سوريا.. 12 عاماً من الهزات الارتدادية الإنسانية
(بي بي سي):
توالت الصدمات والأزمات الإنسانية على الشعب السوري الذي عاش فترات قاسية خلال سنوات الأزمة، فمنذ 2011، يعيش السوريون ويلات الحرب ويكافحون الوباء والعقوبات والحصار، كما ويصارعون من أجل الحصول على الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والصحة.
أسباب عديدة تجعل رؤية السوريين لبلادهم سوداوية ويصفونها بأنها "غير صالحة للحياة البشرية" كما قيل لنا من خلال مقابلات أجريناها مع بعض السوريين من محافظات مختلفة. فكيف عاش السوريون رغم كل الهزات الارتدادية الإنسانية على مدار سنوات الحرب في الذكرى الثانية عشرة لاندلاعها؟
"يعيش بعض السوريين 23 ساعة بدون كهرباء"
لا شك أن من أبرز القضايا المطروحة هي قضية الطاقة والكهرباء. فنسبة كبيرة من السوريين تعيش في ظل انقطاع خدمات أساسية كالكهرباء لعدم توفرها بالطاقة اللازمة.
"للأسف فإن الوضع في سوريا من سيء إلى أسوأ... نحن نعيش كل يوم بيومه ونحاول النجاة والتمسك بالحياة. لكن شعور بلادنا لا يطابق شعورنا تجاهها. فسوريا غير صالحة للحياة البشرية." هكذا وصف لنا المشهد أحد السوريين في إحدى ضواحي العاصمة دمشق.
أما علاء حلبي من محافظة اللاذقية يقول: "قطاع الطاقة تراجع بشكل ملحوظ وتدريجي خلال أعوام الحرب ووصل إلى أدنى مستوياته خلال الأعوام الأربعة الماضية. على سبيل المثال بالنسبة للتيار الكهربائي وصلت ساعات قطع التيار في بعض المحافظات إلى حوالي 23 ساعة في اليوم."
"أزمة الخبز"
في مناطق معروفة باسم "سلة الغذاء السوري"، شهدت البلاد أزمة تتعلق بتزويد الخبز للمواطنين وشهدت مدن عدة "طوابير" المواطنين بانتظار "ربطة خبز".
فعادت أزمة الخبز متمثلةً بطوابير طويلة في المحافظات السورية المختلفة، وأصبح الأمر المعتاد هو الانتظار لعلهم يحصلون على ربطة بعد خمس أو ست ساعات إن أتيحت لهم الفرصة وحالفهم الحظ، كما يقول عمّار مهدي، فيما قالت وسائل إعلام سورية حينها إن هذه الأزمة الجديدة تعيد تفاصيل الأزمات السابقة للخبز حين كان يتوجه السوريون للمخابز البعيدة من أجل الحصول على ربطة خبز واحدة وبسعر باهض جداً.
وعانت سوريا منذ بدء الحرب من عدة أزمات شملت الوقود والطاقة والخبز إضافة إلى انهيار الليرة السورية و"القائمة تطول"، كما قالت لنا إحدى السوريات في منطقة جنديرس.
وزير الكهرباء السوري غسان الزامل تحدث لبي بي سي عن وضع الكهرباء في البلاد وقال إن الوجود العسكري الأجنبي المهيمن على محطات النفط والغاز وصعوبة إيجاد قطع تبديل لمحطات توليد الكهرباء التي تضررت بسبب الهجمات المتتالية عليها. "العقوبات فُرضت على المواطن السوري فقط لا غير. فانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة والقطاع الصحي والمياه ضرّ المواطن السوري قبل أي أحد آخر."
يشرح الزامل: "واجهنا هذه الصعوبات في توليد الكهرباء لكافة المناطق ولم يكن لدينا خيار سوى التقنين. يتم توريد 2500 ميغاواط في سوريا كاملةً من نسبة احتياج تبلغ حوالي 9000 ميغاواط من الكهرباء."
هناك منشآت معدودة مستثناة من آلية التقنين، كما يقول الوزير، منها المنشآت الحيوية والصناعات الغذائية والمخابز وبعض المنشآت الصحية، أي المستشفيات الكبيرة لتغطية أكبر عدد ممكن من الخدمات الأساسية ووصولها للمواطنين.
وقال الوزير إن رفع العقوبات عن سوريا ودعم القطاعات الخدمية الأساسية التي تلبي احتياجات المدنيين، وأضاف أن إعلان واشنطن برفع العقوبات عن المواد الإغاثية عقب وقوع الزلزال الشهر الماضي كان محدوداً ولم يشمل باقي القطاعات الخدمية.
موجات جفاف المياه
ويقول علاء إن أزمات متتالية عاشها سوريون تتعلق بتأمين المحاصيل بمياه الري، مضيفاً: "التحكم التركي بمياه نهر الفرات والذي يعتبر المصدر الرئيسي لمياه الشرب في سوريا ويتم إعاقة وصوله للناس، ما يمنع صيانة آلية معالجة مياه الشرب وما أدى إلى حدوث أزمة في مياه الشرب في محافظات كبيرة مثل حلب والحسكة."
عاشت سوريا موجات جفاف عديدة خلال العقد الماضي، آخرها موجة جفاف قبل عامين تمثلت بانخفاض مياه الأمطار اللازمة للزراعة.
يقول أحد المزارعين: "لاحظنا هذا الأمر من خلال مشاريع وجداول الري الخاصة بنا كمزارعين ولكن الأمر يكمن أيضاً في عدم تأمين الوقود اللازم لتشغيل المحطات لتدفق المياه بالإضافة إلى تضرر بعض قنوات الري أدى إلى التأثير على المحاصيل الزراعية في سوريا والتي تعتبر جزء كبير من الأمن الغذائي."
وأضاف أن أزمة الطاقة تؤثر على مياه الشرب وانقطاعها على السكان في مختلف المناطق، بالإضافة إلى تلوث المياه من الآبار، خصوصاً في الشمال السوري.
"القطاع الطبي شارف على الانهيار"
من إدلب في الشمال السوري، إبراهيم الإدلبي قال خلال 12 سنة من الحرب، القطاع الطبي تعرض للعديد من الصدمات: "سنوات الحرب خلّفت عشرات آلاف المصابين الذي تحملهم النظام الطبي في شمال غرب سوريا. أدى هذا إلى انخفاض المخزون الاستراتيجي ونفاده في بعض الأحيان ومحاولة استقطاب الدعم من جديد في محاولة لسد الثغرات."
"إحدى الضربات القاسية التي تلقاها النظام الصحي كان وباء كورونا. خلال فترة تفشي وباء كورونا، شارف النظام الصحي على الانهيار. كان هناك وعي من المدنيين لكن هذا الوعي لا يعوّل عليه للتصدي لانتشار وباء كورونا في تلك المرحلة." وفي عام 2020، أعلنت العديد من المستشفيات خروجها عن الخدمة إثر تآكل النظام الطبي. منطلق خروجها عن الخدمة يعني أنها ستعمل بشكل تطوعي أو مقابل مبالغ رمزية، بحسب الإدلبي.
ومع تفشي الوباء في سوريا لتتوالى التحذيرات الأممية بأن الحالات المصابة المعلن عنها، وكانت بالعشرات حينها، ليست سوى "قمة جبل الثلج"، كما تفاقم الوضع بعد ذلك لتصرّح المنظمات الأممية بأن الوباء كان له "تأثير مدمر" على المجتمعات الضعيفة.
كما وأعلنت نقابة الأطباء في سوريا في مارس آذار من عام 2020 أن الوباء أنهى حياة 61 طبيباً خلال أول أسبوع من الإعلان عن انتشاره، ما أثار قلقاً في المجتمع السوري، كما وصف أحد الأطباء لبي بي سي المشهد بالـ"مرعب". ويضيف: "كنا نرى الموت بعيوننا كل يوم. الحالات المصابة بالفيروس في المستشفيات، عدد الإصابات والضحايا كان مرعباً. شعرنا بالخوف من المجهول وهذا الفيروس الذي يحصد حياة الناس دون كلل."
وبعد كورونا بأيام، انتشر مرض الكوليرا مرةً أخرى في البلاد، لينشر الذعر والهلع بين المواطنين كما يقول رائد الصالح من مدينة طرطوس: "لم يمر من الوقت مدة إلا وقد بدأنا نسمع أخباراً عن انتشار مرض آخر بيننا. وحاولنا أن نتجاهل الأمر إلا أن الإعلام لم يجعلنا ننسى صعوبة الوضع.
ونقلت منظمة أطباء بلا حدود في بيان لها: "منذ سبتمبر/أيلول من العام 2022، واجهت أجزاء من سوريا تفشياً كبيراً للكوليرا، بما في ذلك المناطق الشمالية الشرقية والشمالية الغربية من البلاد. وعلى الرغم من أن سبب التفشي ارتبط في بادئ الأمر بتلوث المياه بالقرب من نهر الفرات والنقص الحاد في المياه في شمال سوريا، إلا أن المرض بات منتشراً في جميع أنحاء سوريا مع بلوغ عدد الحالات المشتبه بإصابتها بالكوليرا 13,000 حالة والإبلاغ عن 60 حالة وفاة لغاية أكتوبر تشرين الأول من العام نفسه". وأضافت المنظمة أن منطقة شمال شرق سوريا لم تشهد أي إصابة بالكوليرا منذ العام 2007 بحسب تقديرات مستشفى الرقّة.
"الزلزال أرانا يوم القيامة"
وفي فبراير شباط عام 2023، ضرب الزلزال المدمّر سوريا وتركيا، الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، والذي خلّف عشرات الآلاف من القتلى وقرابة مليون شخص بلا مأوى. وبلغ عدد القتلى في سوريا حوالي 6000 ضحية وإصابة أكثر من 11 ألف آخرين، فيما تشرّدت أكثر من 40 ألف عائلة. وصرّح مسؤولون أتراك أن أكثر من 40 ألف سوري غادروا تركيا إلى شمال غرب سوريا في أعقاب الزلزال للبحث عن مأوى لعائلاتهم المهجّرة.
فؤاد علّوش يعمل طبيباً في الشمال السوري يقول إن البنية التحتية في المنطقة لم تكن مجهزة لأي كارثة طبيعية. "وصلنا أعداد هائلة من الجرحى في المستشفيات، نحن رأينا نهاية العالم بعد الزلزال وشعرنا بالهزات الارتدادية التي ضربت القطاع الطبي بعد الزلزال" يقول الدكتور فؤاد، "المساعدات الانسانية لم تكن كافية بل كانت شبه معدومة... شعرنا بالعجز. الزلزال أرانا يوم القيامة". ويضيف: "الناس الذين كانوا يعيشون على خط الصفر، باتوا تحت الصفر إثر الزلزال".
وروت لنا طبيبة في إدلب شعور الخذلان والعجز الذي شعرت به، وسط عدد إصابات مرعب ونقص الإمدادات الطبية. "رعب رعب. هذا ما يلخّص شعورنا حينها. لم أشعر أنني استطيع ممارسة مهنتي وسط كل هذا الدمار والموت. كان مشهداً لم يسبق لنا أن رأيناه مع كل سنين الحرب العسكرية، إلا أننا لم نشهد مثل هذا الدمار والخذلان وكسر القلب... امتنعنا عن نشر مقاطع فيديو من المستشفيات لسوء وضع المصابين وكثرة عدد الإصابات ونقص الأدوية والمساعدات. "
الزلزال فاقم المعاناة على نواحي عديدة خاصة النظام الطبي، 4 مستشفيات تضررت جرّاء الزلزال، وتم علاج 10000 مدني منذ بداية الزلزال، كما حكى الطبيب.
"المخيمات باتت منتشرة بكل مكان بشكلٍ مخيف"
على إثر الزلزال المدمّر الذي ضرب البلاد، يقول أحمد ياسين من ريف حلب إن المخيّمات باتت موجودة على حافة الطرق في أكثر من مدينة تضررت إثر الزلزال. "أصبحنا نرى عائلات تعيش على حافة الطرق وبين المحافظات. دخلنا فترة غريبة جداً ومرعبة كالكابوس... المخيمات باتت منشرة بشكل مخيف وبعض العائلات تعيش في سياراتها بسبب فقدان منزلها أو الخوف من العودة إليه ووقوع زلزال آخر خصوصاً بعد حرب استمرت لعقد تقريباً وخلّفت خسائر بشرية ومادية ومعنوية".
وتبقى آمال السوريين معلّقةً على أمل تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والخدمات الأساسية التي افتقدوها خلال سنوات الحرب والصدمات الإنسانية التي عايشوها وغد أفضل للسوريين داخل سوريا وخارجها.
فيديو قد يعجبك: