إعلان

قصة الطفل "زياد".. باع الروبابيكيا صباحًا وغرق في الترعة هربًا من شمس أغسطس

07:04 م الإثنين 27 أغسطس 2018

صورة ارشيفية

المنيا – محمد المواجدي:

تندمل الجراح عبر الزمن لكن جراح الأبناء التي يخلفها فيهم الآباء قد لا تندمل أبدًا، ليس فقط لتركها علامات في سلوكهم، وحياتهم، ومستقبلهم، ولكن كذلك لأنها قد تودي بحياتهم، وهذا ما حدث لـ"زياد".

طفل لم يتعدى عامه الـ12، دفع فاتورة انفصال والديه غاليًا، فبدلًا من الاهتمام بدروسه ومدرسته، ولعبه، وزملائه، انصبت اهتمامات "زياد" على الكد والعمل من أجل لقمة العيش، التي بخل بها عليه والديه، فلم يأبها به، كأنه ابن خطيئة.

اتجه الولد الصغير البريء إلى تجارة "الروبابيكيا"، إذ كان يبحث بين عبوات المشروبات الغازية، والمخلفات البلاستيكية والمعدنية، وأكياس القمامة، عن قوت يومه، وربما كان ينظر إلى وجوه كلاب الشوارع باحثًا في عينيها عن الأمان الذي لم يمنحه له والديه.

يخرج "زياد" فجر كل يوم، يبحث عن "الروبابيكيا" التي لا ينتهي من جمعها قبل 10 ساعات عمل شاق، يواجه خلالها حر الصيف، وقيظ الشمس، وحشرات القمامة، وبلطجية الشوارع، وعوز التشرد، ونظرات الشفقة والعطف من بعض المارة، والاحتقار والاشمئزاز من آخرين.

طفل هو في أول الأمر وآخره، يريد أن يضحك أن يلعب أن يرسم على شفتيه ابتسامة ولو لم تستمر سوى لحظات خاطفة، يخطف فيها فرحته من براثن الحياة الطاحنة، بدلًا من الموت كمدًا، فكان يحاول انتزاع لحظات الفرح واللعب ولو بعبوة مشروب غازي ولو بأن يسبح في ترعة ويبلل نفسه بمائها الملوث، عساه يخفف شيئًا من جراحه.

كان اليوم ككل يوم، بزغ ضوء الفجر ففتح عينيه ليبدأ يومًا جديدًا من الكفاح، وخرج من منزله الكائن في عزبة أبوعياد، التابعة لقرية صفط الغربية، بمحافظة المنيا، لكنه كان يومًا طويلًا حارًا وشاقًا، وبعد 10 ساعات من العمل والتعب تحت شمس أغسطس الحارقة في عروس الصعيد، وأثناء مروره أمام ترعة قرية "طوة" التابعة لمركز المنيا، قرر الولد أن يسبح في الماء ليُطفأ قدرًا مما مسه من عذاب.

لم تمر دقائق، حتى انزلقت قدماه في العمق، فلم يستطع الطفل الصغير، السباحة، أو مجاراة التيار، فلقي مصرعه غرقًا في الترعة، دون منقذ.

أهالي القرية نجحوا في انتشال جثة الطفل، وأخطروا أجهزة الأمن بالواقعة، وانتقل فريق من وحدة مباحث المركز برئاسة المقدم أحمد صلاح، مفتش مباحث المركز، والرائد أحمد يسري، رئيس وحدة البحث في المركز، وتبين لهم مصرع زياد. م. خ. 12 سنة، ونقلته سيارة الإسعاف إلى مشرحة مستشفى المنيا العام تحت تصرف النيابة.

وأفادت تحريات أولية، أن الطفل الغريق يعمل في جمع "الروبابيكيا" من البلاستيك والزجاج والمعدن من أكياس الفضلات، وأكوام القمامة، وأن أبواه منفصلان، وقد توجه للاستحمام بالترعة، بعد مجهود مضني من العمل طوال 10 ساعات.

وأكد تقرير الدكتور هاني إسحق شحاتة، مفتش صحة بندر المنيا، أن سبب الوفاة إسفكسيا الغرق، وفشل حاد في التنفس، ولا توجد شبهة جنائية في الوفاة، وتحرر محضر بالواقعة، وتولت النيابة التحقيقات تحت إشراف المستشار أحمد العجوز، رئيس نيابة مركز المنيا، إلى هنا انتهت قصة "زياد"، فكم "زياد" ينتظره مصير مشابه؟

فيديو قد يعجبك: