لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

غياب أفق للحل.. الحرب على أوكرانيا تدخل منعرج الاستنزاف

12:03 ص الأحد 26 فبراير 2023

جندي أوكراني يساعد زميلا مصابا بالقرب من خاركيف


(دويتشه فيله)

شكل خطابان متزامنان لكل من الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين لحظة رمزية كرست دخول الحرب على أوكرانيا مرحلة الاستنزاف، وفق عدد من الخبراء والمعلقين الألمان والأوروبيين، في ظل غياب أي فرصة لحل دبلوماسي في الأفق المنظور.

بحلول الذكرى الأولى للعدوان الروسي على أوكرانيا، ترقب العالم مؤشرات أمل محتملة ترسم ملامح حل في الأفق. وهناك من رأى في هذه المناسبة فرصة جديدة لجعل أطراف النزاع تجلس إلى طاولة المفاوضات. وبهذا الشأن ترقب العالم خطابي الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، على أمل وضع حد لنزاع مسلح بتداعيات كارثية، بصدد إعادة صياغة التوازنات الجيوسياسية الكبرى.

وتبدو اليوم لغة المدافع الخيار الوحيد للمعنيين مباشرة بهذه الحرب. فقد اعتبر الرئيس بوتين (22 فبراير) أن بلاده تقاتل في أوكرانيا من أجل "أراضيها التاريخية"، بعدما سبق له أن برر قرار الغزو بـ"إبادة جماعية" ضد الناطقين باللغة الروسية في أوكرانيا، مشبها الوضع بـ"الحرب الوطنية الكبرى" ضد ألمانيا النازية. ويرى بوتين أيضا أن الدعم الغربي لكييف هو حرب بالوكالة هدفه النهائي تدمير روسيا.

أما الرئيس الأمريكي جو بايدن فقال من العاصمة البولندية "قبل عام، كان العالم يستعد لسقوط كييف. حسنا، لقد جئت حالا من زيارة لكييف، ويمكنني أن أعلن عن الموقف القوي لكييف". وكان بايدن التقى هناك بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينيسكي كي يظهر لأوكرانيا والحلفاء الغربيين التزام واشنطن تجاه الصراع الدائر في شرق أوروبا، مع دخول الحرب عامها الثاني. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "ريتشبوسبوليتا" البولندية (23 فبراير) معلقة "إن نتيجة هذه الحرب لن تُحدد إرث بوتين فقط، بل أيضًا إرث بايدن، الذي، رغم عمره، يهدف إلى ولاية ثانية الولايات المتحدة تدرك أن مركز ثقل أوروبا قد تحول إلى الشرق وأن أمريكا يجب أن تعطي الأولوية لهذه المنطقة. لكن ضحايا هذه المناورات ليسوا مجرد دول منفردة في أوروبا الغربية. في لحظة الصراع الأكبر، منذ الحرب العالمية الثانية على حدود الاتحاد الأوروبي، فإن واشنطن هي التي تتولى قيادة الغرب، وليس بروكسل".

بين لغة الحرية ولغة الخوف

ركز الرئيس بوتين في خطابه على تهديد حلف شمال الأطلسي لبلاده، معتبرا أن هدف الناتو هو إلحاق الهزيمة بروسيا كقوة نووية. وفي هذا السياق، علقت موسكو رسميا مشاركتها في معاهدة "ستارت الجديدة" مع واشنطن (22 فبراير). وبهذا الشأن أشار بوتين إلى احتمال نشر صواريخ "سارمات" البالستي العابر للقارات الجديد، خلال العام الجاري، الذي يمكن تزويده برؤوس نووية. كما تعهد بمواصلة انتاج صواريخ "كينغال" و"زيركون" الأسرع من الصوت، في إشارة واضحة للغرب مفادها أن المواجهة هو خيار موسكو الحالي.

ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن تعليق موسكو للمعاهدة من قبل الروس بأنه "خطأ كبير" لكنه قال "أنا لا أستشف من هذا أنه يفكر في استخدام أسلحة نووية أو أي شيء من هذا القبيل". وبهذا الشأن كتبت صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية (22 فبراير) معلقة على خطابي الرئيسين: "حرية جو بايدن في مواجهة الخوف من فلاديمير بوتين لقد كرس الخطابان الهوة العميقة في أوروبا الناجمة عن الغزو الروسي. تحدث الرئيس الأمريكي ووصف الصراع الأوكراني بأنه صراع بين "الحرية" و "الاستبداد"، حيث لا يقتصر الأمر على كييف فقط، بل "كل الديمقراطيات توجد على المحك. بايدن خاطب شعوب شرق أوروبا التي تواجه دكتاتورية بوتين ليطمئنهم على "أننا لا نتعب أبدًا من الدفاع عنكم" ، ويخاطب الكرملين مباشرة ليخبرهم أنه "لن يفوز أبدًا في أوكرانيا" وأنه سيتعين عليه دفع الثمن غاليا لارتكابه لـ"جرائم فظيعة". بوتين، من جانبه، استخدم مرة أخرى لغة الدعاية العتيقة عن الغرب الذي "يريد تدمير روسيا، باستخدام أوكرانيا كرأس حربة".

جدل بشأن فعالية العقوبات ضد روسيا

ليس من الواضح عما إذا كانت البيانات الاقتصادية الروسية مجرد دعاية أم أنها تعكس بالفعل قدرة اقتصاد البلاد على الصمود أمام العقوبات الغربية. فوفق أرقام وكالة الإحصاء الروسية "روستات" (20 فبراير 2023)، لم يتراجع الناتج المحلي الإجمالي لروسيا إلا بنسبة 2.1 % في 2022، رغم العقوبات الغربية القاسية. وبهذا الصدد قال الرئيس بوتين (21 فبراير) إن الغرب يسعى لأن "يعاني المواطنون من أجل التسبب في زعزعة استقرارا مجتمعنا، ولكن حسابتهم لم تفلح الاقتصاد والنظام الإداري في روسيا أثبتا أنهما أقوى بكثير مما توقعه الغرب". وكان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد أعلنا هذا الأسبوع عن فرض عقوبات جديدة مع حلول الذكرى السنوية الأولى لبدء العدوان الروسي على أوكرانيا. وأكد المسؤولون الغربيون في أكثر من مناسبة أن العقوبات ليست موجهة نحو شعب روسيا، ولكن تهدف لوقف الحرب.

وبهذا الصدد كتبت صحيفة "نويه تسوريخه تسايتونغ" الصادرة في سويسرا (16 فبراير) "مع رد الفعل السريع والعنيف على الغزو الروسي لأوكرانيا، أظهر العالم الغربي وحدة وتصميما أثار دهشة موسكو (..) غير أن العقوبات ليست الدواء الشافي لحل النزاعات. لا يمكن أن تكون إلا جزءًا من حزمة الحلول العسكرية والدبلوماسية". من جهتها، أبدت وزارة الاقتصاد الألمانية تصميمها لمواجهة مختلف أساليب التحايل على العقوبات المفروضة ضد روسيا. فقدت تأكدت برلين من أنه يتم التحايل على تلك العقوبات على نطاق واسع.

وجاء في تقرير للوزارة التي يرأسها نائب المستشار ووزير الاقتصاد، روبيرت هابيك أنه تأكد أن منتوجات خاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي تم تصديرها "بشكل كبير" من التكتل القاري ومن ألمانيا إلى دول ثالثة معينة ومن هناك إلى روسيا. وأضاف التقرير، الذي نقلته وكالة الأنباء الألمانية "يتعين علينا التصدي جماعيا بفعالية أكثر فاعلية مقارنة بما يتم حتى الآن ضد أنشطة التحايل على مستوى ألمانيا وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي".

شهية بوتين لمزيد من "الأراضي التاريخية"

رأى عدد من المراقبين في حديث بوتين عن "الأراضي التاريخية" لروسيا تعبير عن طموحه للسيطرة على مزيد من الأراضي للبلد الجار، بعد ضمه لشبه جزيرة القرم وأربع مقاطعات أوكرانية. هذا الموقف يقابله إصرار أوكراني مدعوم من قبل العواصم الغربية على عدم تمكين بوتين من الانتصار في هذه الحرب لأن شهية بوتين قد لا تتوقف عند أوكرانيا. ويرى مسؤولون غربيون أن بوتين يخطط بالفعل للسيطرة على المزيد من الأراضي بالزج بمئات الآلاف من جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم في الأشهر القليلة الماضية لمنح بوتين انتصارا يمكنه إعلانه. ويظهر طموح روسيا هذا في تقدم قواتها بهدف تطويق مدينة باخموت الصغيرة، وإن فشلت في اختراق الخطوط الأوكرانية بشكل كامل لحد الآن. وأكد الجيش الأوكراني أنه صد 90 هجوما روسيا في الشمال الشرقي والشرق خلال يومين فقط

لكن في الواقع، فإن أطراف الحرب تقف أمام معضلات جمة، فالجيش الروسي واجه مشكلات عويصة خلال الأسابيع الأولى للحرب، وكان يعتقد أن بإمكانه إخضاع كييف بسرعة البرق، غير أن الأيام أظهرت أن الجيش الأوكراني وبدعم غربي، أظهر قدرة على المقاومة لم يتوقعها الروس.

وبهذا الصدد كتبت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية (22 فبراير) معلقة بشأن الرئيسين بايدن وبوتين "معتقدات الرئيسين مختلفة جدًا لدرجة أن عالم الأول يبدو "سخيفًا" تمامًا بالنسبة للآخر. فالأول يدافع عن حيوية "النظام العالمي"، فيما يؤكد الآخر موته. هل من الضروري الإعلان عن استمرار هذا الصراع، مهما كانت الأخبار الواردة من الجبهة الأوكرانية، سوف يستغرق الأمر عقودًا (..) سيكون السؤال للأشهر القادمة هو ما هو خط التماس للستار الحديدي القادم: في الأراضي المحتلة في أوكرانيا أم على طول الحدود المعترف بها مع روسيا". ولا يزال الجيش الروسي يسيطر على خُمس مساحة أوكرانيا رغم انتكاساته المتعددة خلال العام الماضي، خصوصا بعد فشله في الاستيلاء على كييف.

أما المعسكر الغربي، فقد يواجه على المدى المنظور تغيرا في دعم الرأي العام، فالرئيس بايدن على سبيل المثال، قد يصعب عليه الاستمرار في دعم أوكرانيا بسخاء أمام الحزب الجمهوري الأكثر تحفظا بهذا الصدد، خصوصا في أفق الانتخابات المقبلة. وبالتالي فإن الدخول في سيناريو المراوحة والاستنزاف قد تكون له تداعيات غير مضمونة العواقب على الجانبين الغربي والروسي.

تحذيرات غربية من "التوهم" بشأن الصين

عبرت واشنطن (22 فبراير) عن قلقها إزاء ما اعتبرته زيادة في زخم التحالف بين بكين وموسكو، بعد أن أشاد الرئيس بوتين "بالآفاق الجديدة" في العلاقات مع بكين وإعلان أن نظيره الصيني شي جين بينغ سيزور قريبا موسكو. القلق الأمريكي والغربي عموما، يشمل إمكانية تزويد الصين روسيا بالسلاح وبالتالي دعمها عسكريا. الخارجية الأمريكية قالت إن زيارة وزير الخارجية الصيني لموسكو عشية الذكرى السنوية لاندلاع الحرب هي دليل على تنامي التحالف بين البلدين. وقالت الخارجية الأمريكية "نحن قلقون لأن هذين البلدين يتشاركان في رؤية. إنها رؤية... لحقبة يمكن أن تتنمر فيها البلدان الكبيرة على البلدان الصغيرة، ويمكن إعادة رسم الحدود بالقوة". وفي هذا السياق، عرضت بكين في موسكو رؤيتها "لتسوية سياسية" للنزاع في أوكرانيا، في وقت أكدت فيه كييف أن الصين لم تستشرها بشأن تلك التسوية، فيما طالبت رئيسة الدبلوماسية الألمانية أنالينا بيربوك بكين بتقديم خطتها تحت مظلة ميثاق الأمم المتحدة.

صحيفة "هاندلسبلات" الألمانية (23 فبراير) انتقدت المبادرة الصينية وكتبت "تسعى بكين للعب دور الوسيط في حرب أوكرانيا. لكن في الواقع، يكمن اهتمام القيادة الصينية في المقام الأول بشيء واحد وهو بناء نظام عالمي جديد بخصائص صينية". أما المستشار الألماني أولاف شولتس فحذر من "التوهم" بشأن مساعي الصين لطرح نفسها كوسيط في النزاع الأوكراني. وقال في تصريح لقناة "زد.دي.إف" (23 فبراير) "علينا ألا نتوهم بشأن الصين لأنها حتى الآن لم تتخذ موقفا ضد روسيا" واستطرد معبرا عن قلقه بشأن احتمال تزويد الصين لحليفها الروسي بالسلاح "لقد قلت بوضوح خلال اجتماعي الأخير مع مسؤولين صينيين إنه لا يمكن قبول هذا الأمر".

وذهبت صحيفة "نويه تسوريخر تسايتونغ" (23 فبراير) في نفس الاتجاه مشككة في الخطة الصينية "هل بكين جادة فعلا في مبادرتها؟ لسوء الحظ، هناك شكوك كبيرة بهذا الشأن. لا يكاد يُعرف أي شيء عن خطة السلام هذه، والتي قد تُعلن في الأيام القليلة المقبلة. للوهلة الأولى، كانت تصريحات وزير الخارجية الصيني في ميونيخ واعدة، إذ أوضح أن أساس السلام العالمي يقوم على وحدة أراضي وسيادة جميع الدول. أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون لا يريدون أي شيء آخر: من وجهة نظرهم، تعني كلمات وانغ أن تسحب روسيا قواتها بالكامل من أوكرانيا فحسب، بل أن تنسحب أيضًا من المناطق التي ضمتها بشكل غير قانوني. أم أن ما تعنيه بكين هو أن السلامة الإقليمية تعني الحدود التي ترسمها موسكو من جانب واحد وفي تجاهل للقانون الدولي روسيا لن توافق طوعا على التفسير الأول، وأوكرانيا والغرب يعارضان التفسير الثاني".

كييف تلقت بهذا الصدد دعما كبيرا من المنتظم الدولي، بعدما طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار جديد (23 فبراير) بانسحاب "فوري" للقوات الروسية من أوكرانيا، ودعت إلى سلام "عادل ودائم" عشية الذكرى السنوية الأولى للغزو. القرار الأممي حصل على تأييد 141 صوتا مقابل اعتراض سبعة أصوات، فيما امتنعت 32 دولة عن التصويت من بينها الصين والهند. تصويت يظهر أن النزاع في أوكرانيا لا يزال يراوح مكانه على المستوى الدبلوماسي بعد عام على اندلاع الحرب.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان