لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"الغسلة الأخيرة".. تفاصيل آخر رحلة لمرضى الغسيل الكلوي بديرب نجم

04:32 م الأحد 16 سبتمبر 2018

كتب- أحمد شعبان ومحمود عبد الرحمن

كانت لحظة عصيبة، تلك التي مرت على "رضا عبدالمولى"، حين كانت والدته فردوس عبدالله ممدّدة على أحد الأسرّة، صباح أمس السبت بمستشفى ديرب نجم، تخرج منها خراطيم طبية خلال خضوعها لجلسة الغسيل الكلوي، وبعد دقائق قليلة، أصيبت بضيق في التنفّس وتوقّفت عضلة القلب، ليفقد الشاب أمّه في طرَفة عيْن، بعد أن لفظت أنفاسها الأخيرة.

كانت وزارة الصحة أعلنت أمس، وفاة 3 من مرضى، وإصابة 13 آخرين خلال إجراء جلسة غسيل كلوي، نتيجة تعطّل أجهزة الغسيل الكلوي في مستشفى ديرب نجم، فيما قررت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة، غلق قسم الغسيل الكلوي، بالمستشفى، وتحويل مدير ورئيس قسم الغسيل الكلوي للتحقيق.

قبل 7 سنوات، توفي والد "رضا"، بعدها بدأت رحلة والدته مع الفشل الكلوي، ألزمها بجلسات علاج أسبوعية، اعتاد أن يرافقها هو وزوجته 3 مرات أسبوعيًا إلى مستشفى ديرب نجم.

أمس، عند الرابعة والنصف فجرًا، تحرّك الشاب رفقة والدته وزوجته من قريتهم "منشية صهيرة" بمركز ديرب نجم، يقول "رضا" بلهجة مرتعشة وحزن شديد: "وصلنا المستشفى الساعة 5 وأول ما ركّبوا الخراطيم ولسه هيعلّقوا الإبر الحالات اتقلبت كلها وبدأوا يصرخوا".

يحمّل "رضا" مسؤولية ما حدث لوالدته وغيرها من المرضى لمسؤولي الصيانة في المستشفى، يوم الجمعة من كل أسبوع تجري صيانة أجهزة الغسيل الكلوي وتنظيف وتغيير الفلاتر في وحدة معالجة المياه بمركز الغسيل الكلوي، لتنقية المياه الآتية من الشبكة العمومية من جميع الشوائب، "هما علّقوا المرضى على الأجهزة بدري، قبل ما يجرّبوا الأجهزة بعد ما عملوا صيانة إمبارح، ومسؤول الصيانة لم يتصل بالدكتورة ليخبرها، لازم كان يشوفوا الأجهزة والخراطيم بتشتغل إزاي المفروض إنها بقالها كام سنة بتغسل مش جديدة يعني"، يضيف "رضا".

عند الثامنة صباحًا، قرر الرجل أن يعود بجثمان أمّه إلى قريتهم لتشييعها إلى مثواها الأخير، "خدناها ومشينا وناس قالتلنا استنوا اعملوا محضر عشان يجيب حقها، لكن مشيت إحنا مش عايزين منهم حاجة"، قبل أن يعود عند الحادية عشرة صباحًا، بعدما أرسل له مأمور المركز يستدعيه ليعود بأمه إلى المستشفى ليتم تشريحها، هى ومريضين آخرين فارقا الحياة هما "صبحي عبدالحي، وسلام محمد إبراهيم"، للتوقّف على أسباب الوفاة في محضر رسمي.

لنحو عشر ساعات كاملة، انتظر أهالي الضحايا الثلاث أمام مشرحة مستشفى ديرب نجم، نساء يتشحن بالسواد، عيونهن لا تتوقف عن البكاء، ورجال افترشوا الأرض، لم يحرّك "رضا" وأهالي الضحايا الثلاثة، نظرهم في اتجاه آخر غير باب المشرحة، آهات مكتومة ومشاعر حزن وألم تتدفق تجاه ذويهم بالداخل، وعند السابعة مساءً خرجت الجثامين بعد تصريح بدفنها، في انتظار ما سيُسفر عنه التحقيق.

خلال لحظات الانتظار التي تمرّ ثقيلة على الأهالي، جاءت وزيرة الصحة "معملتش حاجة، جت دقيقتين ومشيت علطول، ومحدش اتكلم معانا في أي حاجة، قالوا استنوا تقرير الطب الشرعي".

على مقربة من رضا، جلس"خالد" نجل صبحي عبدالحي، يتذكر ما حدث لوالده لحظة خضوعه لجلسة الغسيل الكلوي: "الأجهزة اشتغلت وبعد 10 دقايق بدأ حرقان في العين وكرْشة نفَسْ وضغط وفجأة اتوفى".

سأل عن السبب فأخبروه بأن مندوب الشركة المسؤولة عن الصيانة أتى أول أمس، الجمعة، لتركيب فلاتر جيدة، بدون أن يجري تجربة لماكينات الغسيل الكلوي بعد عملية الصيانة، كما أنه لم يخبر الطبيب المشرف على المرضى بذلك، ما تسبب في تسرب السموم إلى أجسام المرضى.

بلهجة غضب، ينتقد خالد وجود طبيبة واحدة فقط مع المرضى الموزعين على طابقين، ويبلغ عددهم 39 مريضًا "الساعة 5 بيبدأوا عملية الغسيل اللي بتستمر لأربع ساعات، فلو حصل أي حاجة، مش هيكون فيه أي دكتور موجود، بلاش الوفاة لكن فيه ناس بيحصلها أثناء الغسيل حالات إغماء فلازم يكون فيه دكاترة، الإهمال بقى يوصل للدرجة دي؟!".

يتابع: دخلوا والدي الرعاية المركزة بعد إصابته بإغماء في جلسة الغسيل، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة، "فطلّعوه سابوه في الطرقة على السرير لما مات، الدنيا كانت دربكة".

قبل 5 سنوات، بدأت رحلة الحاج عبدالحي، صاحب الـ75 عامًا مع مرض الفشل الكلوي، اعتاد أن يأتي رفقة نجله إلى مستشفى ديرب نجم عند الخامسة صباحًا، قاطعًا مسافة 20 كيلومترًا من قريته الصويني، لم يكن يعاني من أي أمراض أخرى "التقارير الشهرية بتاعته كانت كويّسة، وكان جاي النهاردة على أساس إن الأجهزة شغالة عادي، وهيغسل ويروّح، لكن أول ما دخل دخلت السموم في جسمه وحصل اللي حصل"، يقولها خالد بحزن.

على عكس رضا، لم يغادر خالد المستشفى، قبل أن يطلب تشريح الجثة وتحرير محضر بما حدث "قلت مش هروّح غير لما أعرف السبب وآخد حق والدي، وبلغت النجدة ووزارة الصحة".

في 5 مايو الماضي، افتتح المبنى الجديد لوحدة الغسيل الكلوي بمستشفى ديرب نجم، بحضور محافظ الشرقية السابق، اللواء خالد السعيد، "المبنى جديد لكن 95% من الأجهزة كانت في المبنى القديم، كان فيه 43 ماكينة غسيل كلوي، زوّدنا عليهم 5 جداد فقط"، وفق ما يقول لمصراوي، المهندس عبداللطيف عبدالخالق، المتبرع ببناء المبنى الجديد، صدقة على روح والده.

تخدم وحدة الغسيل الكلوي بالمستشفى 185 مريضًا، يأتون من حوالي 44 قرية، تستقبل في اليوم الواحد حوالي 91 مريضًا موزعين على ثلاث ورديات على مدار اليوم، يعالج فيها المواطنون بالمجان، بحسب عبداللطيف الذي يصف ما حدث بـ"الفاجعة"، مضيفًا: "حاجة تحزن وفي النهاية أكيد في إهمال سواء من ناحية الناس اللي عملت صيانة لوحدة المية أو غيرها، والنيابة هتكشف ده وأكيد اللي غلط هيتجازى، ونأمل من الله إنها متتكررش تاني".

بجوار المبنى الجديد للغسيل الكلوي، يقع المبنى القديم، حين فكّر عبداللطيف، قبل سنوات، في التبرع لوحدة غسيل الكلى سأل مديرها عن المشاكل التي تواجهه، أخبره بأن الوحدة تضطر لرفض بعض الحالات بسبب عدم وجود ماكينة غسيل إضافية لها، "قلتله نجبلك مكن فاضي قال معنديش مكان، قلتله طيب نبنيلك دور فوق المبنى القديم، جبنا لجنة فنية تكشف على المبنى لقيناه غير مؤهل ومتهالك، فكان الحل في بناء المبنى الجديد".

في انتظار الجثامين، حث خالد صبحي عبدالحي الأهالي على الإصرار على أخد حق المتضررين، وقال بأسى: "اللي بيغسل كلى زي واحد متعلّق في قشاية، تخيّل إن واحد بيغسل 3 مرات أسبوعيًا روحه متعلّقة في ده، بييجي يقعد يوصل الخراطيم والإبر على نياته، لازم نشوف المسؤولين هيعملوا إيه؟، مش بس عشان اللي اتوفوا لكن عشان اللي هييجوا يغسلوا بعد كده".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان