لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"مصراوي" في منزل أمل دنقل "شاعر الرفض".. الذي تمرد على السلطان ومات بالسرطان

06:32 م الخميس 18 مايو 2017

قنا – عبد الرحمن القرشي:

مع منتصف شهر مايو من كل عام، يحتفل الأدباء والشعراء بذكرى رحيل شاعر تفرّد بموهبته وفنه، فهو أول من قال "لا في وجه من قالوا نعم"، وهو أول من تنبأ في أشهر قصائده بحال العرب اليوم عبر قصيدته الشهيرة: "لا تصالح ولو منحوك الذهب"، وهو الشاعر الفريد الذي "تحدث في كل شيء نحن نفكر فيه سرًّا"..

إنه الجنوبي "أمل دنقل" أمير شعراء الرفض العربي، ابن محافظة قنا بمركز قفط بقرية القلعة.

وُلِدَ محمد أمل فهيم محارب دنقل عام 1940م، لوالد من علماء الأزهر الشريف بصعيد مصر، وأطلق الوالد على ولده هذا الاسم "أمل"، الذي تشتهر به الإناث، لأنه في عام ولادته نال الأب الإجازة العالمية، فسماه بذلك تيمنًا بالنجاح والتفوق الذي حققه.

وتلقن الطفل "أمل" من والده فنون الأدب والشعر واللغة، وسرعان ما توفي والده وهو في العاشرة، وأصبح الطفل الصغير مسئولاً عن سائر أفراد أسرته، حتى كبروا جميعًا، وحينها قرر "أمل" الرحيل للقاهرة عاصمة الأدباء والشعراء.

ورث عن والده موهبة الشعر، فقد كان يكتب الشعر العمودي "الموزون"، وكان يمتلك مكتبة ضخمة تضم كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي؛ ما كان له كبير الأثر في تكوين اللبنة الأولى لهذا الأديب.

ولا ننسى أن فقدانه لوالده في هذه السن أثر عليه كثيرًا وأكسبه نبرة من الحزن نجدها في كل أشعاره.

وشيئًا فشيئًا نال مكانة كبيرة في الأوساط الأدبية بالقاهرة عبر الأمسيات والملتقيات الشعرية، وصدرت له 6 مجموعات شعرية، كان يحظر بيع أغلبها من قِبل الرقابة خلال حياته، ومع ذلك اشتهرت وصارت الأكثر ترددًا على لسان القارئ العربي، ومن أشهر تلك القائد: "لا تصالح – كلمات اسبارتاكوس الأخيرة – الكعكة الحجرية – الجنوبي".

وعكس سائر معظم شعراء عصره، آثر أمل دنقل اختيار موقعه منذ اللحظة الأولى على يسار السلطة‏، فصار يلقّب بشاعر الرفض، رفض الظلم والديكتاتورية ونفاق المجتمع‏، رفض الهزيمة، رفض الصلح.

تزوج "أمل" من الكاتبة الصحفية عبلة الرويني، ولم ينجب منها، وسرعان ما أصيب بمرض السرطان، عانى خلاله حوالي 3 سنوات، وتتضح ملامح هذا الصراع بديوان: "أوراق الغرفة رقم 8"، في وصف الموت إلى أن توفي بتاريخ 21 مايو من عام 1983.

وذهبت عدسة "مصراوي" لمسقط رأس شاعر الرفض العربي، حيث قرية القلعة بمركز قفط بجنوب محافظة قنا، لإلقاء الضوء على جزء من مسيرته الأدبية والإنسانية بذكرى رحيله الرابعة والثلاثين.

وكان في استقبالنا "أنس دنقل"، الشقيق الأصغر للشاعر الراحل، وذهبنا برفقته سويًّا لقبر الشاعر أمل دنقل لقراءة الفاتحة، وبعدها تحدث لنا أنس دنقل عن إهمال الدولة لتراث الشاعر، فما زالت محافظة قنا لا يحمل شارع واحد بها اسم "أمل دنقل"، صاحب الشهرة العالمية، الذي تُرجم شعره لمختلف لغات العالم، وما زال يتغنى به كافة فئات العالم العربي.

وأخرج لنا "أنس"، مسرحية شعرية مخطوطة بخط يد "أمل" بعنوان "الخطأ"، لم تُنشر إلى الآن ولم تر النور، رغم كثرة وعود وزارة الثقافة بنشرها، وأضاف شقيق الشاعر الراحل، أن التكريم الحقيقي الذي حصل عليه "أمل" هو حب واهتمام جماهير العالم العربي كله.

وحين سألنا عن أي أعمال درامية عُرضت على عائلة الشاعر أمل دنقل، أجاب "أنس": تلقينا عرضًا واحدًا من منتج سوري قُبيل الثورة السورية، وبعدها انقطع التواصل معه وتجمد مشروع صناعة عمل درامي يجسّد شخصية أمل دنقل كإنسان وشاعر جنوبي للأبد، مع غياب طرح الفكرة من قبل القائمين على الدراما المصرية.

وحول "أمل دنقل"، الأخ والإنسان والصديق، قال شقيقه: "أمل كان هادئًا جدًّا سرعان ما يتعاطف مع من حوله، وثائر جدًّا بنفس الوقت حينما يُجرح كبرياؤه أو كبرياء من حوله، وكان بمثابة الوالد الحقيقي للأسرة عقب وفاة الوالد، وكصديق كان وفيًّا لكل من حوله، بل كان يكثر من ذكرهم كرموز في شعره كما هو مذكور في قصيدة الجنوبي الشهيرة".

واصطحبنا "أنس" للمنزل الذي نشأ به "أمل"، والذي أصبح مهجورًا خاويًا رغم كثرة الوعود الزائفة، على حد تعبيره، بتحويل هذا المنزل لمتحف للشاعر، فهو ليس أقل من رفيقه عبد الرحمن الأبنودي الذي أنشأت له الدولة متحفًا للسيرة الهلالية.

من جانبه، قال الدكتور محمد أبو الفضل بدران، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة سابقًا لـ"مصراوي": "إن عبقرية أمل دنقل الشعرية أذهلت جميع الأدباء والشعراء والنقاد، فهو شاعر النبوءة بامتياز، ومتن قصائده تشعر بأنه كُتب اليوم وليس منذ أكثر من 34 عامًا".

وعن تراثه الذي لم ينشر، والمتمثل في مسرحيتين شعريتين، إحداهما بحوزة شقيقه، والأخرى مع أرملة الشاعر "عبلة الرويني"، طالب بضرورة خروج هاتين المسرحيتين للنور، لأن تراث شاعر بحجم أمل دنقل من المحزن جدًّا أن يظل حبيسًا في دولة مثل مصر.

ووافقه الرأي الدكتور محمد محسن، المتخصص بالأدب والنقد بكلية الآداب بجامعة قنا، الذي أكد أنه من العار ألا يعرف شباب هذا الجيل "أمل دنقل"، مبديًا استياءه الشديد كون العديد من الشباب يظنون أن "أمل دنقل" اسم لشاعرة وليس شاعر، وأن محافظة بحجم قنا ينبغي أن تُخلّد اسم الشاعر بشوارعها وميادينها ومكتباتها؛ لأنه كان قامة أدبية وشعرية نادرة لم تتكرر كثيرًا في تاريخ الأدب العربي.

من جهته، لفت عبد الحكيم القاضي، أحد الرموز الثقافية بمحافظة قنا، إلى أن "أمل دنقل" يُعدّ، بلا أدنى شك، رمزًا لكل الرافضين للانكسار والهزيمة، مضيفًا أن ديوانه "أوراق الغرفة رقم 8"، جسّد صراعه مع مرض السرطان، وقدّم خلاله خير وصف للموت بشجاعة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان