استغاثة عجز.. عائلات مفقودي ليبيا المصريين يحاولون معرفة مصير أبنائهم
كتبت- سارة أبو شادي
عائلات ودعت أبناءها، ومنازل اتشحت بالسواد من جنوب مصر حتى شمالها. الفاجعة كبيرة على من فقدوا أبنائهم جراء إعصار دانيال في ليبيا، والمُصاب جلل. ألم الرحيل كان صعبًا على من فقدوا أحبائهم، لكنّه رغم الألم كان أخف حدة من عدم معرفة مصير حبيب مفقود. هذا حال عشرات الأسر المصرية حاليّا ممن لم تُدرج أسماء أبنائهم في قوائم الموتى أو المصابين أو حتى الناجين.
استغاثات عدة أطلقتها عائلات مصرية، في محاولة لمعرفة مصير أبنائهم الذي لم يزل مجهولًا إلى اليوم. البعض منهم يعيش على أمل اللقاء من جديد، وآخرون يناجون ربّهم ليل نهار أن ينتهي هذا المصير المجهول، ولو كانت النهاية موت.
في هذه القصة تواصل "مصراوي" مع 4 من العائلات المصرية ممن لا تزال تبحث عن ابن مفقود في درنة. حكاية هؤلاء الـ4 تشابهت مع العشرات من حكايات أخرى لمن لا يزالوا مفقودين.
مصير مجهول
"عمرو عادل" شاب من محافظة الدقهلية يبلغ من العمر نحو 35 عامًا، الشاب الذي يبلغ من العمر نحو 35 عامًا، بعدما ضاقت به سُبل العيش في مدينته، ولم يستطع توفير احتياجات أسرته الكاملة، فالشاب متزوج ولديه طفلة، قرر البحث عن رزقه في مكان آخر خارج وطنه، ومع محاولات عديدة للوصول إلى أشخاص لمساعدته للخروج إلى بلد جديد يبدأ فيها بناء مستقبله، شاهد العديد من أبناء مدينته يخوضون تجربة الخروج في رحلات غير شرعية إلى ليبيا فقرر الشاب خوض التجربة ذاتها.
"سعاد" شقيقة عمرو والتي حاولت منذ الواقعة أن تطمئن على شقيقها الأكبر خاصة وأنّ آخر تواصل بينهم معه كان قبل الإعصار بساعات معدودة أخبرهم أنّه في المنزل مع أصدقائه وأنّ هناك عاصفة شديد لكنّه بخير، إلّا أنّ الأمر لم يدم طويلًا فانهار سد درنة، وانقطعت الاتصالات بالمدينة ولاحق الخطر الآلاف ممن بينهم عمرو.
"محدش من أصحابه عارف هو راح فين" منذ الدقائق الأولى للإعصار وسعاد وعائلتها يحاولون الوصول إلى نجلهم أو أحد من رفاقه الذين يقيمون معه بالمنزل ذاته، لكن بلا فائدة. إلّا أنّه وبعد عدة ساعات ومحاولات دائمة تمكنت العائلة من الوصول إلى أحد أصدقاء نجلها، والذى أبلغهم أنهم فور انهيار السد، خرجوا جميعًا فوق أسطح أحد البنايات المرتفعة محاولين النجاة من الغرق، لكن وبسبب شدة المياه، لم تصمد البناية أيضًا فانهارت على الفور، وحينها تفرق الشباب، كلا منهم حاول النجاة بنفسه في طريق مختلف عن غيره.
يعمل "عمرو" بإحدى المحال الكهربائية في مدينة درنة، عُرف عنه الطيبة وحسن الخلق بين رفاقه كان يعمل فقط من أجل توفير حياة كريمة لطفلته التي تركها وغادر قبل عام، تسعى عائلته الوصول إلى معلومة عن مصيره، أصدقائه في درنة يبحثون عنه بالمدارس والمستشفيات، وعائلته لا تجد أمامها طريقة سوى نشر صورته ومعلومات عنه على مواقع التواصل الاجتماعي، علّ أحدهم قد التقى به صدفة في وسط المأساة، لكن حتى اللحظة لا يزال مصير عمرو مجهولًا.
البحث عن الحلم
لم يختلف حال الشاب أحمد صبحي عن عمرو، فالفتى صاحب الـ21 عامًا والذي قرر الخروج إلى ليبيا قبل نحو شهر ونصف، من أجل محاولة بناء مستقبل له كغيره الكثير من أبناء وطنه ممن خرجوا بطريقة غير شرعية، متسللين الحدود نحو مدينة درنة الليبية، انقطع التواصل بينه وبين عائلته هو الآخر قبل ساعات قليلة من بداية الإعصار.
عاش أحمد في منزل بشارع البحر بجوار مسجد البساتين في منطقة درنة، عمل خلال الفترة الماضية في السيراميك، حاول الخروج عدة مرات إلى ليبيا لكن محاولاته دائمًا كانت تفشل، لكن قبل نحو شهر ونصف نجح الشاب في التسلل نحو مدينة درنة، كان يعيش الشاب رفقة 3 من أصدقائه أحدهم من نفس قريته بمدينة الحامول التابعة لمحافظة كفر الشيخ، والذي نجا من الكارثة وسرد ما حدث مع أحمد لعائلته.
" احنا تواصلنا مع زميله وقالنا اللي حصل" وفقًا لحديث أحمد إبراهيم، أحد أقارب الشاب، فإنّه في الثالثة فجرًا كان 3 من الشباب الأربعة نيام، حتى ضرب الإعصار منزلهم، الشاب الذي كان مستيقظًا ويدعى "محمد" فرّ هاربًا إلى الخارج للنجاة بنفسه، وصعد مسرعًا على سطح بناية مرتفعة بجوار منزلهم الذي يقطنون به، وظل متشبثًا بعمود خرساني بجواره لعدة دقائق، خاصة في ظل اندفاع المياه الشديد والتي كانت تسقط كل شيء من حوله، بينما لم يتمكن من معرفة مصير أصدقائه الثلاثة إلى الآن.
على مدار 3 أيام يسير الشاب في المدينة بلا طعام أو شراب، يبحث فقط عن رفاقه سرد لعائلته أنّه فتح المئات من أكياس الموتى، التي كان يصادفها في طريقه معتقدًا أنّ رفاقه يمكن أن يكونوا داخل أحد هذه الأكياس، تحاول عائلة الشاب نشر استغاثات عبر مواقع التواصل الاجتماعي من جانب، ومحاولة تقديم بلاغات للجهات المعنية من جانب آخر، بينما يحاول "إبراهيم" من جانبه الوصول إلى أحد المسؤولين في نادي درنة، والذي أخبره أحدهم أنّه يأوي حاليًا المئات من المصابين والناجين على أمل أن يكون نجلهم أحد هؤلاء.
4 أعوام من الغياب
من شمال مصر إلى جنوبها، المعاناة واحدة ومأساة البحث عن الأبناء في ظل الكارثة متشابهة، فعائلة الشاب أحمد عبد الرحمن هي الأخرى تحاول معرفة مصير ابنها، فالشاب الذي يبلغ من العمر نحو 29 عامًا ابن مدينة القوصية بمحافظة أسيوط، والذي سافر قبل نحو 4 سنوات إلى ليبيا بطريقة غير شرعية، واستقر في مدينة درنة والعمل بداخلها كبائع خضار، عقب الإعصار بات مصيره هو الآخر مجهولًا.
"مش عارفين أي حاجة عن أحمد ومش قادرين نتواصل معاه" هبة صلاح" نجلة خال "أحمد"، والتي حاولت في الساعات الماضية اتباع العديد من السبل من أجل معرفة مصير الشاب، سواء بنشر صورته وبياناته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو إرسال استغاثات عبر الأرقام التي يعلن عنها الهلال الأحمر الليبي، أو القنصلية المصرية في بنغازي.
قبل الإعصار بعدة ساعات كان آخر تواصل بين أحمد ووالدته العجوز، في ظل المحاولات المتكررة للعائلة للوصول إلى الشاب، تمكنوا من التواصل مع أحد رفاقه والذي أبلغهم أنّه لم يُشاهد أحمد منذ الإعصار، لكنّه أيضًا طمأنهم بأنّه من المحتمل أن يكون الشاب قد تمكن من الصعود أعلى الجبل أو حتى بناية عالية ونجا بنفسه، لكنّ القلق هو وحده من يسكن قلب العائلة خاصة وأنّ هناك ضحايا تم الإبلاغ عن وفاتهم ومعرفة هوياتهم ممن كانوا يتواجدون معه في نفس المنزل، وهناك أيضًا ناجين من بينهم
خلال الـ4 سنوات منذ مغادرته وطنه لم يأتي أحمد في زيارة إلى مدينته، كان يتواصل مع عائلته عن طريق مواقع التواصل أو بمكالمات هاتفية، تعيش والدة أمل حاليّا على أمل أن يكون ابنها بخير، زملائه في درنه قدموا بلاغات باسمه ضمن البلاغات التي تتسلمها وزارة الداخلية عن المفقودين يبحثون عنه هناك ليل نهار، والدته هنا لا تملك سوى الدعاء ، خاصة وأنّ الحدود تفصل بينها وبين الذهاب للبحث عن صغيرها الذي تخشى أن تكون المياه جرفته معها بعيدًا.
حكاية "الجميل"
تشابهت الحكايات والمصير واحدًا حتى الآن "مفقود"، هكذا كان الحال مع عائلة الشاب العشريني إبراهيم الجميل، والذي يقيم بمدينة بلقاس بمحافظة الدقهلية، فالشاب تواصل مع عائلته آخر مرة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عبر ماسنجر تحديدًا وذلك لأنّه لم يمتلك بعد رقم هاتف ليبي للتواصل معهم تليفونيا، لكنّ العائلة منذ العاصفة فقدت التواصل نهائيّا مع نجلها ولم تعرف هي الأخرى مصيره بعد.
"هو مسافر قريب مش من فترة كبير" سرد إبراهيم عبد الباسط أحد أقارب "الجميل" حكاية الشاب، والذي لم يمر على تواجده في ليبيا وتحديدًا مدينة درنة سوى عام فخرج هو الآخر بطريقة غير شرعية، كان يعمل في العديد من المهن، يحاول كسب لقمة عيشه بطرق عدة حلال، مع انقطاع الاتصالات لم يتمكنوا من التواصل مع نجلهم، لكنهم تواصلوا مع أحد أقاربهم والذي لم يمر على وصوله إلى ليبيا سوى شهر واحد، وكان يعيش بالقرب من منزل نجلهم.
الشاب الذي تواصلت معه عائلة "جميل" تمكنوا من العثور عليه عقب ظهوره في فيديو نشر على مواقع التواصل، وهو يتلقى العلاج داخل إحدى مدارس الإيواء في المدينة، حيث يتواجد بها المئات من الناجين والمصابين، لكنّ الشاب أبلغهم أنّه لم يصادف "الجميل" بالمدرسة علّه تم إنقاذه ونقله إلى مكان آخر.
يحاول "إبراهيم" نشر صورة الشاب المفقود وبياناته الشخصية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما يحاول أشقائه التواصل مع القنصلية المصرية وإرسال استغاثات إليها، من أجل معرفة مصير شقيقهم والذي لم يزل مجهولًا حتى اللحظة، في ظل خوفهم الشديد من أن يتلقى ابنهم مصير غيره من الشباب الذين عادوا إلى ذويهم بأكفان، بعدما خرجوا باحثين عن لقمة عيش، لكنّهم القدر كتب عليهم أن يكونوا ضحايا إعصار ضرب المدينة التي واجهوا قديمًا مخاطر عدة للوصول إليها.
وفي آخر إحصائية لضحايا الإعصار دانيال، أعلن الهلال الأحمر الليبى، الخميس، أن حصيلة القتلى من جراء الفيضانات التي اجتاحت مدينة درنة شرقى ليبيا، إثر العاصفة "دانيال" ارتفعت إلى 11300 قتيل، فى وقت تستمر جهود إنقاذ العالقين فى المدينة المنكوبة، إضافة إلى وجود أكثر من 10 آلاف مفقود فى درنة حتى الآن، وفق ما أوردت وكالة "أسوشيتد برس"، وكانت السلطات الليبية ذكرت فى وقت سابق أن الحصيلة بلغت 7 آلاف، ويخشى أن يكون الرقم أعلى من ذلك بكثير.
وكانت وزارة الخارجية المصرية، قد أعلنت في بيان رسمي الأربعاء، أنها "تتابع جهود الإنقاذ الخاصة بضحايا الإعصار في ليبيا" وتم التعرف على هوية 84 شخصا من الضحايا المصريين.
وأفاد البيان أن القنصلية المصرية في بنغازي "تنسق مع السلطات الصحية والأمنية بمدينة درنة، والهلال الأحمر الليبي، بهدف حصر الأعداد الدقيقة للضحايا والمصابين المصريين، والعمل على إنقاذ الناجين وإيوائهم، رغم الظروف الصعبة التي تحيط بعمليات الإنقاذ بسبب انهيار البنية التحتية".
كما شكلت القنصلية المصرية في بنغازي، خلية أزمة فور وقوع الكارثة، لمتابعة التداعيات بهدف تقديم الغوث العاجل للضحايا وأسرهم والدعم اللوجيستي، بحسب البيان.
فيديو قد يعجبك: