حيوانات ضربها الجوع ومبنى متهالك.. الرفق بالحيوان بالبحيرة "عذاب لا رحمة"
البحيرة – أحمد نصرة:
بناء أرضي متهالك، نالت من أركانه عوامل التعرية، وتركت الرطوبة آثاراها على جدرانه فشكلت خطوطًا وانحناءات ثعبانية مرت بانسيابية بين بقع لا تزال محتفظة ببقايا طلاء فقد رونقه وبهائه، ولبنات طوب جردها الزمن من غطائها الإسمنتي.
أمام بوابة المبنى القائم بمنطقة عتيقة من مدينة دمنهور، تقف شجرة وحيدة معمرة أضافت بعدًا وشاهدا إضافيًا على قدم المكان، الذي أنشئ قبل نحو قرن من الزمان، على مسافة أمتار جلس كلبا مشرد مستلقيًا، بينما تعتلي قطة السور الخارجي، وكأن لسان حالهما يقول: "لو أن الأمور تسير كما ينبغي، لكان مكاننا الآن بالداخل في جمعية الرفق بالحيوان".
بمجرد الدخول من البوابة المتهالكة باغتني نباح كلب شديد الشراسة قفز محاولا الفتك بي، ولكن لحسن الحظ منعه القيد من نيل غرضه بفارق سنتيمترات معدودة، بالقرب منه كان يجلس "عم حسن" حارس الجمعية منهمكا في صنع الشاي على موقد صغير، أشار لي بالجلوس على مقعد خال بجواره قبل أن يستفسر عن غرضي من الزيارة، ربما كنت بالنسبة له كنزًا ثمينًا يقضي به على ملله في هذا المكان الخامل الخاوي من مظاهر الحركة والنشاط.
"الكلب ده وواحد تاني جوة أصحابهم كانوا بيثبتوا الناس وبيعاكسوا البنات بيهم، والحصان اللي هناك ممسوك مع أصحابه في قضية سرقة بلاعات من الشارع، أما الثلاث حمير دول اتمسكو مع جزارين كانوا عاوزين يذبحوهم"، يشرح عم حسن ملابسات وجود 6 حيوانات هم كل ما تحتويه الجمعية.
وأوضح الحارس: "حتى الثمانينات كانت تخرج لجنة من الجمعية تمر بأسواق الحيوانات خاصة الحمير والخيول، ولما تشوف حيوان مصاب كانت تتحفظ عليه وتنقله للمقر للعلاج، ولا يستلمه صاحبه قبل سداد نفقات علاجه، ولكن دلوقتي كل ده توقف، والجمعية كل دورها الاحتفاظ بالحيوانات الممسوكة على ذمة قضايا" يبتسم عم حسن وهو يستطرد مازحًا: "كل النزلاء عندنا أرباب سوابق".
بجولة بسيطة بالداخل يمكن تبين الحال البائس الذي وصل إليه المكان، مجموعة من الحظائر المتجاورة بلا أبواب وخالية من الحيوانات، جدرانها وأسقفها مليئة بالشقوق والتصدعات، أحواض طعام الحيوانات في وضع سيء، لافتة إرشادية يتيمة يعلوها التراب ومعلقة في وضع مقلوب ربما ظلت على حالها هذا لسنوات.
"مفيش فلوس خالص المكان حالته صعبة زي ما انت شايف ومفيش إمكانيات، بنجيب أكل الحيوانات بالعافية، أنا مرتبي هنا 200 جنيه مش بيكفوني أشرب شاي، والدكتور مش بياخد غير 150 جنيه، وزهق وعاوز يسيب المكان، مفيش أي موارد للجمعية غير المحلات الموجودة حول السور وكلها إيجار قديم، أعلى إيجار فيها 25 جنيه وبيغلبونا كل شهر على مايدفعوا" .
"بعد الثورة، استلمت كلب كانت النيابة متحفظة عليه في قضية، وصاحبه جه وعاوز ياخده بالعافية، فجاب أصحابه وبلطجية واقتحموا المكان، بس أنا والأهالي عرفنا نصدوهم، مهو الكلب ده عهدة من النيابة ولو راح هدخل في سين وجيم" يتحدث عم حسن عن أصعب المواقف التي قابلها خلال عمله بالمكان".
وعن أطرف المواقف التي مر بها يقول عم حسن: "مرة النيابة كانت عاوزة تسلمني ثعابين، مارضيتش استلمهم، هعمل بيهم إيه دول وأشيلهم فين وأوكلهم إيه، كفاية علينا الثعابين اللي سارحة في المبنى طبيعي".
ويتحدث الدكتور محمد المغربي الطبيب البيطري المشرف على المكان قائلًا: "الوضع هنا مأساوي بمعنى الكلمة، لا نجد ثمن أدوية لنعالج الحيوانات الموجودة التي أصبحت مليئة بالحشرات والأمراض، وحتى الطعام الذي يقدم لها غير كاف وأصيبت بالهزال، الجمعية مواردها شحيحة للغاية ونتمنى أن تضعها الأجهزة التنفيذية بالمحافظة تحت المنظار وتوفير الدعم المادي لها لاستعادة دورها الهام".
فيديو قد يعجبك: