صور نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، الناس وهم يصرخون ويركضون طلباً للحماية.

وشوهد النصف السفلي من بناية للشقق السكنية في ملاطية، ينهار، تاركاً ما تبقى من البناية مائلاً فوق الغبار والركام.

وكانت الشقق قد شيدت العام الماضي، وتم تداول صور على وسائل التواصل الاجتماعي لإعلان يقول إن المبنى "اكتمل تشييده بما يتوافق مع أحدث الأنظمة القانونية الخاصة بالزلازل".

وزعم الإعلان أن كافة التصميمات والمواد المستخدمة كانت "تتمتع بالجودة من الطراز الرفيع". وبينما لم يعد الإعلان الأصلي موجود على الانترنت، إلا أن لقطات الشاشة ومقاطع الفيديو للإعلان، التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي تطابق إعلانات مماثلة من قبل الشركة نفسها.

والبناء الحديث يعني أنه يجب أن يكون قد بني وفقاً لأحدث المعايير، التي تم تحديثها في 2018، والتي تتطلب من الهياكل الإنشائية التي تبنى في المناطق المعرَّضة للزلازل أن تستخدم اسمنتاً عالي الجودة مدعماً بقضبان من الحديد. ويجب أن يتم توزيع الأعمدة والدعامات على نحو يتيح امتصاص تأثير الزلازل بشكل فاعل.

لكن بي بي سي لم تتمكن من التحقق من معايير الإنشاء المستخدمة في هذا المبنى.

وتظهر الصور مبنى آخر للشقق السكنية شيد حديثاً في مدينة اسكندرون الساحلية، وقد دمرت معظم أجزائه. فقد انهار الجزءان الجانبي والخلفي من المبنى المؤلف من 16 طابقاً كلياً، تاركاً جزءاً واحداً فقط من المبنى في مكانه.

وعملت بي البي سي على مطابقة صورة المبنى المنهار مع صورة إعلانية نشرت من قبل شركة الإنشاءات، والتي تظهر أن المبنى اكتمل بناؤه في 2019.

وهذا يعني أن المبنى كان ينبغي أن يُشيد وفق أحدث المعايير.

وقد تواصلت بي بي سي مع الشركة المسؤولة عن الإنشاء، لكنها لم تتلق أي رد.

وتُظهر صورة أخرى في أنطاكيا، تحققت منها بي بي سي، انهيار الجانب الأكبر من مجمع سكني مؤلف من 9 طوابق، خلف لافتة تحمل اسم المجمع: غوجلو بهجة.

ولقد عثرنا على مقطع فيديو لحفل افتتاح المجمع السكني، والذي يؤكد أن المبنى اكتمل في نوفمبر 2019.

وفي مقطع الفيديو، يقول سيرفت أطلس، مالك شركة "سيرال كونستراكشن": "إن مشروع مدينة غوجلو بهجة مميز بشكل خاص مقارنة بالمشاريع الأخرى من حيث موقعه ومزاياه الإنشائية".

لماذا هذا الضعف في تطبيق القانون؟

قال أطلس، مالك الشركة، في رده على بي بي سي: "من بين مئات المباني التي بنيتها في هاتاي (المحافظة الجنوبية التي تعتبر أنطاكيا عاصمتها) لسوء الحظ وللأسف انهار مبنيان."

وأضاف بأن الزلزال كان بقوة كبيرة لدرجة أنه لم تبق بناية واحدة سليمة. وقال: "نشهد بشكل مؤلم كيف تقوم بعض المؤسسات الإعلامية بتزييف الوعي، واختيار كباش فداء تحت ستار التغطية الصحفية".

وعلى الرغم من أن الزلزالين كانا قويين، إلا أن الخبراء يقولون إن المباني التي شيدت بشكل مناسب كان ينبغي أن تكون قادرة على الصمود والبقاء شامخة.

ويقول البروفيسور ديفيد أليكسندر، وهو خبير في التخطيط وإدارة الطوارئ في جامعة "يونيفيرستي كوليج لندن" إن "شدة الزلزال القصوى كانت عنيفة لكنها ليست كافية بالضرورة للإطاحة بالمباني المشيدة بشكل جيد".

وأضاف: "في معظم الأماكن كان مستوى الاهتزاز أقل من الحد الأقصى، وبالتالي يمكن أن نستنتج من آلاف المباني التي انهارت، أن جميعها تقريباً، لا ترقى لأي قواعد بناء، تتعلق بالزلازل.

عدم تطبيق أنظمة البناء

لقد تم تشديد أنظمة البناء في أعقاب كوارث سابقة، من بينها زلزال 1999 الذي وقع حول مدينة إزميت، شمال غربي البلاد، والذي أودى بحياة 17,000 شخص.

لكن القوانين، بما فيها المعايير الأحدث، التي وضعت في 2018، لا يتم تطبيقها بشكل جيد.

يقول البروفيسور أليكسندر: "تعود المشكلة في جانب منها إلى وجود تحديث ضئيل للمباني القائمة، ولكن أيضاً هناك تطبيق ضئيل جداً لمعايير البناء على المباني الجديدة".

وتحدث مراسل بي بي سي في الشرق الأوسط، توم بيتمان، إلى الناس في مدينة أضنة الجنوبية، الذين قالوا إن إحدى البنايات التي انهارت هناك، كانت قد تضررت قبل 25 عاماً في زلزال آخر، ولكنها تُركت دون إدخال تعديلات تحديثية مناسبة عليها.

تُثبت دول مثل اليابان، التي يعيش فيها ملايين الناس في أبراج عالية الكثافة السكانية، رغم تاريخ البلاد الحافل بالزلازل العنيفة، كيف يمكن أن تساعد أنظمة البناء على إبقاء الناس آمنين في الكوارث.

وتتفاوت متطلبات السلامة الإنشائية اعتماداً على الغرض من المبنى ومدى قربه من المناطق الأكثر عرضة للزلازل، بداية من التقوية البسيطة إلى مخمدات الحركة في جميع أنحاء المبنى، إلى وضع المبنى برمته فوق ماص عملاق للصدمات من أجل عزله عن حركة الأرض.

لماذا تطبيق الأنظمة ضعيف جداً؟

لكن الحكومة في تركيا منحت "إعفاءات إنشائية" متكررة- وهي إعفاءات قانونية عملياً مقابل دفع رسوم معينة، للمباني التي بُنيت بدون شهادة السلامة المطلوبة. وهذه الإعفاءات كان يتم تمريرها منذ ستينيات القرن الماضي (وكان آخرها في 2018).

وحذر المنتقدون منذ وقت طويل من أن هذه الإعفاءات ستؤدي إلى كارثة في حالة وقوع زلزال كبير.

وحسب بيلين بينار غيريتلي أوغلو، رئيس اتحاد غرف المهندسين الأتراك، وغرفة المهندسين المعماريين، من مخططي المدينة في اسطنبول، فإن ما يصل إلى 75,000 مبنى تقع عبر المنطقة المتأثرة بالزلزال في جنوبي تركيا، قد مُنحت إعفاءات إنشائية.

وقبل أيام قليلة فقط من وقوع الكارثة الأخيرة، أفادت وسائل إعلام تركية أن مسودة قانون جديد تنتظر الموافقة البرلمانية عليها ستمنح إعفاء جديداً للأعمال الإنشائية الجديدة.

وقال العالم الجيولوجي جلال سنغور في وقت سابق من هذا العام، إن تمرير مثل هذه الإعفاءات الإنشائية في بلد تمزقه خطوط الصدع يرقى إلى مستوى "الجريمة".

وبعد أن ضرب زلزال مميت محافظة إزمير الغربية في 2020، وجدت خدمة بي بي سي التركية أن 672,000 مبنى في إزمير استفاد من أحدث إعفاء إنشائي.

ونقل هذا التقرير نفسه عن وزارة البيئة والتطوير الحضري قولها إن أكثر من 50 في المئة من المباني في تركيا في 2018- أي ما يعادل حوالي 13 مليون مبنى- شيدت بشكل ينتهك الأنظمة.

ولدى سؤالها عن معايير البناء في أعقاب الزلازل الأحدث، قالت وزارة البيئة والتطوير الحضري: "لم ينهر أي مبنى شيدته إدارتنا. وتتواصل دراسات تقييم الضرر بسرعة في الميدان".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان