صراع النفوذ.. هل تسحب الصين البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة؟
كتبت - سلمى سمير
لا تزال أصداء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج، إلى موسكو وتقاربه مع الدب الروسي فلاديمير بوتين، حديث العالم، خاصةً مع إظهار الطرفين توافقًا بشأن الملفات الدولية الكبرى، خاصةً بعد الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا، وسعي الغرب إلى تطويق بكين اقتصاديًا.
وخلال الفترة الماضية، بدأت الصين نهجًا مختلفًا في مسارها الدبلوماسي، في محاولة لسحب البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة.
برز هذا النهج من خلال عدة قضايا،كان من ضمنها الوساطة الصينية بين السعودية وإيران بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية بينهما، كما قدمت مقترحًا للسلام بين أوكرانيا وروسيا بهدف إنهاء الحرب المندلعة منذ عام.
لكن الولايات المتحدة لم تقف صامته أمام الجهود الصين؛ لتتهم الأخيرة بأنها تحاول إيجاد غطاء لروسيا من خلال مقترح السلام، فيما ردت بكين بالقول إن الولايات المتحدة، ليست في وضع يسمح لها بتوجيه الاتهامات للآخرين.
وقال وزير الخارجية، وانج وون بين، في مؤتمر صحفي، إن الصين لم تخلق الأزمة الأوكرانية، ولم توفر الأسلحة على عكس ما فعلت الولايات المتحدة التي توفر الأسلحة بشكل متواصل لساحة المعركة، وأضاف وانج "ينبغي على الجانب الأمريكي إلقاء نظرة موضوعية على الجهود التي تبذلها الصين لتدعيم محادثات السلام، بدلا من التمسك بعقلية الحرب الباردة، والدفع من أجل استمرار الصراع وتصعيده"
لماذا تغيرت سياسة الصين؟
لطالما اعتمدت الصين سياسة الإنغلاق خاصة في السنوات الأخيرة وسط تفشي وباء كورونا (كوفيد-19) الذي كانت بؤرته الأولى في ولاية يووهان الصينية، لكن تغيراً جديداً سلكته بكين، في الأشهر الأخيرة مع تغير واضح في لهجة الدبلوماسية الصينية، لدوافع عدة سردتها صحيفة "ذا دبلومات”، أهمها تهدئة السخط الشعبي تجاه الحكومة الصينية بعد عدة قيود اقتصادية فرضتها وتضرر منها السكان المحليون، وثانياً إقناع الشركاء الخارجيين أن الصين شريك موثوق يود إقامة علاقات تجارية قوية، وثالثاً إشعار الحكومات الأجنبية، أن الصين تسعى لإعادة الاندماج مع العالم من خلال الزيارات الخاصة والتعاملات التجارية بينهم، وترى الصحيفة أن التحول المفاجئ في سياسة الصين ليس كاملاً بل تحرك بما يخدم مصالح الصين الاقتصادية والاستراتيجية.
وضعت الصين هدف آخر، مع رميها لتوسيع نفوذها في المنطقة وإثبات أن الولايات المتحدة ليست لديها قدرة على كبح نفوذ بكين في المنطقة أو عرقلة تنميتها، إضافة إلى إبراز فكرة أن الصين دولة مسؤولة وقوة عظمى إثباتاً لخطة الرئيس شي جين بينج الذي يسعى لبناء مجتمع واحد بمصير مشترك، والتي تهدف لحل الخلافات بين الدول سلمياً عن طريق الحوار حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
وهذه ليست المرة الأولى التي تلك تحاول الصين فيها إثبات قدرتها على الوساطة الفعالة؛ فقبل 5 سنوات حاولت بكين الوساطة بين كلاً من السلطة الفلسطينية وإسرائيل سعت في سبيلها لعقد ندوات في 4 مناسبات مختلفة تضم السياسيين في إسرائيل وفلسطين، ووضعت ورقة تضمنت 4 بنود حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
بالإضافة إلى ذلك، عملت الصين على تقوية الروابط مع بعض الدول الغربية، إذ يقول تشي تشون تشو، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة باكنيل، إن التوترات بين واشنطن وبكين دفعت الأخيرة لإصلاح العلاقات مع بلدان ذات ديموقراطيات راسخة مثل أستراليا وألمانيا خلال زيارة المستشار الألماني، أولاف شولتز، لبكين، ويمهد نظيريه، الفرنسي والأسترالي، لزيارة مماثلة هذا العام، وذلك وفق تصريحات لصحيفة "دويتشه فيله" الألمانية.
ولم تنجح حتى الآن الصين بشكل كلي في مسعاها، فلا تزال تنتظر رد أوكرانيا على بنود الاتفاق الذي طرحته، بعد زيارة الرئيس الصيني، لروسيا واجتماع زعيما البلدين لمناقشة التعاون بين البلدين على هامش اللقاء، لمناقشة الوضع في أوكرانيا، حيث جاء رد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بأن وقف إطلاق النار الذي طرحه شي يعتبر تجميد للصراع، ويمنح الفرصة للروس لإعداد العدة والعودة مرة أخرى برغبات بوتين، في الزعامة على المنطقة.
رد فعل الولايات المتحدة
مثلت الوساطة الصينية بين الرياض وطهران ضربة للنفوذ الأمريكي المترسخ على مدى عقود في منطقة الشرق الأوسط، في المقابل تجاهلت واشنطن الاتفاق معتبرة أنه لا يعنيها بأي صلة وقد رعاه أكبر خصم اقتصادي لها وذلك حسبما ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية في تحليل لها.
ويبدو أن الولايات المتحدة أرادت التقليل من دور الصين في رعاية الاتفاق بين السعودية وإيران، إذ قال جون كيربي، إن بلاده أُبقيت على اطلاع من قبل السعودية، وتلاشى كيربي الحديث عن انعقاد اجتماعات فعالة بين البلدين معلقاً أن الضغط الخارجي والداخلي والصد المستمر من قبل السعودية للهجمات الإيرانية هو من جعل إيران تأتي مزعنة لطاولة الاتفاق، وذلك حسبما نقل موقع "الميادين".
رغم أن الولايات المتحدة أبدت عدم تأزمها من اتفاق السعودية وإيران، لكنها عارضت بشكل واضح مقترح الصين بشكل أوكرانيا، بداعي أن المقترح سيؤثر على وضع أوكرانيا، لكن الخبراء رأوا أن هدف واشنطن هو إطالة أمد الصراع، واستنزاف روسيا وتوجيه الدول الأوروبية للاعتماد على الولايات المتحدة لتعزيز هيمنتها، وذلك حسبما ذكرت صحيفة "شينخوا" الصينية، التي أشارت إلى أرباح هائلة حصدتها الولايات المتحدة مع ازدياد نسبة واردات الاتحاد الأوروبي، من الغاز الأمريكي بنسبة 154% مقارنة بعام 2021.
وفي مواجهة النفوذ الصيني عالميًا، تقول ناشونال إنترست الأمريكية، أنه في الوقت الذى يركز فيه العالم اهتمامه على الحرب الروسية الدائرة ضد أوكرانيا، أطلقت الولايات المتحدة حربًا صامتة لمواجهة نفوذ التنين الصينى داخل المنظمات الدولية. وأصبحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) ساحة المعركة الأولى من هذه الحرب بحسب التحليل الذى نشرته المجلة.
إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أولت أهمية كبيرة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ واحتواء النفوذ الصيني، عبر التحالفات والمناورات العسكرية بالمنقطة وزيادة الدعم العسكري لتلك المنطقة، أحدثها اعتزام واشنطن نقل المقاتلات الحديثة المتعددة المهام من الشرق الأوسط لتحولها إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي وأوروبا، لردع الصين وروسيا، في حين سترسل طائرات هجومية قديمة من طراز "إيه-10" إلى قواعدها في الشرق الأوسط. حسبما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أمريكيين.
وتحاول واشنطن إقناع الجانب الدول الأوروبية بالعمل معًا لمواجهة التنين الصيني، لكنها تواجه إنقسامًا أوروبيًا في سياسة انتهاج سياسة إدارة الظهر للصين. التي تشكل أكبر اقتصاد في التكتل الأوروبي.
فيديو قد يعجبك: