إعلان

خلص الكلام.. حكاية أول مقهى من نوعه في المنيا (فيديو وصور)

11:55 م الإثنين 31 يوليو 2017

المنيا ـ ريمون الراوي:

يقال إنك إذا اتهمت سمكة بالفشل لأنها لم تتسلق شجرة، فأنت تقتل موهبة السباحة لديها. هذا القول أدحضه أصدقاء أربعة من مدينة ملوي في محافظة المنيا، حُرموا نعمة السمع والكلام، لكنهم أثبتوا أن "السمكة" لا يمكنها تسلق الأشجار فقط، وإنما أيضًا زرعها بأمل تحدى ظروف الإعاقة وقلة ذات اليد.

محمود، وعلاء، وسعد، ووليد؛ أربعة أصدقاء من المصنفين بدنيًا صمًا بكمًا، اشتهروا بين أهالي مدينتهم ملوي في المنيا، بأنهم أصحاب أصغر وأشهر مقهى في عروس الصعيد، تعدى إمكاناته كونه "كشكًا بسيطًا"، إلى ناديًا اجتماعيًا للصم والبكم، نجح في اجتذاب أسوياء البدن جنبًا إلى جنب مع متحدي الإعاقة، الجالسين على كراسيهم الخشبية المتواضعة، متبحرين في معاني بالإشارة تتلقفها العيون وتترجمها الأفئدة، وسط اتفاق من الجميع على أن الحاجة أم الإبداع وأن الإصرار أبو الأمل.

مستعينين بأحد خبراء لغة الإشارة، التقينا وليد حمد الله، أحد الأربعة أصحاب مقهى الصم والبكم في ملوي، والذي حكى لنا كيف فكر وأصدقاؤه في خوض مجال لطالما عُرف بأجوائه الصاخبة وعامليه دائمي الصياح.

"ذقنا الأمرين بحثًا عن فرصة عمل كريم تحقق لكل منا كفافًا يمكنه من بناء أسرة لا يشقى صغارها"؛ يقول "حمدالله"، ويضيف: "جمعنا من المال اليسير الذي مكننا من بناء هذا الكشك وتزويده بالمشروبات وبعض أدوات تدخين الشيشة، وفخورون بأننا انتصرنا على الظروف ولا نبسط أيادينا تسولاً لأحد بل نأكل مما نصنع".

زميله "علاء مصطفى" يحكي أيضًا كيف أن أسرته الصغيرة وطفلته التي تبدأ الشهر المقبل تلقي التعليم في مرحلة رياض الأطفال، كانا الدافع وراء خوضه تجربة العمل "قهوجي"، متمنيًا أن يراها فخورة بأبيها الذي تحدي مصاعب الإعاقة والظروف المحيطة ونجح فيما لم ينجح فيه الكثير من الأسوياء.

أما محمود جميل، البطل الثالث في هذه الحكاية، فيتفاخر بأنه رغم كونه متحدي إعاقة استطاع تكوين أسرة ورعاية ثلاثة أطفال، مضيفًا: "علمنا زبائننا لغة الإشارة، وكسبنا بصدق حب الناس وثقتهم"، فيما تمنى أن تساهم الأجهزة الرسمية في تقنين وضع مقهاهم ليواصلوا كفاحهم في رعاية أسرهم.

ويقول أحمد محمد، أحد العاملين بالمقهي، إنه بحث بكل طاقته عن عمل في الصعيد والقاهرة ولم ينجح، مضيفًا أن هذا المقهى مثّل له ضالته التي وجدها رفقة زملائه الذين قبلوه بينهم منذ العام 2010، فيما طالب الدولة بتوفير مشاريع وفرص عمل للصم تمكنهم من مواجهة الغلاء والعيش الكريم.

ويؤكد رواد المقهى على أن الشباب الأربعة يلقون الاحترام والتقدير ليس فقط بين زبائنهم وإنما من سلطات الأمن أيضًا، مشيرين إلى المعاملة التي يخص بها العاملين في الشرطة بمدينة ملوي هؤلاء الشباب الذين تأكدت أمانتهم ونزاهتهم وتجنبهم المخالفات التي تتورط فيها بعض المقاهي العادية.

ويقول أشرف جمعة، أحد رواد المقهى، إن مؤسسي المقهى الأربعة يمثلون نموذجًا يحتذى به في تحدي الصعاب، يجب أن تتبناه الدولة وتذلل أمامه العراقيل، خاصة وأنهم تقدموا بعدة طلبات لتقنين وضع المقهى، الذي يقوم على أرض فضاء تقابل محطة سكك حديد مدينة ملوي.

ويتفق معه الحاج مختار، الذي اعتاد ارتياد هذا المقهي مستمتعًا بالجلوس على كراسيه الخشبية البسيطة في العراء، ويقول إن حضوره إلى مثل هذا المكان لهدفين؛ أولهما التمتع بالخدمة الجادة والالتزام والأمانة في الحساب، وثانيهما المساندة الإنسانية والتشجيعية لهؤلاء الشباب، مضيفًا: "هما عملوا اللي عليهم واشتغلوا فيجب أن يعاونهم أحد".

وعن التعامل مع الطبيعة الخاصة للقائمين على المقهى، يقول محمود عبد الله، سائق: "التعامل معهم سهل يحتاج مفردات حركية محدودة بلغة الإشارة، فمشروب الينسون له إشارة تجاه الحلق، ومشروب الحلبة إشارته تمرير لليد فوق البطن"، ويضيف: "أهم ما في الأمر أن أصحاب هذا المقهى لا يتجاوزون بحق الزبائن ويهتمون بتلبية رغباتهم ويستجيبون للملاحظات.. كلما جلست أمامهم أظل مبهورًا بنشاطهم وإصرارهم، وأقول للمتعطلين: اعمل واجتهد فسيوفقك المولى، وها قد رأينا البكم اختاروا مهنة مؤهلاتها السمع والكلام ونجحوا فيها، فما عذر غيرهم في عدم المحاولة أو التراخي؟!".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان