"البقرة المبروكة".. صاحبها يخفيها عن العيون.. وبيطري: حليبها فيه سمٌ قاتل
الغربية - مروة شاهين :
"بقرة تشفي العليل، وتداوي المريض، اشرب حليبها تشفيك من الوجع وتمنع عنك الألم والمرض".. هكذا ردد بعض أهالي عزبة مصطفى درويش، التابعة لقرية الشهيدي بالقرب من مدينة المحلة الكبرى.
أساطير الحقول
تقع العزبة على بُعد حوالي 25 كيلو مترًا من مدينة المحلة، وسط الدلتا، بين الحقول والمزارع والترع، هناك تقبع "البقرة المبروكة" التي أحدثت حالة من الجدل امتدت إلى المدينة الكبرى، بعد أن زعم صاحبها أن حليب بقرته يشفي من الأمراض المزمنة، وعلى رأسها السكر.
ذهب "مصراوي" إلى هناك للكشف عن الحقيقة، بين أساطير الحقول وضباب العقول، وكأن "أبو رجل مسلوخة" و"أمنا الغولة" كانا في حاجة إلى استكمال المشوار بالبقرة المبروكة، هكذا اعتادت حقولنا على خلق الأساطير وتصديقها.
البقرة المبروكة الخفية
كانت مجرد رؤية "البقرة" أمرًا صعبًا، خاصة بعد أن أخفاها صاحبها محمد جلال (فلّاح) عن العيون، خوفًا على بركتها من الزوال، كما زعم.
خمّن السائق بمجرد السؤال عن بيت "جلال" أننا نقصد "البقرة المبروكة"، الكل هنا بعزبة "درويش" يعرف أسطورة البقرة، وأن حليبها يشفي، الكثيرون آمنوا بذلك وانتهى الأمر، حتى لو لم يجرّبوه.
وأوضح أنه لا يكشف عن البقرة لأحد، فيضعها داخل منزله، ولا يُخرجها منه أبدًا، ويطعمها وينظفها ويحلبها بنفسه يوميًا، معللًا ذلك بأنها "مبروكة"، قائلاً "لما دخَّلت عليها أحدهم ليرى لبنها، ضربت اللبن برجلها لمدة يومين، وكانت زعلانة، ومتعصبة وهائجة، فمنعت عنها الزيارات، ويكفي أن أحلبها لتكون سببًا في شفاء المرضى".
أما صاحب البقرة فرفض في البداية مُجرّد الحديث إلينا، خشية أن تنزل عليه اللعنة، أو أن تزول البركة عن البقرة، رجل عادي لا يبدو مختلفًا عن أهالي القرية، فهو واحد من هؤلاء الذين تربوا على حكايات "أبو رجل مسلوخة" و"أمنا الغولة" وغيرها من الأساطير، ولمَ لا؟
قصة البقرة
وأخيرًا انساب لسانه بالكلام، فقال إنه اشترى البقرة منذ ثلاثة شهور، من أحد أسواق الماشية، مع بقرة أخرى، وبعد فترة من شرائها وجدها تدر لبنًا بكمية قليلة في غير موعده، إذ لم تكن "عُشرًا" حتى تدرّ اللبن، وقام بإبلاغ طبيب بيطري من سكان القرية، فأكد له أن حليبها توجد به مواد تشفي من الأمراض المزمنة، وهي ظاهرة غريبة لم يشاهدها من قبل.
يُحدد "جلال" مواعيد ثابتة لحجز الحليب الشافي، وتوزيعه مجانًا للزوّار والمريدين، تبدأ مواعيده من السابعة، وحتى الثامنة صباحًا، ومن الثالثة عصرًا حتى أذان المغرب –حسب زعمه -.
وأشار صاحب البقرة إلى أنه أعطى الحليب لأصحاب أمراض السُّكّر والكُلى المحيطين به، فأكدوا أنهم يُشفون عليه، ولا يحتاجون إلى أدوية عند أخذ جرعة من الحليب، قائلاً "أنا لا آخذ من أحد أموالًا أنا واهبها للمرضى المحتاجين، ولا أنصب على أحد، أي أحد يأتي طالبًا العلاج أسجل اسمه وأعطيه جرعة من اللبن بالدور".
وأضاف "جلال" أن البقرة تُدرّ كل يوم مرتين، ولا تتجاوز الكمية في كل مرة نصف الكيلو، أقوم بتقسيمه على الزبائن في أكياس صغيرة جرعات أحددها بكوب صغير حتى يكفي، مؤكدًا أنه يتوافد عليها مرضى من محافظات عديدة لأخذ جرعات من اللبن.
مريدو البقرة
من جهة أخرى، قالت إحدى مريدي "البقرة المبروكة" – رافضة ذكر اسمها – إنها سمعت عن بركة الحليب من جيرانها بعد أن جربوه، فجاءت لأخذ جرعة، لعله يشفيها من مرض السكر، مشيرة إلى أنها لم تدفع لصاحب البقرة أية أموال، كما رفضت تصوير الحليب، اعتقادًا أن التصوير قد يُبطل مفعول البركة كما قال صاحبها.
بينما أشار مريد آخر، إلى أن عشرات الأهالي من خارج القرية يتوافدون على البقرة يوميًا، لنيل البركة، خاصة يوم الجمعة، إذ يشهد الطريق زحامًا من طالبي الحليب، ومن يحصل على جرعة يؤكد أنها أغنته عن الدواء.
العلم يرفض الأسطورة.. والحليب فيه سمٌ قاتل
من جانبه، أكد الدكتور حاتم أنور، مدير الطب البيطري بالغربية، أنه لم توجد بمديرية الطب البيطري، معلومات عن هذه البقرة، ولم تُجري عليها أي كشف أو أبحاث، موضحًا أنه سوف يُشكل لجنة للكشف الطبي عليها وتحليل لبنها، للتأكّد من صحة كلام صاحبها.
ولفت "أنور" إلى أنه لا توجد بقرة تُدر لبنًا دون أن تلد، وإذا حدث بالفعل فيجب تحليله أولًا، فمن الممكن أن يكون هناك تغير في الهرمونات، ما يُشكل خطورة كبيرة على من يتناول هذا الحليب، فهو سمٌ قاتل، إذ سيتسبب لمن يتناوله في أمراض كثيرة مثل السُّل والحمى.
وهكذا بقي حليب "البقرة المبروكة" متأرجحًا بين الحقيقة والأسطورة، بين ادعاءات صاحبها ومريديها، وبين الحديث العلمي البيطري، فهل تظل بعض عقولنا كبعض حقولنا، خاوية في انتظار من يزرعها بالأساطير والأوهام؟
فيديو قد يعجبك: