لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

زلزال تركيا وسوريا: إخفاقات في التعامل مع الكارثة تعرض مصير إردوغان السياسي للخطر

02:06 م السبت 11 فبراير 2023

إردوغان

أنقرة- (بي بي سي):

وضع الزلزال الأعنف على الإطلاق الذي يضرب تركيا منذ عام 1939 علامات استفهام عدة بشأن وجود احتمالات لتفادي تلك المأساة الهائلة وتساؤلات عما إذا كان في يدي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ما يفعله لإنقاذ المزيد من الأرواح.

ومع اقتراب الانتخابات، وضعت تلك الكارثة مستقبل إردوغان السياسي على المحك بعد 20 عاما في السلطة وسط ذهاب دعواته للوحدة الوطنية أدراج الرياح.

واعترف الرئيس التركي بأوجه القصور التي شابت استجابة الدولة لأزمة الزلزال المدمر، لكنه تحدث، أثناء زيارته لأحد المواقع المنكوبة، عن أن الأمر يتعلق بالقضاء والقدر قائلا: "هذه الأشياء دائما ما تحدث، إنها جزء من مسار القدر".

وتقع تركيا على خطين صدعيين، وتطبق البلاد معايير بناء مضادة للزلازل منذ 80 سنة. لكن الزلزال المزدوج الذي ضربها الاثنين الماضي كان الأعنف الذي تشهده البلاد منذ عام 1939، إذ بلغت قوة الزلزال الأول 7.8 درجة على مقياس ريختر في حين جاء الثاني - الذي بلغت قوته 7.5 درجة - على بعد عشرات الأميال من الأول.

تأخر البحث والإنقاذ

وتطلب الأمر إجراء عمليات إنقاذ موسعة في 10 من الولايات التركية البالغ عددها 81 ولاية.

لكن البدء في ذلك استغرق وقتا طويلا حتى بدأت الاستجابة في الظهور بينما لم تتمكن فرق البحث والإنقاذ الوصول إلى بعض القرى لعدة أيام. ووصل إلى المناطق المنكوبة حوالى 30000 من فرق الإنقاذ ما بين محترفين ومتطوعين بالإضافة إلى فرق إنقاذ من دول أخرى.

وانهار أكثر من 6000 مبنى، وعلق بعض عمال الإغاثة الأتراك التابعين لإدارة الكوارث والطوارئ (أفاد) في بعض المناطق بسبب الزلزال.

وكانت الساعات الأولى من الاستجابة لهذه الكارثة الطبيعية حرجة وسط أضرار بالغة أصابت الطرق، مما أدى إلى صعوبة بالغة واجهت فرق البحث والإنقاذ في الوصول إلى المواقع المتأثرة ليصل بعضهم في اليوم الثاني والثالث إلى تلك الوجهات.

ولدى تركيا خبرة كبيرة في مواجهة الزلازل أكثر من أي دولة أخرى تقريبا، لكن مؤسس فريق الإنقاذ التطوعي الرئيسي في البلاد يعتقد أن السياسة اعترضت طريق تلك الخبرة.

فبعد الزلزال العنيف الذي ضرب البلاد عام 1999، كانت القوات المسلحة التركية هي التي تقود عملية البحث والإنقاذ، لكن إردوغان وحكومته يسعيان إلى الحد من سلطات الجيش في المجتمع.

وقال ناسو محروقي، رئيس مؤسسة أكوت: "في جميع أنحاء العالم، تُعد القوات المسلحة هي المؤسسة الأكثر تنظيما والأقوى لوجستيا، فلديها وسائل كثيرة، لذا عليك أن تستغل ذلك أثناء مواجهة الكارثة".

وبدلا من الجيش، تلعب إدارة الكوارث والطوارئ المدنية هذا الدور بطاقم عمل يتكون من 10000 إلى 15000 شخص تساعدهم منظمات غير حكومية مثل أكوت التي يعمل لديها حوالى 3000 متطوع.

ويرى ناسو أن إمكانيات الجيش في الوقت الحالي أكبر بكثير مما كانت عليه في 1999، لكنه كان حارج الخطة لأنه ينتظر أوامر من الحكومة، وهو ما تسبب في "تأخر انطلاق عمليات الإنقاذ والبحث".

واعترف إردوغان بأن جهود البحث لا تسير بالسرعة التي تريدها الحكومة رغم أن تركيا لديها "أكبر فريق بحث وإنقاذ في العالم حتى الآن".

"لقد حذرتهم"

لسنوات عدة، تتلقى تركيا تحذيرات من احتمالات أن يضربها زلزال مدمر، لكن أغلب التوقعات رجحت أنه قد يضرب البلاد من منطقة الخط الصدعي شرق جبال الأناضول الذي يمتد على طول جنوب شرق البلاد، وذلك لأن الهزات الأكبر كانت تضرب الخط الصدعي في الشمال.

وعندما ضرب زلزال مدينة إيلازيغ - شمال شرق موقع الزلزال الذي ضرب البلاد الاثنين الماضي - في 2020، أدرك ناجي غورور، الأستاذ بجامعة أسطنبول الفنية، الخطر الذي قد تتعرض له البلاد. وتوقع غورور أن يضرب زلزال قوي ولاية أديامان ومدينة كهرمان مرعش.

وقال الأستاذ الجامعي التركي: "حذرت حكومة الولاية، وحاكمها، والحكومة المركزية. وقلت لهم 'أرجوكم، اتخذوا الإجراءات التي تجعل مدينتكم مستعدة لمواجهة الزلازل'. وحيث لا يمكننا وقفها، علينا أن نحد من الأضرار التي قد تخلفها".

ويرى مصطفى إرديك، أحد أبرز المتخصصين في هندسة الزلازل في تركيا، أن الخسائر الفادحة في الأرواح ترجع إلى عدم اتباع قواعد البناء، لافتا إلى أن الأسباب الرئيسية لتلك الخسائر الكبيرة هي الجهل وغياب الكفاءة في صناعة البناء.

وقال إرديك لبي بي سي: "قد نسمح ببعض الأضرار، لكن ليس بهذا الحجم، إذ تتراكم الطوابق فوق بعضها البعض مثل الفطائر. كان ينبغي منع ذلك لأنه يتسبب في وقوع ضحايا بالقدر الذي رأيناه".

وينص تحديث 2018 للقواعد التركية التي تحكم الإنشاءات على استخدام خرسانة عالية الجودة مسلحة بأسياخ من الصلب المضلع في بناء أعمدة رأسية ودعامات خرسانية أفقية حتى يمكن امتصاص أثر الهزات.

وقال خبير هندسة الزلازل إنه ينبغي أن يكون "هناك تلاحم بين الخرسانة والصلب، كما ينبغي أن يكون هناك تعزيز مناسب للأعمدة".

ويرى إدريك أن الالتزام بهذه القواعد يؤدي إلى أن تصمد الأعمدة في وجه الزلازل بينما يقتصر التصدع على الدعامات الأفقية، وإلا انهارت الأعمدة وسقطت أرضيات الطوابق بعضها فوق بعض، مما يسبب وقوع عدد كبير من الضحايا.

ضريبة الزلازل الغامضة

وحدثت مخالفات كثيرة لقانون البناء المعزز في تركيا، وقال وزير العدل إن أي شخص يثبت إهماله أو ارتكابه مخالفات سوف يقدم للعدالة.

لكن معارضين، مثل زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو ، يوجهون انتقادات لحكومة إردوغان بعد عشرين عاما في السلطة لأنها "لم تعد البلاد لمواجهة الزلازل".

وأثارت المعارضة التركية تساؤلات حول طريقة التعامل مع الأموال الطائلة التي جمعت بموجب "ضرائب تضامنية ضد الزلازل" فُرضت منذ زلزال عام 1999، وهي الأموال التي جُمعت من أجل جعل المباني التركية أكثر مقاومة للزلازل.

وبلغت الأموال الناتجة عن تحصيل ضريبة واحدة منها، فرضت على مشغلي خدمة الهواتف الجوالة ومحطات الإذاعة والتلفزيون ولا تزال مطبقة، حوالى 88 مليار ليرة تركية أو 4.6 مليار دولار أمريكي دخلت خزانة الدولة.

كما طبقت الحكومة زيادة على تلك الضريبة نسبتها 10 في المئة منذ عامين، لكن الحكومة لم توضح حتى الآن الأوجه التي أُنفقت فيها تلك الأموال.

كما أعرب مسؤولون عن التخطيط العمراني في تركيا عن استيائهم من عدم اتباع قواعد البناء في مناطق الزلازل، مركزين على التصالح الذي قامت به الحكومة مع المخالفين لتلك القواعد، والذي يسمح بالإبقاء على المخالفة وإلغائها مقابل دفع غرامة مالية. وأشار هؤلاء إلى أن تصالح الدولة مع المخالفين أدى إلى الإبقاء على ستة ملايين مبنى مخالف دون تغيير.

وبالفعل جمعت الحكومة مليارات من غرامات التصالح مع مخالفي قواعد البناء. لكن عندما انهار مبنى سكني ضخم في اسطنبول في 2019 وأسفر عن مقتل 21 شخصا، حذر رئيس غرفة الهندسية المدنية من أن التصالح الذي أقرته الدولة لمخالفات المباني قد يحول مدن التركية إلى مقابر.

وتقدم حوالى 100 ألف مخالف بطلبات تصالح في 10 مدن تركية تضررت جميعها من زلزال الاثنين الماضي، وفقا لبلين بينار غريتلي أوغلو، من جامعة اسطنبول، التي قالت لبي بي سي إن تلك المناطق شهدت زيادة كبيرة في مخالفات البناء.

وأضافت: "لعب التصالح دورا هاما في انهيار المباني بسبب الزلازل التي ضربت البلاد في الفترة الأخيرة".

في المقابل، قال إدريك: "لن نحرز أي تقدم إذا استمر تبادل اللوم فيما بيننا، إذ ينبغي التركيز على إيجاد حلول". ويرى الخبير الهندسي إن المشكلة أكبر بكثير من كونها مشكلة سياسية، إذ تكمن في النظام الذي يسمح للمهندسين بالبدء في ممارسة العمل بعد التخرج من الجامعة مباشرة دون وجود خبرة كافية.

ويطالب غورور بتأسيس "مجتمعات عمرانية مقاومة للزلازل"، لكنه يرى أن ذلك يتطلب تحولا في طريقة التفكير في المدن التركية الأعلى من حيث الكثافة السكانية.

وقال الأستاذ الجامعي: "حذرنا ونحذر من الزلازل المحتملة في اسطنبول منذ 23 سنة. لذا ينبغي أن يتفق صناع القرار على سياسات تجعل الناس، والبُنى التحتية، والمباني، والأحياء مقاومة للزلازل".

سياسات استقطابية

دعا الرئيس إردوغان إلى الوحدة والتضامن، واصفا انتقاد الاستجابة للكارثة بأنه فعل مشين.

وقال: "لا أستطيع تحمل هؤلاء الذين يشنون حملات سلبية لتحقيق مصالح سياسية"، وذلك أثناء حديثه لوسائل إعلام في منطقة هاتاي بالقرب من مركز الزلزال.

ويدير عدد كبير من المدن المتضررة من الزلزال مسؤولون من حزب العدالة والتنمية الحاكم.

لكن على مدار عشرين سنة في السلطة، كرئيس وزراء وبعدها كرئيس جمهورية منتخب سلطوي، أصبح إردوغان يقود بلدا يسوده الاستقطاب.

ويقول كمال كليجدار أوغلو: "لقد وصلنا إلى هذه النقطة بسبب السياسة".

ورغم أن الحملات الانتخابية لم تبدأ بعد - إذ من المقرر أن تنطلق في مايو المقبل - من المتوقع أن يقود كليجدار أوغلو تحالفا من ستة أحزاب معارضة يتفق على مرشح واحد في محاولة لإسقاط الرئيس إردوغان.

وقد تذهب آمال إردوغان في توحيد البلاد قبل الانتخابات أدراج الرياح، إذ أصبح الرئيس التركي أقل تسامحا مع الانتقادات بينما يقبع الكثير من خصومه السياسيين خلف قضبان السجن أو خارج البلاد. فعندما فشلت محاولة الانقلاب في 2016، جاء رد الرئيس التركي في شكل اعتقال عشرات الآلاف من الأتراك وإقالة الآلاف من الموظفين الحكوميين.

كما ينهار الاقتصاد التركي بعد وصول التضخم إلى 57 في المئة، مما أدى إلى ارتفاع صاروخي في تكلفة المعيشة في البلاد.

وكان من أوائل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية استجابة للزلزال حجب مؤقت لموقع التواصل الاجتماعي تويتر ، الذي يستخدمه المنقذون في تحديد موقع الناجين . وبررت الحكومة الحجب المؤقت بأن موقع التواصل المشهور يستخدم في نشر معلومات مضللة. كما كان من بين تلك الإجراءات أيضا اعتقال الشرطة المراقبين السياسيين الذين ينتقدون استجابة الحكومة وطريقة تعاملها مع حالة الطوارئ الحالية.

وكتب الصحفي التركي دنيز يوجل، الذي قضى عاما في حبس احتياطي تمهيدا لمحاكمته، من منفاه في ألمانيا إن تداعيات زلزال 1999 كانت من بين العوامل التي دفعت بإردوغان إلى السلطة.

ومن المتوقع أن تلعب هذه الكارثة دورا كبيرا في الانتخابات المقبلة أيضا، وفقا ليوجل، لكن معالم هذا الدور لم تتضح بعد.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان