الانتخابات الرئاسية التركية.. غازي عنتاب تسجل هزات في ثقة ناخبيها بأردوغان
أنقرة - (ا ف ب)
مع اقتراب موعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التركية الأحد المقبل، يسعى أنصار رجب طيب أردوغان في مدينة غازي عنتاب إلى تشجيع أهاليها على التصويت للـ"رايس" على أمل أن يحقق نفس النجاح الذي حققه في انتخابات 2018. من جهتهم، يسعى مساندو كمال كليتشدار أوغلو إلى اقناع الناس بأن عهد أردوغان قد انتهى وأن مرشح المعارضة هو رجل المرحلة القادمة لأنه سيقود تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وسيوسع الحريات ويقوي الاقتصاد. فرانس24 التقت بعض الناخبين من المعسكرين.
عادت الحياة إلى مجراها الطبيعي في مدينة غازي عنتاب، جنوب تركيا بعد زلزال 6 فبراير الماضي. وعاد معها النشاط السياسي، مع تكثيف الأحزاب السياسية حملاتها الانتخابية بهدف إقناع أكبر قدر من المصوتين بنجاعة برامجهم ودفعهم إلى التوجه إلى مكاتب الاقتراع الأحد المقبل، وهو موعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
ويكفي أن تتجول في شوارع المدينة وأزقتها الصغيرة لتكتشف الكم الهائل من الشعارات والافتات والصور والأعلام التركية والحزبية التي تم إلصاقها على جدران البنايات والمحلات التجارية وعلى أبواب السيارات والحافلات ولوحات الإعلان.
الوجوه على بعضها معروفة تستوقف المارة، فنرى صورة الرئيس رجب طيب أردوغان في كل مكان، ومرشح الطاولة السداسية المعارضة كمال كليتشدار أوغلو الملقب بـ"غاندي تركيا"، إضافة إلى وجوه أخرى جديدة في الساحة السياسية تحاول شق طريقها إلى البرلمان التركي ذي الـ600 مقعد.
"بلدنا هو الأحسن ويقدم خدمات أكثر للمواطنين وكل هذا بفضل سياسة أردوغان"
بالنسبة لشاهين كهرمان غانتيل (42 عاما)، لا يوجد أي شك في فوز زعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان لأنه لا يملك أي "منازع سياسي حقيقي يمنعه من التربع على عرش تركيا للمرة الخامسة على التوالي".
وقال هذا الشاب، الذي يملك وكالة عقارية في حي شعبي بغازي عنتاب، إنه راضٍ بكل ما قدمه الرئيس أردوغان طيلة عشرين عاما من الحكم مؤكدا أن "الرئيس نفذ مشاريع كبيرة عززت البنية التحتية لتركيا.. التجار وأرباب المصانع حققوا أرباحا مالية كبيرة واشتروا المنازل والفيلات. لكن في السنوات الخمس الأخيرة، عادت الأزمة الاقتصادية لتهدد الأتراك دون أن يتمكن أردوغان من إيجاد حلولا لها على الرغم من وعوده".
وتابع:" سأصوت لأردوغان لأن تركيا في نهاية المطاف بلد يطيب العيش فيه. لقد سافرت إلى تايلاند وإيران والعراق واكتشفت أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي فيها كارثي. فهمت بعد ذلك أن بلدنا هو الأحسن ويقدم خدمات أكثر للمواطنين وكل هذا بفضل سياسة أردوغان".
تدخل والد شاهين كهرمان غانتيل الذي يدعى خان موسى شاهين (67 عاما) في حوارنا مع نجله، وقال بأنه "لن يصوت لأردوغان لأنه رجل فاسد يأخذ حصة مالية من جميع المشاريع الضخمة التي تقام في تركيا".
وأضاف "صوتت لأردوغان في 2013 و2018 دون أن يقدم لي شيئا. ما زلت أتقاضى حوالي 300 يورو (نحو 6400 ليرة تركية) كمنحة تقاعد، هذا المبلغ لا يكفيني حتى لإيجار شقة محترمة. لذا قررت أن أدعم كمال كليتشدار أوغلو لأنه وعدنا بتحسين الوضع الاجتماعي والسياسي في تركيا ومحاربة الفساد الذي استشرى في مؤسسات الدولة".
"كل ما يفعلونه هو شرب العرق"
ثم عاد الابن ليؤكد موقفه فأوضح "لاأشاطر والدي رأيه. أؤكد مرة أخرى أن أردوغان رئيس جيد لكن وزراءه هم الذين لا يعملون كما يجب". سألناه: كيف تنظر إلى مستقبل تركيا؟ أجاب: "طبعا داخل الاتحاد الأوروبي. لكن كوننا مسلمين، لا يريدون أن ننضم إليهم بالرغم من أن أردوغان قام بإصلاحات سياسية وفي مجال حقوق الإنسان ونفذ جميع توصيات الاتحاد الأوروبي. ربما الأوروبيون ينظرون إلى أردوغان على أنه رجل دكتاتوري لكن نحن نراه ديمقراطيا".
وانتقد شاهين كهرمان غانتيل الطاولة السداسية التي تضم ستة أحزاب معارضة قائلا: " كيف يمكن أن ننتظر تغييرا كبيرا في البلاد في حال أدارها ستة أشخاص (يقصد كمال كليتشدار أوغلو وزعماء الأحزاب الخمسة التي تدعمه) يملكون أفكارا مختلفة وحتى متضاربة ومصالح أحيانا غير متقاطعة، فضلا على أن بعضهم ينتمون إلى معسكر اليسار". وأنهى: "لا يملكون خبرة في السلطة ولا يعرفون أصلا ما معنى أن تكون رئيسا للبلاد. كل ما يفعلونه هو شرب العرق".
هذا، ونصبت الأحزاب والمرشحون المستقلون في الانتخابات البرلمانية خيما على مستوى الساحات الشعبية وتقاطعات الطرق في خطوة تنافسية يحاول فيها كل حزب احتلال أكبر مساحة والتباهي بعضلاته إن كان من حيث عدد المنخرطين أو الإمكانيات المالية.
"أردوغان لم يحقق العدالة الاجتماعية"
كما تجوب سيارات وعربات تابعة للأحزاب شوارع غازي عنتاب الرئيسية والضواحي الشعبية وهي مغطاة بصور المرشحين وتبث أغاني حماسية من التراث التركي. فيما يستخدم المتطوعون الذين يقلون هذه العربات مكبرات الصوت لشرح برامج مرشحي الأحزاب ودعوة الناس إلى التصويت لهم يوم الأحد المقبل.
انتقلنا إلى حديقة "كيليتش" حيث كانت الشابة نرمين أسمان (23 عاما) في انتظارنا. ولدت في قرية كركميش التي تقع على بعد 60 كيلومتر جنوب شرق غازي عنتاب لكنها استقرت في هذه المدينة من أجل الدراسة والعمل. تعمل نرمين كطبيبة مع جميعة تقدم الدعم النفسي للأتراك والسورين الذين تضرروا من الزلزال الذي ضرب البلاد في 6 فبراير/شباط الماضي.
هذه الشابة لا تهتم كثيرا بالحملة الانتخابية فتقول "أعرف مسبقا لمن سأصوت في الدورة الأولى، وهو محرم إنجه مؤسس حزب البلد. إنه شخص مقرب من الشباب ويريد مساعدة الطلاب ووعدهم بزيادة قيمة المنحة الدراسية في حال فاز بالانتخابات عكس رجب طيب أردوغان الذي لا يساعد سوى المقربين والمنخرطين في حزب العدالة والتنمية".
وأضافت: "أردوغان لم يحقق العدالة الاجتماعية. لقد دعم النساء المحجبات وسمح لهن بالذهاب إلى الجامعات والعمل في مؤسسات الدولة. لكنه لم يوقف العنف الزوجي والعائلي ولم تمرر حكوماته المختلفة أي قانون صارم يعاقب الرجال العنيفين".
وروت لنا نرمين أسمان بأنها تعرضت مرارا إلى مضايقات في إسطنبول وبالتحديد في حي "الفاتح" الشعبي بسبب رسمها وشما على ظهرها. "أصبحت أخاف لذا أقوم بتغطية الوشم في بعض الأماكن. حتى النساء المحجبات سألنني لماذا قمت بهذا الرسم وماذا أفعل في حي شعبي مثل حي "الفاتح"؟
"الفقراء سيبقون فقراء"
وواصلت:" كل هذه التصرفات هي نتيجة سياسة حزب العدالة والتنمية الذي بنى عددا كبير من المدارس لتعليم القرآن. أردوغان يحاول "أسلمة" المجتمع التركي بشكل خفي بينما محرم إنجه يريد إعطاء حقوق أكثر للنساء ومساعدتها لكي تعيش في حرية".
وتحلم نرمين بأن تصبح مغنية وأن تسافر إلى ألمانيا أو كندا لمواصلة دراساتها. لكن صعوبة الحصول على منحة دراسية حالت دون تحقيق هذا الحلم لغاية الآن. وأكدت: "تركيا تمنعني من التنفس. أريد في بعض الأحيان أن أركض في غازي عنتاب، لكن الشبان يزعجونني ويصفوني بالمختلة عقليا. لا أستطيع مثلا أن أمشي بمفردي ليلا. الحياة أصبحت لا تطاق في هذه المدينة والانتخابات الرئاسية لن تغير الوضع. السياسيون الذين يتنافسون على الكراسي سيحققون أهدافهم الخاصة. أما الفقراء فسيبقون فقراء".
محمت سيد بينار (58 عاما) يدرك جيدا معنى الفقر وصعوبة الحياة. هذا الرجل الذي عمل من 1992 لغاية 1994 في مجال استخراج الفحم ثم من 1999 إلى 2019 كرئيس لحي "ساري غولوك" وسط غازي عنتاب ليس متفائلا بالمستقبل في حال فاز رجب طيب أردوغان بالانتخابات الرئاسية لأنه "ارتكب أخطاء عديدة خلال عشرين سنة من الحكم دون أن يعترف بذلك. لقد حكم البلاد بمفرده وحول النظام البرلماني إلى نظام رئاسي وتسببت سياساته الاقتصادية والاجتماعية في إفقار الناس أكثر من أي وقت مضى".
وتابع: "لم يعرف كيف يدير مؤسسات الدولة وكيف يمنع ارتفاع أسعار المواد الأساسية. سياساته الاجتماعية فشلت جميعها".
"كمال كليتشدار أوغلو سيحارب الفساد"
واعترف محمت سيد بينار بأن الرئيس المنتهية ولايته رفع قيمة المعاش الذي يتقضاه الأتراك المتقاعدين، لكن في نفس الوقت الأسعار ارتفعت أيضا عشر مرات وفرص العمل أصبحت شبه نادرة"، مشيرا إلى أنه في السابق كان يدفع 3 آلاف ليرة تركية (حوالي 150 يورو) من إيجار الشقة التي يسكن فيها، أما اليوم فلقد وصلت قيمة الإيجار إلى 10 آلاف ليرة (حوالي 450 يورو)".
وتسائل: "هل أستطيع العيش برفقة زوجتي وأولادي الاثنين بـ8 آلاف ليرة (380 يورو تقريبا) في الشهر. إنه أمر مستحيل لا يتقبله العقل"، متمنيا أن "يكنس" التاريخ عهد أردوغان ويحل محله كمال كليتشدار أوغلو الذي وصفه بـ"الرجل النزيه الذي لم يتغير حتى عندما أصبح زعيما لحزب الشعب الجمهوري. كما أنه سيحارب الرشوة ويحقق العدالة الاجتماعية الحقيقية وسيدافع عن الطلبة وسيفرض الشفافية في تسيير شؤون البلديات عكس أردوغان الذي كان يدعم فقط بلديات حزب العدالة والتنمية الموالي له".
وأضاف: "مثلا في إقليم هاتاي، البلديات التي كانت تابعة لحزب العدالة والتنمية لم تحرك ساكنا بعد خمسة أيام من وقوع الزلزال. عكس البلديات التي يديرها رؤساء من الحزب الجمهوري الشعبي إذ أرسلوا بسرعة جرافات للبحث عن الناجين وقدموا المساعدات الأولية. أضف إلى ذلك، هذه البلديات منعت منذ زمن طويل في هاتاي بناء عمارات بأكثر من ثلاثة طوابق لأسباب أمنية، لكن عندما يشتكي المقاولون إلى الحكومة، فهذه الأخيرة تدعمهم وتسمح لهم ببناء عدد أكبر من الطوابق".
مخاوف من "السيناريو الأمريكي"
ويخشى محمت سيد بينار أن تدخل تركيا في نفق سياسي جديد في حال رفض أردوغان الاعتراف بنتائج الانتخابات. "في حال رأى بأن كمال كليتشدار أوغلو فاز بأكثر من 51 بالمائة في الجولة الثانية، فسيطلب من أنصاره النزول إلى الشارع للتظاهر. ومن الممكن أن ترافق هذه المظاهرات أعمال عنف مثلما وقع في الولايات المتحدة مع الرئيس دونالد ترامب". وأنهى: "أردوغان يعاني من مرض اسمه السلطة. أخشى فقط من وقوع انشقاقات في الشرطة، أما الجيش فلقد قام أردوغان بتنظيف صفوفه منذ الانقلاب العسكري الفاشل في 2016".
هذا، ووفق رئيس الهيئة العليا للانتخابات التركية أحمد ينر، فعدد الأتراك الذين لديهم الحق في المشاركة في الانتخابات المقبلة بلغ أكثر من 64 مليون ناخب، من بينهم أكثر من 4 ملايين مواطن تحق لهم للمرة الأولى المشاركة في الانتخابات، فيما نقل نحو 130 ألف ناخب في المناطق المنكوبة جراء زلزال 6 فبراير/شباط الماضي قيودهم إلى ولايات أخرى.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: