إعلان

"تٌربي'' يكشف خبايا من المقابر.. أعمال سحر وأكياس دم وثعابين - صور

04:39 م الثلاثاء 22 نوفمبر 2016

الشرقية – فاطمة الديب:
 
مكان موحش، أجواء مخيفة، مبان قصيرة تتخللها شوارع ضيقة، عيون مفتوحة وعيون مغلقة، هنا تجد النهاية، هنا تسكن الأجساد بلا أرواح، أشخاص غيبهم الموت وفارقوا الدنيا، تجده يتجول  بين شواهد القبور، يلف رأسه بعمامة بيضاء، ويرتدي جلباب أسود، الحاج حسين أبو قاعود "التربي"، اقتربنا منه، رحب بنا، وبدأ يسرد تفاصيل لا يمكن أن يعرفها إلا من اقترب كثيرًا من الموتى واطلع على أسرارهم.
 
"ياااه.. عمر بحاله قضيته هنا، ستين سنة بالتمام والكمال بدفن الميتين وأخلي بالي منهم ومن تربهم"؛ بدأ حسين، حديثه لـ"مصراي"، مؤكدًا أنه طوال سنوات قربه من المدافن لم يعرف الخوف سوى أشهر قليلة؛ "كنت عيل وقت ما جيت هنا، كان عندي 8 سنين يوم ما أبويا الله يرحمه جابني أتعلم شغلانة جدودي، بصراحة كنت بخاف الأول إنما بعد كدا اتعودت وقلبي جمد".
 
ويضيف الحاج حسين، واصفًا القبر من الداخل: "التربة تساع بدل النفر ألفين، مساحتها متر ونصف، وكل ما عدد الموتى يزيد أفحت التراب وأنزل العظم القديم، ولما تتزحم زيادة عن اللازم أبلغ أصحابها يشوفوا تربة غيرها، على ما القديمة تقدم أكتر وندفن العظم القديم تاني..  بصراحة الأرض ياما بتاكل".
 
"يا ريتك قدمت شوية، كنت شوفتنا وإحنا بنوضب الترب ونلم العضم، كل كفن باللي فيه زي ما هو، الميتين بقالهم أكثر من أربعين سنة زي ما دفنتهم، لا حد اتحرك ولا في شكوى من الزحام"، يتابع حديثه، موضحًا أن كل مدفن مفتاحه مع أحد أقارب موتاه، والذي يأتي إليه كلما توفي فرد جديد في العائلة، فيقوم "التربي" بتجهيز القبر لاستقبال الجثمان، حيث يجمع الأكفان الموجودة بعظامها في الجانب الأيسر من القبر ويترك الجانب الآخر خاليًا لدفن الضيف الجديد تجاه القبلة.
 
أوقات الجنازة تختلف من ميت لآخر، فقد تكون نهارًا كالمعتاد، وأحيانًا تصل إلى الثانية صباحًا ووقت الفجر؛ إذا كان المرحوم متوفيًا في حادث، يشير الحاج حسين، إلى أن هناك أوقاتًا غير مسموح فيها بتواجد الزائرين بمنطقة المقابر: "اللي عاوز يزور لازم يتعلم آداب الزيارة؛ أنتم السابقون ونحن اللاحقون ويقرأ الفاتحة ويتكل على الله، طبعًا الكلام دا من الصبح لوقت الظهيرة، وبعد كدا اللي بيدخل هنا بيتأذي جدًا، وياما ناس غلطوا وزاروا في الوقت الغلط لكنهم أخذوا جزاء غلطهم.. ربنا يلطف بهم".
 
زمان كانت الدنيا غير الدنيا، التربة كانت بالطين وبابها مبني، كنا بنشيل الباب طوبة طوبة وندفن، وبعدين نبني الباب من جديد، يستطرد: "بصراحة كان بيطلع عينينا كل ما نييجي ندفن ميت جديد، وكنت أجيب الفأس والـ"شُقرُف" وأدخل أفحت التربة لأجل ما أطلع الحلفا اللي كانت بتنبت جوا القبر، قبل ما تبهدل الجثث".
 
يقول الحاج حسين، إنه طوال مدة عمله بالمقابر، رأى غرائب وعجائب؛ فكثيرًا ما كان يجد باب أحد القبور مفتوحًا، فكان يغلقه ولا يُعقب، كما كان يجد ثعابين كبيرة ويقتلها، بالإضافة إلى أم الحسين (أنثى الثعلب)، والتي كانت تنبش القبر بحثًا عن الجثث، منوهًا بأنه كثيرًا ما عثر على أعمال دجل وشعوذة بالقرب من المدافن، بعضها في حجاب، وأحيانًا اكياس دم معلقة بجوار القبر؛ "لما كنت بلاقي حاجة زي كدا كنت أحطها في مياه بملح وأفك العمل".
 
وعن طريقة الدفن، يوضح التربي، أنه يقوم بعمل حفرة على مقاس الميت، وبعد دفنه يقوم بتغطية نصفه الأسفل بالتراب، ولا يكشف وجهه؛ "كنا بنكشف وجه الميت قبل كدا، لكن دلوقتي المشايخ قالوا عادي ممكن نسيب الوجه زي ما هو بس نهوي الرباط حواليه حبتين"، لافتًا إلى أن القبر لا يمكن أن يستقبل جثمان جديد قبل مرور أربعين يومًا على الأقل عن المرة السابقة؛ "بعد الدفن بثلاثة أيام الجثة بتفتح، وممنوع أدخل علشان الطاعون، ولما بفتح القبر بعد كدا لازم أسيبه يتهوى ربع ساعة على الأقل؛ رائحة الميت شينة، لا مؤاخذة الحمار لما يموت ويتحلل ممكن تشم ريحته، إنما البني آدم ريحته صعبة ومحدش يستحملها".
 
وفجأة يتحول وجه الرجل إلى أقسى درجات الحزن، "دفنت ناس كتير أوي، مفرقش معايا قريب من غريب، بس مكنتش أتوقع أدفن حد عزيز عليا؛ بإيدي قفلت باب التربة على جثة السيد أفندي أبو العمدة، اللي كان صاحبي وأكثر من أخ، وبعده بكام يوم جه معاد العمدة نبيل غالي، ومن وقتها عايش ومش عارف لما أموت مين هيدفنني ومين هيفك الكفن".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان