إعلان

"عبدالناصر" شاركهم الحلم ووفاته أوقفت البناء.. حكايات يرويها بناة السد العالي - صور

12:01 م السبت 20 يناير 2018

أسوان- إيهاب عمران:

الحكاية مش حكاية السد.. حكاية الكفاح اللي ورا السد حكايتنا إحنا.. حكاية شعب.. شعب للزحف المقدس قام وثار.. شعب كافح وانكتب له الانتصار تسمعوا الحكاية..

للحكاية أبطال سطّروا بعرقهم وكفاحهم وأرواح الشهداء منهم أعظم ملحمة للبناء والتعمير، فشيدوا أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين، مشروع السد العالي، والذي بدأ العمل في بنائه 9 يناير 1960، ليكتمل البناء في 15 يناير 1971.

التقى "مصراوي" بعدد من أبطال الحكاية، الذين قصوا حكايتهم مع "السد"، وما لاقوه من عناء وكفاح، وأحلامهم التي ظلت تراودهم طيلة إحدى عشر عامًا، هي عُمر بناء الحلم الذي تحقق بسواعدهم مجسدين إرادة الشعب المصري.

حياة أو موت

"كنّا نعمل بالليل والنهار في ظروف صعبة، لكن السد كان بالنسبة لنا مشروع حياة أو موت".. بهذه الكلمات بدأ عم سيد رضوان محمد، حديثه لـ"مصراوي" عن فترة بناء السد العالي، ورغم إرهاقه وتعبه لكبر سنّه، استقبلنا ببشاشة وسعادة عندما علم أننا نريد توثيق رحلة عمله وخبرته، وذكرياته عن السد العالي للأجيال القادمة.

قال عم سيد أنا من مواليد 1931، والتحقتُ بالعمل بالسد العالي في بداية انطلاق المشروع عام 1960، وكُنت أعمل ميكانيكي ديزل، وكنت أتقاضى 30 قرشًا في اليوم، يعني 9 جنيهات في الشهر، وكان هذا المبلغ وقتها ثروة كبيرة، استطعت الادخار منه، وتأسيس منزل، وتزوجت عام 1964، ورزقت بخمسة بنات، وأربع أولاد، 4 منهم حصلوا على شهادات عليا، واثنين فوق المتوسط، و3 تعليم متوسط.

تضحيات

وعن ذكرياته مع "السد" قال "كنّا نواصل الليل بالنهار، والعمل لا يتوقف أبدًا رغم صعوبة الظروف التي كنا نعمل بها، شاهدنا الموت أكثر من مرة، وسقط منّا مئات الشهداء، لا أستطيع أن أنسى مشهد وفاة أكثر من 100 عامل انهارت عليهم الصخور أثناء تفجير بموقع العمل، ورغم ذلك واصلنا الطريق، حتى أنجزنا المشروع وبنينا السد العالي على أكمل وجه".

وفاة الرئيس توقف البناء

"كله يهون فداء للوطن الذي كنا نشعر أننا نشارك في بنائه، خلف قيادة زعيم وقائد عظيم كجمال عبدالناصر، كانت أشد اللحظات قساوة لحظة وفاته، كنا على استعداد للتضحية بحياتنا من أجله، فكان لنا كالأب، خرجنا جميعًا رجالًا ونساءً نصرخ ونبكي، وتوقف العمل في السد نهائيًا لأول مرّة على مدار 10 سنوات".

وأسهب العم سيد "كرّمني الزعيم عبدالناصر شخصيًا، ومنحني ميدالية السد العالي، كما كرّمني الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ومنحني نوط الامتياز من الطبقة الثالثة في 15 يناير 1971 بمناسبة انتهاء العمل بمشروع السد العالي".

هنا تدخلت السيدة بسيمة حامد توفيق، زوجة عم سيد، قائلة إن مشروع السد العالي كان "وش الخير" علينا، فلا أنسى عند ولادتي لابنتي الثالثة 1971، كان الرئيس السادات يتفقد المشروع وأعطانا 2 جنيه ذهب.

معالم تتشكّل

"رأيت السد يعلو فوق الأرض، شاركتُ منذ اللحظات الأولى للعمل، لم تكن هناك معالم تُذكر للسد، وشاهدت معالمه تتشكّل أمام عيني، حتى افتتاحه".. هكذا بدأ "بلال محمد" استعراض تجربته مع "السد العالي".

موضًحا "عملت في البرادة، وفي صيانة ماكينات التخريم، وكانت البداية عندما التحقت بالعمل بعد حصولي على دبلوم الصنايع، وبدأت العمل في مجال البرادة، ثم في مجال صيانة ماكينات التخريم، وكُنّا نستقل اللنشات النهرية، ونقوم بصيانة ماكينات الجس وسط مجرى النيل".

ليست الماكينات فقط.. عم "بلال" يتعلم "الروسية"

واستطرد " كما اشتغلنا في ماكينات الحفر الأورال التي كان يعمل عليها الروس فقط في البداية، ثم طلبوا منّا العمل عليها، وعلمونا كيفية التعامل معها، وكانت تقوم هذه الماكينات بحفر خروم تصل أعماقها لـ 18مترًا في قُطر أكثر من 15 سنتيمتر، وتحفر حفرًا سريعة، واستطعت في تلك الفترة تعلّم اللغة الروسية، وكنت أحتفظ بأجندة صغيرة، وأدوّن فيها الكلمات الروسية مثل أسماء المعدات، والمركبات، والكلمات المتداولة في العمل، وأحفظها لكي أستطيع التعامل مع العمال والمشرفين والمهندسين الروس".

وقصّ موقفًا من ذكرياته مع المشرف الروسي، الذي أشاد به لاجتيازه اختبارات العمل على ماكينة التخريم، وأعجب به لتعلمه الروسية بسرعة كبيرة.

العمّال يحملون الرئيس عبدالناصر بسيارته

لكن ما كان حقًا عصيًا على النسيان، رؤيته للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أثناء تفقده ذات مرة لموقع العمل بالسد العالي، بعد أن غرزت سيارته المكشوفة في الموقع، فهرع العمّال، وحملوا الرئيس بالسيارة.

"نجوت من الموت مرتين وقفزت في النيل لأُسلّم على الرئيس عبدالناصر، وعزمني على العشاء".. هكذا عبّر المهدي شاكر، عن فخره وسعادته بلقاء الزعيم الخالد.

العمل على الكرّاكات الروسية العملاقة

التحق "المهدي" بالعمل بعد شهور قليلة من تخرجه في المدرسة الثانوية الصناعية بأسوان، وكانت له قصص وذكريات مع السد.

قال "شاكر" "كنت أوّل مصري يعمل على كرّاكة روسيّة، فكان العمل عليها في البداية مقتصرًا على الروس فقط، وكانت كرّاكة عملاقة تعمل بواسطة 5 مولدات كهرباء بقدرة 6 آلاف فولت، وكانت غالية الثمن، إذ وصل ثمنها ربع مليون جنيه مطلع الستينيات".

وأضاف أن المصريين عملوا على كافة المركبات والمعدات بالسد، وأثبتوا كفاءة كبيرة أبهرت الروس أنفسهم.

وأوضح "كنا نعمل في ظروف صعبة للغاية، لكننا كنّا نعمل بحب، ورغم أنني تعرضت للموت مرتين فإنني كنت أعود للعمل، وكأني ذاهب إلى فسحة مع خطيبتي".

ولفت "مهدي" إلى حصوله خلال فترة عمله بالسد العالي على 4 ميداليات، وأنه أهداها جميعًا لمتحف النيل، حيث تُعرض هناك ليراها زوّار المتحف، ويعرفوا تاريخ بناة السد العالي.

قفز في النيل فتلقى دعوة على العشاء من الزعيم عبدالناصر

يروي عامل الكرّاكة الروسية أن الرئيس جمال عبدالناصر لمحه ذات مرة أثناء تفقده لأعمال البناء، في احتفال تحويل مجرى النيل، وكان يعمل حينها على كرّاكة عملاقة، فأشار له الرئيس ومن فرحته بإشارة الرئيس قفز من الكراكة في مياه النيل، ثم خرج من المياه، ليُصافح الرئيس جمال عبدالناصر عن قرب، وكان حينها يستقل لنش نهري كبير، ودعاه على العشاء معه في الاحتفال الذي أقيم وقتها في صحاري، وأعطاه ميدالية من الطبقة الخامسة.

إنقاذ الذكريات وتوثيق التاريخ

من جهته قال محمد النوبي، سكرتير جمعية بناة السد العالي، إن دور الجمعية يتمثل في توثيق ذكريات المشاركين في إنشاء السد العالي، ونجحت في توثيق ذكريات ومشاهدات نحو 300 من المشاركين في بناء السد، بالصوت والصورة.

مشيرًا إلى أن أبطال السد العالي، ثروة هائلة تتعرض كل يوم للتناقص بسبب الوفاة، وهم كنز ثمين ينقل إلينا جزءًا مهمًا من تاريخ الوطن، وطالب بتبني مشروع توثيق مرحلة بناء السد العالي قبل وفاة باقي الأبطال.

ويظل السد العالي رمزًا للصمود، والعزّة المصرية، التي رفضت الانصياع للغرب، وشيدت السد بسواعد أبنائها، وحمى السد البلاد من أخطار الفيضان، ووفّر المياه لاستصلاح وزراعة ملايين الأفدنة، وتحوّل يوم افتتاحه في 15 يناير 1971 إلى عيدٍ قوميٍ لأسوان بل ولمصر كلها.

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان