بالصور.. قصة أقدم طاحونة أثرية في مصر
البحيرة – أحمد نصرة:
وقع عثمان أغا الطوبجي قائد المدفعية بالحامية العثمانية في عشق مدينة رشيد، فأنشأ منزل الأمصيلي ليكون مقرًا لإقامته، وخلال تردده على مسجد المحلي لاحظ تردي أحواله وإهمال صيانته بسبب افتقاره للموارد المالية، فقرر إنشاء طاحونة "أبو شاهين" ليخصص جزء من ريعها للإنفاق على المسجد، ومرت السنون و مع ظهور الآلات الحديثة توقف العمل بالطاحونة، ولكن صمد المبنى ومحتوياته ليظل أثرًا شاهدًا على نمط معماري فريد وحقبة زمنية هامة في تاريخ المدينة ذات الطابع التراثي المميز.
في البداية يقول الأثري أحمد حبالة مدير تفتيش آثار رشيد: " طاحونة أبو شاهين أنشأها عثمان أغا الطوبجي في النصف الثاني من القرن 12هـ - 18 م ، وخصصت لطحن الغلال ، وكانت تدار بواسطة الدواب، وهذا النوع من الطواحين كان منتشرًا في مدينة رشيد في تلك الفترة، وكانت تلحق بالمنازل أو تقام منفردة ، و كانت طواحين الأغنياء تعمل بواسطة الحيوانات أما طواحين الفقراء فقد كانت تعمل بواسطة سواعد الرجال".
وعن الوصف المعماري للطاحونة يقول حبالة: تطل الواجهة الرئيسية على شارع الأمصيلي ويغلق عليها باب ذو مصراعين من الخشب يعلوه منور من المصبعات الحديدية، ويؤدي مدخل الطاحونة إلى دركاة بها مسطاحين وهو مكان لوضع الحبوب لتجفيفها قبل عملية الطحن ويعلو المسطاح الغربي حجرة لإقامة الطحان يتم الصعود إليها عن طريق سلم صاعد من المدار الغربي ، كما يوجد سلم صاعد أيضاً في المدار الشرقي يؤدي إلى سطح الطاحونة ، ويمكن الدخول بعد ذلك إلى المدارين المزودين بطاحونتين كاملتي العدة والآلة.
ويشرح الأثري علي حميد، تركيب آلة الطحن وطريقة عملها : "تتكون الطاحونة من مدارين أحدهما شرقي والاخر غربي وكل مدار مكون من حجر مستدير فيه فتحة في وسطه ، فوق قاعدة ثابتة ذات حافة بارزة لحجز الحجر المستدير، وفتحة أخرى لصب الدقيق، والحجر العلوى مثبت من أسفله بعجلة صغيرة تتصل بعجلة كبيرة عبارة عن ترس من الخشب مثبته في قدم خشبي رأسي الوضع يدور حول نفسه ، ومن مكونات الطاحونة ايضا " الجايزة " وهى الخشبة المستعرضة التي تظهر على شكل كمرة خشبية تحمل اجزاء الطاحونة ، وتتصل " بالهرميس " الذى يوضع على رقبة الحصان او الثور لتحريك الطاحونة".
ويضيف حميد: "تضم الطاحونة حجرة لمبيت الطحان وتضم أيضًا اسطبلا لمبيت البغال التي تدير الطواحين كما توجد به اماكن لوضع العلف والماء ، وأماكن لوضع الحبوب لتجفيفها قبل عملية الطحن ، وكانت الطاحونة تعمل يوميا ما عدا يوم الجمعة لعمل صيانة للطاحونة وليرتاح الطحان والحيوانات من العمل الشاق طوال الاسبوع وهي مسجلة بإسم " طاحون وقف المحلى " لأن جزء من ريعها كان يذهب للإنفاق على مسجد المحلى"
وعن سر تسميتها بأبو شاهين، توضح الباحثة الأثرية جيهان مأمون أن هذا الاسم يرتبط بآخر عامل كان مسؤولًا عنها وقت عملها.
ويتفق الأثري محمود الحشاش قائلًا: "الأماكن الأثرية بمدينة رشيد تسمى باسم آخر شخص امتلكها أو كان يعمل بها، والأمثلة كثيرة على ذلك مثل منازل رشيد محارم، كوهية، وبسيوني وهي عائلات مازالت تقطن رشيد ومثل حمام عزوز الذي ينسب لعزوز اخر شخص أدار المكان وكذلك طاحونة شاهين".
ويضيف الحشاش: "هناك العديد من الجوانب الجمالية بالطاحونة، حيث استخدم في بنائها الطوب المنجور المشهورة به مدينة رشيد في ذلك العصر، وكان يحرق بدرجة معينة ليأخذ اللونين الأسود والأحمر، واستخدم في البناء مادة القصرمل المكونة من الجير والحمرة والسرسة"
ويكمل الحشاش: "استخدمت الميد الخشبية بالجدران لمنع التصدعات والشروخ على مر الزمن، كما استخدمت الصواري الخشبية بالأسقف، أما الأعمدة الموجودة داخل الاسطبل فهى أعمدة جلبت من معابد مهدمة من عصور سابقة لبناء العمائر الإسلامية والغالب أنها أعمدة بيزنطية، ومن الملاحظ تنفيذ فتحتين معقودين بالمدارين يرتكز عقد كل منهما على عمودين رخاميين كانتا مخصصتين لجلوس السايس الذي يشرف على التشغيل، و تم تنفيذ حنايا ضحلة بالجدران التي تحيط بالمدارين لمنع احتكاك الحيوانات بها"
ويقول مصطفى شعراوي أحد الفنانين المهتمين بتوثيق معالم رشيد فوتوغرافيًا: " التصوير داخل طاحونة أبو شاهين شكل تجربة فريدة لي، ولعل أكثر ما لفت انتباهي هو الاهتمام بالعناصر الجمالية للمكان، والتفاصيل الدقيقة رغم أنه كان مبنى لطاحونة"
فيديو قد يعجبك: