سودانيون لا يهابون الموت ويمارسون حياتهم الطبيعية
الخرطوم -- (د ب أ):
تحولت الحرب في عدد من أحياء العاصمة السودانية الخرطوم إلى حالة يومية، وبدأ الكثيرون في العودة لحياتهم الطبيعية ولأعمالهم وأرزاقهم مستهينين بالموت. فمع سماع دوي الانفجارات والقصف يستلقون أرضا حيثما كانوا ، ثم ينفضون عنهم الغبار ويعودون لما كانوا عليه لاستئناف ما كانوا يقومون به أو انتظارغارة جديدة. وقد يموت منهم من يموت لكنهم لن يتركوا أطفالهم ضحية للجوع.
هذا هو المشهد الآن في عدد من أحياء الخرطوم وبحري وأم درمان، فمع اشتداد حدة الحرب التي اندلعت منتصف أبريل الماضي، زادت الحالة الاقتصادية سوءا عن ما كانت عليه، ففقد معظم السودانيين مصدر رزقهم، وتعطلت المصانع ووقفت أعمال البناء؛ التي كانت تؤمن لهم قوت يومهم، فلم يعد أمام أولئك سوى المواجهة مع الموت على أمل النجاة من الموت جوعا.
ويلحظ المتجول بعدد من أحياء الخرطوم، جنوب الشعبية والمتوسطة العودة التدريجية لـ"ستات" الشاي، ولعمال بناء المنازل، وللباعة المتجولين بجانب "الفريشه " بالطرقات العامة والأسواق المركزية، برغم استمرار القصف وتواصل الاشتباكات بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع ووجود ارتكازات لكل منهما على مقربة منهم.
وعمليا، فتح عدد كبير من المتاجر أبوابه في بعض أحياء العاصمة برغم فراغ أرففها من معظم السلع، وانسابت الحركة في أسواق الخضار بشكل كبير حيث يبدو أنه لم يعد هناك أحد مختبئ في منزله . وساعدت حركة المواطنين لتأمين احتياجاتهم في جذب آخرين لسوق العمل برغم الحرب. وبأحد أحياء الخرطوم جنوب، كان عبدالله البلوله يجوب الحي بعربة خشبية يجرها حمار " تعرف محليا بالمكارو " ويحمل على متنها كل أنواع الخضار ويصيح بصوت عال باسعارها لاجتذاب الزبائن؛ حيث التفت حوله نسوة الحي يبتاعون مايشاءون منها وإن بدت عليهن علامات الرعب مع تجدد أصوات القذائف وتحليق الطائرات العسكرية برغم الهدنة المعلنة من طرفي الاقتتال.
ويقول البلوله لوكالة الانباء الالمانية (د ب أ) بصوت يائس "أنا أؤمن تماما أن ما أفعله مغامرة، فقد تنتهي حياتي في أي لحظة برصاصة أو قذيفة طائشه، ولكن ليس أمامي حل غير التوكل على الله والخروج إلى الشارع لطلب الرزق لسد جوع صغاري " ويضيف " منذ اليوم الثاني للحرب خرجت للعمل وتعرضت لخطر الموت غدرا مرات عديدة لكن ارادة الله نجتني".
أما عبدالمتعال حسن ، وهو صاحب متجر بحي الصحافة جنوب الخرطوم، فيؤكد لـ(د. ب. أ) حاجته الماسه للعمل برغم ظروف الحرب، فضلا عن دوره في تأمين احتياجات السودانيين من السلع الضرورية ويقول " أشعر أني اتحمل مسؤولية تجاه زبائني؛ خاصة وأنني أسكن في ذات الحي وكثير منهم بعد مرور أسبوع على الحرب يواجهون خطر المجاعة بعد أن نفدت مؤنهم ".
أما ياسمين عبدالرحيم، وهي صيدلانية بحي جبره جنوب الخرطوم ، فقالت لـ ( د .ب. أ ) هاتفيا إنها اضطرت لفتح ابواب الصيدلية لساعات في اليوم الثالث للعمليات العسكرية لتأمين احتياجات المرضى من العلاج ،بجانب الحالات المزمنه فضلا عن تقديم الاستشارات الطبية، في ظل صعوبة الوصول الي المستفشيات وإغلاق معظمها.
وأضافت " نجحنا في إنقاذ حياة الكثيرين بتوفير العلاج أو تقديم الاستشارات الطبية ". لكنها بدت مرعوبة من حدوث ندرة في الدواء في ظل توقف الإمداد مع ظروف الحرب الدائرة في الخرطوم ، ونفاد ما لدى الصيدليات من مخزون، فضلا عن تعرض عدد من مصانع الأدوية للتخريب والنهب بجانب توقف حركة الاستيراد .
من ناحية أخرى وبصورة إيجابية ، بدأت الشرطة السودانية في الانتشار بعدد من مناطق العاصمة الخرطوم لتأمين الاسواق والمنشآت، بينما تعهد الجيش السوداني بنشرها في جميع المواقع التي يفرغ من تمشيطها ويتأكد من خروج قوات الدعم السريع منها.
ورغم موافقة الطرفين على تمديد وقف إطلاق النار الذي انتهى أول أمس الأحد لمدة 72 ساعة أخرى بوساطة أمريكية وسعودية، ذكرت نقـابة أطباء السودان، أمس الإثنين أن الاشتباكات لا تزال جارية بين الطرفين لليوم السادس عشر على التوالي. وأعلنت أن عدد ضحايا الاشتباكات ارتفع إلى 436 حالة وفاة بين المدنيين، و2175 حالة إصابة.
وفي ظل كل ذلك، يترقب السودانيون إمكانية انطلاق المفاوضات بين الجيش والدعم السريع تحت الوساطة الامريكية السعودية بتفاؤل حذر، بعد أن سمى الطرفان ممثلين للتفاوض باسمهما لإغلاق صفحة الحرب، وإعادة الحياة إلى طبيعتها، دون إراقة المزيد من الدماء والمضي قدما في تدمير البلاد.
فيديو قد يعجبك: