الغزو الروسي لأوكرانيا.. ماذا بعد مبادرة السلام الأفريقية؟
(دويتشه فيله)
أثارت زيارة وفد الوساطة الأفريقية لروسيا وأوكرانيا، تساؤلات حيال توقيتها ومدى قدرة القارة السمراء على إنهاء الحرب. مراقبون يرون أنّها "أظهرت أن طرفي الصراع يبحثان عن حلفاء وليس وسطاء". فهل كانت مجرد فرصة لالتقاط الصور؟
خلال اجتماعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سانت بطرسبرغ، قال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، الشخصية الأبرز في وفد الوسطاء الأفارقة بشأن النزاع الأوكراني، مؤخرا: "نحن هنا لإيصال رسالة واضحة للغاية مفادها أننا نرغب في إنهاء هذه الحرب".
وكان رامافوزا قد كرر فحوى الرسالة ذاتها خلال زيارته أوكرانيا قبل يوم من لقاء بوتين، مشددا على أن الاستماع إلى آراء المسؤولين الروس والأوكرانيين يعد بالأمر الحاسم للوفد الأفريقي، لكن يبدو أن التصريحات الروسية والأوكرانية لم تدفع الوسطاء الأفارقة إلى تعليق الكثير من الأمال على جهودهم لإنهاء الصراع.
فعلى الصعيد الأوكراني، قال الرئيس فولوديمير زيلينسكي إن المفاوضات مع روسيا لن تكون ممكنة إلا في حالة انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية.
ولم يتوقف الأمر على ذلك بل شكك زيلينسكي في جهود وفد الوساطة الأفريقي إذ طرح تساؤلا حيال سبب سفر أعضاء الوفد إلى سانت بطرسبرغ بعد استهداف كييف بهجمات صاروخية روسية في نفس يوم الزيارة. وفي ذلك، قال الرئيس الأوكراني: "أتساءل عن مدى منطقية هذا؟ أنا لا أفهم حقا".
أما على الجانب الروسي، أصر بوتين على صعوبة أن تثق بلاده في أوكرانيا حيث أطلع الوفد الأفريقي على نص مشروع اتفاق سلام جرى وضعه خلال الأشهر الأولى من الحرب فيما لم يتم الكشف عنه مسبقا، مضيفا أن أوكرانيا رفضت المقترح.
وأضاف أن روسيا منفتحة على الحوار، لكنه قال إنه لا يمكن الوثوق في أن تفي أوكرانيا بوعدوها، مضيفا: "أين الضمانات في أن أوكرانيا لن تتخلى عن أي اتفاقيات أخرى"؟.
وشدد المسؤولون الروس على أن أي اتفاق سلام محتمل يجب أن يعترف بـ "الحقائق الجديدة" بما في ذلك سيطرة القوات الروسية على ما يقرب من خُمس الأراضي السيادية لأوكرانيا منذ بدء توغلها العسكري في هذه الدولة أواخر فبراير العام الماضي.
لا خارطة طريق لتحقيق السلام
يشار إلى أن رئيس جنوب أفريقيا قد ذكر أن وفد الوساطة قد وضع خطة من 10 نقاط كجزء من مبادرته للسلام بما في ذلك احترام ميثاق الأمم المتحدة والسماح لجميع الأطفال العالقين في مرمى هذا الصراع بالعودة من حيث أتوا وضمان حركة تصدير الحبوب والأسمدة من الدولتين.
واعتبر الوفد النقاط العشر مبادئ إرشادية وليست خطة سلام بالمعنى المحدد والحرفي، لكن توقيت الزيارة أثار الكثير من التساؤلات إذ تزامنت مع إطلاق أوكرانيا هجومها المضاد ضد القوات الروسية.
ويُضاف إلى ذلك عدم إبداء روسيا أو أوكرانيا أي مؤشر على انهيار قواتهما في ساحات المعارك وهو الأمر الذي سوف يجبرهما – حال تحققه - على الجلوس على طاولة المفاوضات.
وقال مراقبون إن زيارة الوفد الأفريقي إلى كييف وموسكو تُظهر أن طرفي الصراع ما يزالان يبحثان عن حلفاء وليس وسطاء فيما يرى آخرون أن زخم زيارة الوفد إلى سانت بطرسبرغ والاستقبال الحافل للوسطاء الأفارقة تخدم أهداف بوتين لبعث رسالة إلى المواطنين الروس مفادها أن جهود الغرب لعزل روسيا قد باءت بالفشل خاصة بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه.
تشكيك أوكراني
وفي الوقت الذي سعى فيه الوسطاء الأفارقة إلى تأكيد حيادهم بشأن الصراع، شكك الجانب الأوكراني في نوايا وأهداف الوفد الأفريقي خاصة ما يتعلق بالرئيس الجنوب الأفريقي رامافوزا الذي ترأس الوفد.
يشار إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب أفريقيا والذي يتزعمه رامافوزا يرتبط بعلاقات وثيقة مع موسكو منذ عقود، لكن المزاعم الأخيرة بأن جنوب إفريقيا سلحت روسيا زادت من الشكوك الأوكرانية.
وفي ذلك، قالت هانا شيلست، خبيرة الشؤون الخارجية الأوكرانية، "لم تكن هناك توقعات عالية بسبب مواقف الوفد الأفريقي"، مضيفة أن الحكومة الأوكرانية كان يحدوها الأمل في تغير مواقف الوسطاء الأفارقة بعد رصد واقع الحرب بأعينهم.
ورغم وقوع هجوم روسي على كييف خلال زيارة الوفد الأفريقي لأوكرانيا، إلا أن الوسطاء الأفارقة لم يُقدموا على إدانة الهجوم بشكل مباشر أو الهجمات الروسية داخل الأراضي الأوكرانية.
وبدا زيلينسكي محبطا عندما أشار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى الغزو الروسي لأوكرانيا باعتباره "نزاعا".
اتفاق الحبوب مهدد
الجدير بالذكر أن الحرب الروسية في أوكرانيا قد ألقت بظلالها على القارة السمراء خاصة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي أثقل كاهل مئات الملايين من الشعوب الأفريقية.
ومع قرب انتهاء العمل باتفاق البحر الأسود لتصدير الحبوب الذي يلزم روسيا بتخفيف حصارها عن الموانئ الأوكرانية للسماح بتصدير الحبوب، في السابع عشر من يوليو المقبل، فإن القادة الأفارقة يؤكدون على ضرورة تمديد الاتفاق.
بيد أن الإشارات الصادرة من الكرملين ليست مشجعة خاصة في ظل قيام موسكو بعرقلة المفاوضات والانسحاب من الاتفاق لبضعة أيام. وتقول روسيا إن العقوبات الغربية على مصارفها وشركات التأمين تعرقل بشكل غير مباشر صادراتها من الأسمدة والمواد الغذائية وغيرها من المواد المستثناة من العقوبات.
إلقاء اللوم على الغرب
وخلال استقباله الوفد الأفريقي في سانت بطرسبرغ أبلغ بوتين الوسطاء الأفارقة أن حرب بلاده ضد أوكرانيا ليست السبب وراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية وإنما السياسات الاقتصادية التي تبنتها الدول الغربية أثناء جائحة كورونا.
وسبق ذلك اتهام روسيا الجانب الأوكراني بالتصرف على نحو مخادع إذ زعمت أن كييف تستخدم اتفاق الحبوب لبيع منتجاتها إلى أوروبا بدلا من الدول النامية رغم أن الدول النامية طلبت من بوتين الالتزام باتفاق الحبوب.
وفي السياق ذاته، تلقى الوفد الأفريقي التزامات فضفاضة من بوتين بأن روسيا ستوفر كميات محدودة من الحبوب بالمجان للدول الأشد فقرا في خطوة يتوقع المحللون أنها لن كافية للتخفيف من تداعيات أزمة ارتفاع الأسعار على الدول النامية في حالة انتهاء العمل باتفاقية الحبوب.
وفي حالة فشل الوسطاء الأفارقة في إقناع الدول الغربية بتقديم تنازلات لبوتين لإبقاء اتفاق الحبوب على قيد الحياة، فإن على البلدان الأفريقية الاستعداد لسيناريو عودة ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى معدلاتها غير المسبوقة العام الماضي.
فيديو قد يعجبك: