عمرها 325 سنة.. "مزولة" مسجد الجندي آخر الساعات الشمسية في البحيرة (صور)
البحيرة – أحمد نصرة:
مع التطور الحضاري للبشرية احتاج الإنسان إلى أدوات لمعرفة الوقت وقياسه فقسم البابليون اليوم إلى ساعات وابتكروا الساعة الشمسية قبل 4 آلاف عام، وعنهم أخذها العرب تحت اسم المزولة ووجدوا فيها فائدة لتحديد مواقيت الصلاة فأنشأوها بصحون المساجد.
والمزولة أداة توقيت نهاري، تتكون من عدة نقاط وخطوط، رسمت على لوح عريض، وفي وسطها عصا مستقيمة يتحدد الوقت من موضع وطول ظلها الناتج عن سقوط أشعة الشمس عليها في الأوقات المختلفة من النهار، ومع استحداث أدوات أكثر دقة للقياس قل الاعتماد على المزاول فأسقطها المعماريون من حساباتهم عند بناء المساجد، كما طال التجاهل والإهمال الموجود منها فتعرضت للاندثار إلا عدد قليل منها إحداها مزولة مسجد الجندي برشيد، الوحيدة بمحافظة البحيرة التي استطاعت الصمود والبقاء لتفلت من مصير نظيراتها.
يقول الخبير الأثري علي حميد: "يقع مسجد الجندي بشارع السوق العمومي وسط المدينة وينسب إنشائه إلى الأمير محمد الجندي محمد الربان عام 1133هـ - 1721م حسب التاريخ المدون على المدخل الشرقي للمسجد وقد أخذ بهذا التاريخ بعض الباحثين إلا أن البعض يؤكد أن هذا التاريخ ليس تاريخ بناء المسجد ولكنه تاريخ تجديده، إذ ذكر المسجد في عدة وثائق تعود إلى القرن 16م، ويتميز بأنه المسجد الوحيد في رشيد والبحيرة الذى يحتوى على مزولة بعد سقوط مزولة مسجد زغلول وتهدمها".
ويضيف حميد: "هذه المزولة مثبتة فوق أحد الأعمدة بالجانب الشمالي لصحن المسجد وهى عبارة عن لوح حجري مقسم إلى عدة أقسام مختلفة تمثل الساعات من الخامسة صباحا إلى السابعة مساء، وبها شاخص من حديد يحدد به الظل بحسب الشمس، وكانت توضع بمكان مكشوف بالمسجد، والجزء المتبقي منها هو نصفها السفلي، ويقسمه خط الزوال نصفين، فمن يساره ساعات ما قبل الزوال وعن يمينه ساعات ما بعد الزوال وهى مصنوعة من الحجر الجيري ومكتوبة بالخط الكوفي والكتابة عبارة عن حفر غائر وتحتوى على اسم الصانع وتاريخ الصنع، عمل رضوان سنة 1106 هجرية / 1694م".
ويذكر الدكتور عاصم محمد رزق في كتابه "معجم مصطلحات العمارة والفنون الإسلامية"، أن أقدم مزولة معروفة في مصر القديمة يرجع إلى العام 1500 قبل الميلاد، وكانت عبارة عن حجر منبسط عليه قضيب منكسر على هيئة ضلعي زاوية قائمة كان طول الظل عليها يقاس بواسطة تدرجات على جزئه الأكبر، ثم تطورت صناعة المزاول بتقدم علمي الرياضيات والفلك فصنع أحد الكهنة الكلدانيين مزولة نصف كروية بأعلاها عمود رأسي، ثم ازداد تصميم المزاول دقة في القرن الأول الميلادي وأصبح وضع القضيب أو الشاخص فيها موازيًا لمحور دوران الأرض فازدادت الصلة بين حركة الشمس واتجاه الظل".
وينقل رزق عن مصادره أنَّ الجامع الأزهر وحده كانت فيه سبع مزاول اندثرت ولم يبق منها غير مزولتين "من عمل أحمد باشا كور والي مصر العثماني سنة 1161هـ/1748م، إحداهما مهملة على السطح والأخرى على يمين الداخل من باب المزينين وعليها كتابة شعرية من ثلاثة أبيات نصها: "مزولة متقنة نظيرها لا يوجد.. راسمها حاسبها هو الوزيـر الأمجد.. تاريخها أتقنها وزيرُ مصرٍ أحمد".
ويذكر حميد، أن المسجد الغربي برشيد، والمعروف بالحاج علي زغلول كان به صحن مساحته 20 × 16 مترا غير مغطى، وكانت على إحدى واجهات هذا الصحن "مزولة" شمسية، يعود تاريخها إلى 985 هجرية/ 1577م حين يقع ظلها على هذه الخطوط يعطي بيانا محددا لمواقيت الصلاة، وكان ميقاتي المسجد هو الموكل له ضبط مواعيد الصلاة على باستعمال هذه المزولة، إلا أنها تهدمت ولم يعد لها أثر الآن، لتبقى مزولة الجندي الوحيدة الباقية حتى الآن، بالمدينة بل والمحافظة بأكملها.
ويوضح الأثري محمود الحشاش أن عائلة "الميقاتي" برشيد أخذت هذا اللقب لأن أفرادها كانوا يتولون مهمة تحديد مواعيد الصلاة من خلال المزولة، وكان بيتهم في الجهة الجنوبية من مسجد زغلول.
وتسجل الكتب الإسلامية عددا هائلاً من الدراسات التي تناولت المزولة الشمسية سواء الأفقية، أو المنحرفة ويوجد بمكتبة الكونجرس مخطوطة كتبها خليل بن إبراهيم العزاري، يرجع تاريخها إلى القرن التاسع عشر، عبارة عن دراسة حول علم حساب الوقت باستخدام المزولة الشمسية، المفهوم الرياضي الخاص بحساب تعامد الظل لأغراض خاصة بضبط الوقت موضحة بجداول.
ويعد التاريخ الحديث نسبيًا للعمل شاهدًا على الأهمية الكبيرة والدائمة التي تُعزَى للعالم الإسلامي في حساب الوقت من خلال مراقبة أطوال الظل، إذ كان يعتقد أن استخدام حساب الوقت باستخدام المزولات الشمسية أدق الطرق الدينية لحساب التوقيت الصحيح للصلاة.
فيديو قد يعجبك: