كوريا الشمالية تتدخل بالحرب الأوكرانية.. هل تلوح حرب عالمية في الأفق؟
كتبت: سهر عبدالرحيم
في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استعداده للحوار مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بشأن إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، واصفًا حديث ترامب بأنه "يستحق الاهتمام على أقل تقدير"، تزداد الأدلة على مشاركة جنود من كوريا الشمالية في صفوف الجيش الروسي في حربه الدائرة ضد أوكرانيا.
وفي ظل الحرب الجارية التي بدأتها روسيا في فبراير عام 2022، وسيطرتها على مناطق عدة، اتهمت الولايات المتحدة كوريا الشمالية بإرسال جنودها للقتال في صفوف الجيش الروسي، تلك الاتهامات التي نفتها موسكو.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الأربعاء، إن "جنود كوريا الشمالية المتواجدين في روسيا دخلوا فعليًا الحرب وبدأوا القتال في أوكرانيا، الأمر الذي يتطلب ردًا حازمًا"، مؤكدًا أن "دعم واشنطن لكييف مستمر".
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قد أكد وقوع "خسائر" فعلية في صفوف القوات الكورية الشمالية في منطقة كورسك الروسية في قتالها ضد القوات الأوكرانية، لكنه لم يحدد عدد الجنود الكوريين الشماليين الذين قُتلوا أو أُصيبوا، هذه التصريحات أدلى بها خلال مؤتمر صحفي بعد انعقاد قمة المجموعة السياسية الأوروبية في مدينة بودابست عاصمة المجر، يوم 8 نوفمبر الجاري.
وللمرة الأولى في أخر شهر أكتوبر الماضي، أكد حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن قوات كورية شمالية تنتشر في روسيا وتعمل في منطقة كورسك الحدودية، مكان تمركز القوات الأوكرانية، مؤكدًا أن انتشار الجنود يمثل "تصعيدًا كبيرًا وتوسعًا خطيرًا" للحرب.
وفي المقابل ردت موسكو على تلك الاتهامات، ونفى سفير روسيا لدى الأمم المتحدة صحة التقارير التي تفيد بتواجد قوات كورية شمالية عند الخطوط الأمامية في الحرب ضد أوكرانيا، واصفًا إياها بأنها "مجرّد ادعاءات".
بينما رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الحديث عن وصول قوات كورية شمالية إلى موسكو، قائلًا خلال مؤتمر صحفي: "هذا قرارنا السيادي، وسواء استخدمناها أم لا، وأين، وكيف، وما إذا كنا نجري تدريبات مشتركة، أو مناورات تدريبية، أو نتبادل الخبرات، فهذا شأننا"، كما لم تصرح بيونغ يانغ عن مشاركة جنودها في الحرب حتى الآن.
ومن جانبه أكد الدكتور رامي أبو شمسية عضو حزب الوطني الأوكراني، إن "خطوة إرسال كوريا الشمالية جنودها للقتال مع روسيا من شأنها التأثير على الوضع في كييف"، مبررًا أن عدد القوات الروسية حاليًا أكثر بكثير من القوات الأوكرانية.
ويرى أبو شمسية خلال حديثه لـ"مصراوي"، أن تدخل جيش نظامي كجيش كوريا الشمالية- هذا الجيش الذي لم يشارك في حرب خارج أراضيه- سيكون هدفه القتال بقوة ضد الجيش الأوكراني، الأمر الذي من شأنه أن يجعل الغلبة لموسكو في مناطق الشرق ما يتسبب في فقدان أوكرانيا لمزيد من أراضيها وخسارتها المزيد من الجنود والأسلحة.
وأشار إلى أن الهدف وراء هذا التدخل من قِبل كوريا الشمالية قد يعزز مكانتها على الساحة الدولية وإظهار استعدادها لدعم حلفائها، مضيفًا أن بيونغ يانغ، التي لم تخضع للقوانين الدولية واكتفت سابقًا بإمدادات عسكرية لموسكو، تسعى الآن لتعزيز دورها في صناعة القرار الدولي وأن تقدم للعالم أنها دولة عظمى كما تريد أيضًا لفت انتباه الغرب والولايات المتحدة.
وبخصوص فرض المزيد من العقوبات، قال أبو شمسية: "منذ زمن بعيد تفرض الولايات المتحدة الكثير من العقوبات التجارية والاقتصادية والسياسية على بيونغ يانغ، ومن الممكن أن تقوم واشنطن بفرض المزيد من العقوبات بهدف الردع"، مضيفًا: "روسيا لم تستطع الولايات المتحدة ردعها بفرض العقوبات الاقتصادية عليها منذ بداية الحرب في فبراير 2022".
ويستبعد عضو الحزب الأوكراني مشاركة قوات حلف الناتو في الحرب الجارية، إذ قال: "من غير الممكن أن يرسل الناتو قواته للقتال ضد روسيا، فمنذ بداية الحرب وقرار الدول الغربية والولايات المتحدة واضحًا وهو عدم إرسال أي قوات تحالف أوروبية إلى كييف، ولكن يمكن أن يسمحوا لأوكرانيا باستخدام أسلحة كانت محظورة في بداية الحرب أو السماح لها بضرب العمق الروسي واستهداف مصانع الأسلحة والأماكن اللوجستية الروسية".
وأضاف عضو الحزب الأوكراني، أنه: "من الصعب إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية حاليًا، وحتى في المستقبل لن تنسحب روسيا من الأراضي التي احتلتها لأنها دفعت ثمن كبير في هذه الحرب من جنود وأسلحة وأيضًا خسائر اقتصادية وحصار تجاري".
أما عن عدد القوات الكورية، يقول محلل الشؤون الروسية أوليج اجناتوف، إن: "المصادر الغربية تذكر أن العدد الأقصى للجنود الكوريين الشماليين المشاركين هو 12,000 جندي، من أصل 700,000 جندي روسي يقاتلون في أوكرانيا".
وأضاف "اجناتوف"، خلال حديثه مع "مصراوي": "بناءً على ما تم نشره، نتحدث هنا عن عدد صغير نسبيًا من الجنود الكوريين الشماليين، مما قد يؤثر فقط على جزء محدود من الجبهة"، مشيرًا إلى أن "المصادر الغربية تفيد بأن الجنود الكوريين يتم نقلهم إلى منطقة كورسك الروسية، حيث يُعتقد أنهم سيلعبون دورًا في تأمين الحدود الروسية أو ربما في السيطرة على منطقة سومي الأوكرانية بعد استعادة موسكو السيطرة على كورسك".
ويرى محلل الشؤون الروسية، أنه إذا كان تدخل كوريا الشمالية أوسع من ذلك، فقد يكون رد الغرب أقوى، فحتى الآن لم تسمح دول الناتو والولايات المتحدة بشن هجمات بأسلحة بعيدة المدى على الأراضي الروسية.
وشكك "اجناتوف" في قدرة القوات الكورية الشمالية في مساعدة روسيا في الحرب، لافتّا إلى أنها تفتقر للخبرة بالرغم من أن جيشها كبير جدًا فقد يكون هدفها اكتساب هذه الخبرة، خاصة لقوات العمليات الخاصة التابعة لها.
وفيما يتعلق بتأثير قرار كوريا الشمالية بالمشاركة الفعلية في الحرب على علاقتها بحلفائها وخصوصًا الصين؛ يرى اجناتوف أن بكين تتخذ موقفًا ب "عدم التدخل في النزاع"، ولدى موسكو وبيونغ يانغ علاقة خاصة تعترف بها بكين كأمر واقع.
ومن المحتمل أن يفرض الغرب عقوبات جديدة على كوريا الشمالية وروسيا، لكن من غير المرجح أن يكون لها تأثير كبير على الأحداث، نظرًا لأن الولايات المتحدة والدول الأوروبية تبنوا، سياسة "تجنب الصراع العسكري المباشر" مع روسيا، وهو موقف تلتزم به موسكو أيضًا، على حد تعبير اجناتوف.
وحسب المحلل في الشؤون الروسية، فإن إرسال قوات كورية شمالية يمثل "تصعيدًا جديدًا" قد يعزز جهود موسكو، خاصة من خلال إمدادات الذخيرة، لكنه لا يتوقع أن تؤثر هذه التحركات على قرارات الغرب، الذي يمتلك تأثيرًا سياسيًا أكبر في هذا الصراع.
واتفق اجناتوف، مع رأي أبو شمسية فيما يتعلق باحتمالية إرسال الناتو لقواته للقتال مع أوكرانيا، مجيبًا أنه "من غير المرجح، نظرًا لأن مجرد فكرة إرسال قوات غربية إلى كييف قد تقوض الدعم الغربي لها".
ومن جانبه قال رئيس تحرير وكالة "أوكرانيا بالعربية" دكتور محمد فرج الله، إن "روسيا لم تعترف حتى الأن بوجود جنود كوريين شماليين على أراضيها لمساعدتها في حربها ضد أوكرانيا، لكن التقارير تشير إلى أن بيونج يانج أرسلت من 3 إلى 10 آلاف جندي إلى موسكو"، خلال حديثه مع "مصراوي".
وأكد فرج الله، أنه "إذا ثبت صحة هذا الأمر، سيعتبر منحنى خطيرًا لمجريات الحرب، فمنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية سعت الدول الداعمة للطرفين عدم التورط بالحرب بشكل مباشر، لكن مع مشاركة جيش نظامي ثالث في القتال يمكنه تحويله إلى حرب عالمية"، على حد تعبيره.
وأضاف: "وفي هذا الشأن، ندد الناتو والولايات المتحدة بتلك الخطوة، التي وضعت حلفاء كييف أمام خيارين صعبين أما المشاركة في الحرب لمنع خسارة كييف- التي من الصعب عليها الصمود أمام جيشين نظاميين بمفردها- وأما التخلي عن حليفته".
"لا أعتقد أن كوريا الشمالية اتخذت قرار المشاركة في الحرب بجانب روسيا بمفردها، بل جاء بالتشاور مع حليفتها الصين، أما إذا لم تكن بكين على علم بتلك الخطوة هذا سيجعلها في وضع صعب"، حسبما أفاد به الخبير بالشؤون الأوكرانية محمد فرج الله.
أما فيما يتعلق بالأهداف التي يسعى كل طرف لتحقيقها جراء هذا القرار، قال فرج الله، إن "روسيا بحاجة إلى مزيد من الجنود والأسلحة، وفي المقابل ستزود موسكو بيونغ يانغ- التي تعاني من أزمات اقتصادية نتيجة العقوبات الأمريكية عليها- بالمال والغذاء.
وتابع أن كوريا الشمالية تأمل في الخروج من العزلة السياسية التي فرضتها عليها واشنطن، فضلًا عن رغبتها في العودة إلى طاولة التفاوض لرفع بعض العقوبات عنها، إلى جانب الأهداف الأخرى غير الواضحة حتى الآن.
فيديو قد يعجبك: