لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ارتفاع معدل الانتحار في لبنان.. كيف يمكن مساعدة من فقد الأمل؟

08:21 م الأربعاء 08 مارس 2023

ارتفاع معدل الانتحار في لبنان

بيروت - (بي بي سي)

مرة جديدة، تعود أخبار حالات الانتحار المتزايدة لتصدّر النقاش في لبنان، بعد التبليغ عن إنهاء عدة أشخاص لحياتهم خلال فترة لا تتعدى الأسبوع.

وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي الأخبار قائلين إن هناك ارتفاعاً ملحوظاً بنسب الانتحار في البلاد، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية بعد أزمة عام 2019.

وفي محاولة لمعرفة حقيقة هذا الارتفاع بالأرقام، تواصلت بي بي سي عربي مع المعالجة النفسية ميرا دالي بلطة، من جمعية "إمبريس" المحلية، التي تعنى بالصحة النفسية والوقاية من الانتحار.

وتؤكد دالي بلطة تسجيل 138وفاة سببها الانتحار في العام 2022، مقارنةً مع 145 في العام 2021، ما لا يشكل زيادة فعلية.

ولكن هذه الأرقام ليست دقيقة بشكل عام، بحسب دالي بلطة، وذلك لأنّ كثيرا من العائلات لا تُبلّغ قوى الأمن عن انتحار أحد أفرادها، خوفاً من الوصمة الاجتماعية. يضاف إلى ذلك رفض بعض رجال الدين الصلاة على الأشخاص الذين قرروا إنهاء حياتهم.

هل أسباب الانتحار واضحة؟

ملف الانتحار ليس جديداً في لبنان، مع ارتفاع الأرقام المعلنة بين الحين والآخر، إلى جانب تحذير مختصين وأطباء من وقع الأزمات السياسية، والحروب، والصدمات المتتالية، على الحالة النفسية العامة للسكان في لبنان.

ومع تصاعد الأزمة مؤخراً، من المفيد التذكير بالأسباب التي قد تكون دافعاً مباشراً لإنهاء شخص لحياته.

توضح المعالجة ميرا دالي بطلة أن الأسباب التي تدفع أي شخص إلى الانتحار عديدة، ولكن المراقبة الفعلية لمن يقدمون على محاولات انتحار، تشير إلى أنهم يشعرون بحاجة ملحة إلى "إنهاء قلق أو ألم يشعرون به"، مع شعور عارم باليأس.

تفصّل المشرفة على "خط الحياة" 1564 وهو خط ساخن تديره الجمعية منذ العام 2018، بعض أسباب الانتحار الشائعة، وتقسمها إلى: "عوامل بيولوجية، تتعلق بتغير في الهرمونات أو عوامل وراثية. وعوامل نفسية، تتعلق بمهارات التأقلم ومدى مرونة الأشخاص، إضافة إلى نمط تعلقهم بالآخرين، ومدى تعرضهم لصدمات خلال حياتهم. وعوامل اجتماعية، تتعلق بقدرة وصول الشخص إلى الأساسيات مثل المأكل والمسكن والشعور بالأمان، وهي الأمور التي يفتقدها العديد من الأشخاص حالياً في لبنان".

مبادرة الخط الساخن التي تشرف عليها جمعية "إمبريس" من المبادرات الأهلية التي تحاول تفادي التصاعد في نسب الانتحار.

ويرى البعض أن جهد الجمعية وإن كان يصنع بعض الفرق، إلا أنه يبقى ناقصاً بغياب خطة حكومية أو رسمية واضحة لحماية الأفراد الأكثر هشاشة في المجتمع من تبعات الضغوط المادية على صحتهم النفسية.

يشغّل الخط المذكور بالتعاون مع البرنامج الوطني للصحة النفسية الذي أطلقته وزارة الصحة اللبنانية في أيار/مايو من العام 2014، بدعم من منظمة الصحة العالمية واليونيسيف والهيئة الطبية الدولية، ولكن لا يبدو أنه انعكس بشكل فعلي على نوعية خدمات الدعم النفسي.

وجميع العاملين في الخط هم متطوعون ومتطوعان من فئة الشباب. وتتعرض الجمعية في بعض الأحيان لانتقادات، تطال مدى احترافية هؤلاء المتطوعين بالتعاطي مع أشخاص يريدون بإنهاء حياتهم بسبب اليأس. وقد اتهمهم البعض بالتقصير.

إلا أنّ المشرفة على الخط تؤكد لبي بي سي نيوز عربي إن جميع المتطوعين يتلقون تدريباً مكثفاً من قبل معالجين نفسيين ويتّبعون خطوات محددة في تعاطيهم مع الحالات المذكورة.

نسأل دالي بلطة، عن الفائدة الفعلية من الخط الساخن، وهل فعلاً قد يتصل عليه شخص يفكر جدياً بإنهاء حياته؟

تؤكد المعالجة النفسية أن 4 بالمئة من الاتصالات التي تتلاقها الجمعية على الخط الساخن، تأتي من أشخاص يحاولون الإقدام على الانتحار في اللحظة عينها.

وتفسّر ذلك بالقول إن الشخص الذي يفكر بالإقدام على الانتحار، يتنازعه ميلان: "الأول يريد إنهاء هذا الألم الكبير الذي يشعر به وجزء آخر لا يزال متمسك بالحياة، ولو بنسبة واحد في المئة فقط".

وتضيف أن هذا التخبط بين الميلين هو ما يحثه على طلب المساعدة.

ودعت أي شخص يشعر بفقدان الأمل الاتصال بالجمعية لأنّ "مشاعره مفهومة، والحلول موجودة دائماً".

فقدان الأمل

من جهتها، تقول المعالجة النفسية هيا سعد، إن معظم الأشخاص الذين يفكرون بالانتحار أو يقدمون عليه، يعانون من أحد أنواع الاضطرابات النفسية العديدة والمختلفة بعوارضها، إلا أنه لدى جميعهم عامل مشترك واحد وهو فقدان الأمل.

وتضيف لـ بي بي سي نيوز عربي: "عندما يصل الشخص إلى شعور أو فكرة أن لا حل لمشاكله ومعاناته، يفكر بالانتحار كحلّ، كباب وحيد للراحة، أن ينهي وجوده في هذه الحياة".

وتشير إلى أنها من خلال عملها، تجد أن "مدى معاناة الشخص من اضطراب نفسي معيّن، لا يرتبط بالضرورة بمدى تفكيره بإنهاء حياته، بل يتعلق الأمر أكثر بمدى فقدانه للأمل.

تقول هيا سعد إنها تعالج أشخاصاً يعانون من الاكتئاب، أو القلق، أو اضطراب ثنائي القطب، أو أي نوع آخر من الاضطرابات المزاجية، و"تكون هذه الاضطرابات شديدة لديهم، إلا أنهم لا يفكرون بالانتحار أو يحاولون ذلك. بل أن العامل الأساسي المتعلق بالانتحار يبقى مدى فقدانهم للأمل".

وتقول إن الأرقام الأخيرة التي اطلعت عليها كانت تشير إلى أن شخصاً واحداً ينهي حياته خلال أكثر من يومين بقليل في لبنان، فيما يحاول شخص واحد الانتحار كل 6 ساعات. وتشير إلى أن هذه الأرقام قد تكون ارتفعت.

وفيما يتعلق بارتباط الأزمة الاقتصادية وعدم الشعور بالاستقرار، بمعدلات الانتحار، تقول سعد إن الأزمة "زادت من عامل فقدان الأمل".

وتشير هيا سعد إلى أنه من غير المفيد تناول قصص الانتحار "بشكل مبالغ فيه أي بوتيرة مرتفعة على مواقع التواصل الاجتماعي"، والحديث عن طرق الانتحار والآلات المستخدمة مثلاً، إذ أنه أمر "غير ضروري وغير مفيد لأي شخص لديه أفكار انتحارية".

كيف نساعد شخصاً يتألم؟

إن كنا نشعر بفقدان الأمل، أو نلاحظ أن صديقاً يتألم، فما العمل؟

تقول سعد إنه من الجيد أن يتكلم الأشخاص مع أحبابهم عن مشاعرهم وعما يقلقهم، عوضاً عن كبت أفكارهم.

وعما يمكن لأي شخص يشعر أنه متعب وبدأ بفقدان الأمل أن يفعله للتخلص من تلك الأفكار، تقول سعد إنه يمكنه طلب المساعدة النفسية من أحد المختصين أو الاتصال بالخط الساخن المخصص للوقاية من الانتحار، أو التحدث إلى أحد أفراد العائلة أو الخروج مع الأصدقاء كخطوة بسيطة غير علاجية.

وتشدد سعد على أهمية اللجوء إلى العلاج النفسي لأن موضوع الأفكار الانتحارية وما يرافقها من مشاعر سلبية "له حلّ دائماً"، حتى وإن كان الشخص المعني لا يرى هذه الحلول في تلك المرحلة من حياته.

ومن جهتها تؤكد دالي بلطة أنه يمكن لأي شخص يعلم بمعاناة فرد من عائلته أو صديق ولديه شكوك حول إمكانية وجود أفكار انتحارية شديدة لديه، أن يتصل بالجمعية لطلب المساعدة.

وكانت الأدوية الخاصة بالاضطرابات النفسية قد فقدت في لبنان لأشهر، ولا زال الوصول إلى بعضها صعب.

كما أن كثيرا من الأشخاص فقدوا القدرة على شرائها أصلاً مع تدهور قيمة الليرة اللبنانية وفقدوا أيضاً قدرتهم على الوصول إلى معالج نفسي.

إلا أنّ جمعيات غير حكومية عديدة في البلاد تقدم استشارات نفسية مجانية أو مقابل بدل رمزي.

تقول دالي بلطة إلى أن آخر إحصائيات "إمبريس" تشير إلى أن شخصاً من بين كل 4 أشخاص يعاني من اضطراب نفسي في البلاد.

وتقول إن عدم القدرة على تأمين العلاج قد يكون عامل ضغط إضافي على البعض، قد يؤدي إلى تدهور حالتهم النفسية.

واختبر اللبنانيون مجموعة من الأزمات المتتالية منذ عام 2019، تمثلت بأزمة اقتصادية حادة مستمرة حتى اليوم وعدم تمكن المواطنين من سحب أموالهم المودعة بالدولار الأمريكي في المصارف، وانفجار مرفأ بيروت في العام 2020، إضافة إلى شح في المواد الأولية كالغذاء والدواء والوقود على مدى أشهر عدّة، وتدهور قيمة العملة الوطنية.

تزامن ذلك مع تكرار لخطاب الصمود والمرونة النفسية، ما قد يضع حاجزاً أمام بعض الأشخاص للتعبير عما يزعجهم، خشية الظهور بمظهر الضعفاء.

قد يكون تقييد الوصول إلى أدوات الانتحار، من الوسائل المفيدة لتفادي بعض الحالات، إلى جانب التوعية في وسائل الإعلام، بغياب أي خطة حكومية جدية لدعم العناية بالصحة النفسية، ومنح الأشخاص منافذ أمل.

فالتخلص من الوصمة السلبية المتعلقة بالصحة النفسية والتشجيع على طلب مساعدة المختصين تبقى الطريقة المثلى لبناء مجتمع أكثر راحة واطمئناناً، حتى في ظلّ أزمات سياسية ومالية متلاحقة.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان