كيف تنفذ إيران الاغتيالات؟.. قيادي بالحرس الثوري يكشف
محسن رفيق دوست
كتبت- سلمى سمير:
كشف أول وزير للحرس الثوري الإيراني، محسن رفيق دوست، عن إشرافه على عمليات اغتيال استهدفت معارضين في الخارج، مسلطًا الضوء على حملة طهران الممتدة لعقود لتصفية خصومها السياسيين على أراضٍ أوروبية وأمريكية.
وفي مقابلة مع موقع "ديدبان إيران" الإخباري، أقر رفيق دوست بأنه قاد عمليات تصفية ضد شخصيات بارزة، بينها رئيس الوزراء الإيراني الأسبق شابور بختيار وهو آخر رئيس وزراء في عهد الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي، والضابطان العسكريان غلام علي أويسي وشهريار شفيق، إضافة إلى الفنان والمعارض السياسي فريدون فرخزاد.
وكشف المسؤول الإيراني السابق أن طهران استخدمت مجموعات انفصالية لتنفيذ هذه العمليات، قائلًا: "جماعة الباسك الانفصالية في إسبانيا نفذت الاغتيالات لصالحنا. دفعنا لهم المال، ونفذوا العمليات نيابة عنا".
وفيما يتعلق باغتيال شابور بختيار عام 1991 في باريس، أوضح رفيق دوست أنه أشرف على العملية التي نفذها العميل اللبناني أنيس نقاش، والذي سبق أن حاول تصفية بختيار عام 1980 لكنه فشل آنذاك.
وكشف أيضًا عن دوره في الضغط على الحكومة الفرنسية لإطلاق سراح نقاش بعد اعتقاله، مهددًا المسؤولين الفرنسيين بتفجير سفاراتهم أو اختطاف طائراتهم إذا لم يُفرَج عنه خلال أسبوعين.
وفي مقابلة عام 2008، كان نقاش نفسه قد أشار إلى أن المرشد الأعلى السابق لإيران، روح الله الخميني، أعطى الضوء الأخضر شخصيًا لتصفية بختيار، حيث قال: "المحكمة الثورية الإسلامية أصدرت حكم الإعدام، ووافق عليه الخميني. أخبرت أعضاء الحرس الثوري أن لدي خبرة عملية وسأنفذ المهمة".
لم تكن هذه العمليات حالات فردية، بل كانت جزءًا من استراتيجية ممنهجة تتبعها إيران منذ ثورة 1979. ومن بين أبرز الضحايا، قائد القوات المسلحة الإمبراطورية الإيرانية، الجنرال غلام علي أويسي، الذي اغتيل في باريس عام 1984، حيث أعلنت مجموعة "الجهاد الإسلامي" اللبنانية مسؤوليتها عن العملية، وهي المجموعة التي كان لها صلات وثيقة بحزب الله، وكان قائدها عماد مغنية مسؤولًا عن العديد من العمليات، بما في ذلك تفجير السفارة الأمريكية في بيروت عام 1983 وهجمات على أهداف إسرائيلية في الأرجنتين.
ووفقًا لتقرير صادر عن مركز عبدالرحمن بوروماند في ديسمبر، فإن إيران نفّذت 862 عملية إعدام خارج نطاق القضاء، إضافة إلى 124 محاولة اختطاف أو اغتيال منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
تصعيد إيراني في السنوات الأخيرة
تزايدت العمليات الإيرانية في السنوات الأخيرة، حيث كشفت تحقيقات "رويترز" في 2024 عن تورط إيران في 33 محاولة اغتيال أو اختطاف منذ عام 2020، بما في ذلك خمس محاولات استهدفت شخصيات على الأراضي الأمريكية. ومن بين المستهدفين، الناشطة والصحفية مسيح علي نجاد، التي كشفت السلطات الأمريكية عن مخططات مدعومة إيرانيًا لتصفيتها عبر عملاء مأجورين، والتي قوبلت بإحباط من قبل الأجهزة الأمنية الأمريكية.
وفي 2020، اختطف الحرس الثوري الإيراني الصحفي المعارض روح الله زم في العراق، قبل أن يتم نقله إلى طهران وإعدامه. كما تم اختطاف المعارض جمشيد شارمهد في الإمارات، قبل أن يتم إعدامه عام 2024.
لم تقتصر أهداف إيران على معارضيها، إذ كشفت وزارة العدل الأمريكية عن مخطط إيراني لاغتيال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل انتخابات 2024، مشيرة إلى أن الإيراني فرهاد شكاري، البالغ من العمر 51 عامًا، كان العقل المدبر للعملية بمساعدة اثنين من المتعاونين الأمريكيين.
وفيما يتعلق بإسرائيل، صرح رئيس جهاز الموساد، ديفيد بارنيع، عام 2023 أن الأجهزة الأمنية أحبطت 27 مخططًا إيرانيًا لاستهداف إسرائيليين في أوروبا وأفريقيا وجنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية.
وأشار بارنيع إلى أن العمليات الإيرانية ضد إسرائيل تضاعفت بنسبة 400% خلال عام 2024 وحده، حيث تم كشف 13 محاولة اغتيال، وألقي القبض على 27 شخصًا.
أما في بريطانيا، فقد كشف جهاز الاستخبارات أن المملكة المتحدة تصدت لـ20 مؤامرة إيرانية منذ 2022، متهمًا الحرس الثوري باستخدام "وكلاء إجراميين" لتنفيذ عمليات الاغتيال بهدف التغطية على دوره المباشر.
وأكد بيان الاستخبارات البريطانية أن طهران تستهدف المعارضين والإعلاميين الذين يغطون قمع النظام في طهران، مشيرًا إلى أن هناك "نمطًا مستمرًا من استهداف الصحفيين والجاليات اليهودية والإسرائيلية حول العالم."
وأضاف البيان: "من الواضح أن هذه العمليات جزء من استراتيجية إيرانية تهدف إلى قمع المعارضة باستخدام الترهيب والخوف."
ردود الفعل
حتى الآن، لم تصدر أي ردود رسمية من الحكومات الأوروبية أو الولايات المتحدة، ولكن الجدل بدأ حوله أولا في إيران، بانتقاد النائب الإيراني المحافظ أحمد بخشايش لتصريحاته، محذرًا من تأثيرها على سمعة إيران في وقت تعاني فيه من "أقصى درجات الضغط الدولي" خاصة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كان قد انسحب من الاتفاق النووي الإيراني وفرض عليها عقوبات.
من جانبه عبر الدبلوماسي الإيراني السابق حسين موسويان، الذي شغل منصب سفير إيران لدى ألمانيا بين 1990 و1997، عن صدمته إزاء هذه التصريحات، خاصة فيما يتعلق باغتيال فريدون فرخزاد في ميونيخ خلال التسعينيات. ومع ذلك، يواجه موسويان نفسه اتهامات بالتورط في حملة الاغتيالات الإيرانية في أوروبا، بما في ذلك اغتيال أربعة قادة أكراد في مطعم "ميكونوس" ببرلين عام 1992، وهي الجريمة التي أدت إلى أزمة دبلوماسية كبرى بين إيران وأوروبا.
من جانبه نفى مكتب الجنرال الإيراني محسن رفيق دوست صحة التصريحات التي نُسبت إليه في برنامج "التاريخ الشفوي"، الذي بثته الوكالة الناطقة بالفارسية، مؤكداً أن كلماته تعرضت لـ"تحريف متعمد" من قبل وسائل إعلام معادية في الخارج وجهات محلية ذات دوافع سياسية.
وأوضح البيان، الصادر، أن بعض الجهات الإعلامية قامت بـ"اجتزاء أجزاء من المقابلة"، ما أدى إلى نشر مزاعم غير صحيحة حول تورطه والنظام الإيراني في عمليات اغتيال. وأضاف المكتب أن "هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة وتم نفيها بشكل قاطع".
وأشار البيان إلى أن رفيق دوست قد يكون أخطأ في تذكر بعض الأسماء والأحداث، مؤكداً أن تصريحاته لا ينبغي اعتبارها "مرجعًا موثوقًا من الناحية القانونية أو التاريخية". كما شدد على أن فريدون فرخزاد "لا علاقة له بفترة تولي رفيق دوست قيادة الحرس الثوري".
فيديو قد يعجبك: