"زرع الصحرا سمك".. "محمد عبدالفتاح" استغل بركة مُهدرة لحل أزمة في الوادي الجديد (صور وفيديو)
الوادي الجديد- محمد الباريسي:
بدأ "محمد" في أغسطس الماضي 2019، حلم استزراع صحراء مدينة الخارجة سمكيًا، فكر حينها في إيجاد فرصة عمل وحل مشكلة ارتفاع أسعار الأسماك بمحافظته، التي يصلها هذا النوع من المنتجات بعد رحلة سفر مُكلفة من القاهرة والبحر الأحمر وأسيوط.
اختار "محمد عبدالفتاح العقاطي" لمشروعه بركة للصرف الزراعي تتوسط صحراء أرض عائلته العقاطية بمنطقة الخارجة 2.
يقول صاحب الـ35 سنة، والحاصل على دبلوم فني صناعي عام 2003، إنه حينما فشل في إيجاد فرصة عمل مناسبة بالقطاع الحكومي فكر في هذا المشروع: "في كل مرة كنت أشاهد هذه البركة على مساحة تتعدى الـ7 أفدنة، اتساءل عن مصير الكميات الهائلة من المياه المهدرة؟".
توجه "محمد" إلى مديرية الزراعة بالمحافظة لمناقشة كيفية استغلال هذه البركة، وأوضح لـ"مصراوي": "وجهتني المديرية لفرع هيئة الثروة السمكية بالمحافظة، وتواصلت مع مدير الفرع الذي طلب مني عمل كروكي مساحي وخريطة هندسية للبركة وسحب عينة وتحليلها بمعامل وزارة الزراعة وهيئة الخدمات البيطرية بالقاهرة وتحديد مكوناتها من عناصر وأملاح لتحديد مدى مطابقتها للظروف البيئية لمعيشة الأسماك".
أثبتت التحاليل الكيمائية والبيولوجية صلاحية المياه لتربية الأسماك، فبدأ "محمد" التواصل مجددًا مع مدير فرع هيئة الثروة السمكية في المحافظة ومديرية الطب البيطري بالمحافظة لإنهاء ترخيص المزرعة، وبالفعل جرى استخراج الرخصة من هيئة الثروة السمكية وهي الأولى لمزرعة تربية أسماك بالقطاع الخاص على مستوى المحافظة. "صدق محافظ الوادي الجديد اللواء محمد الزملوط أيضًا على المشروع وكلف المسؤولين بمساعدتي ودعمي في التنفيذ".
وأضاف "محمد" ذهبت لمحافظة كفر الشيخ للحصول على زريعة السمك والذي تبين أن أفضل أنواع الأسماك التي تصلح في بركة مياه الصرف الزراعي الناتجة من المياه الجوفية هي نوع البلطي ويتحمل أيضا ظروف حرارة الجو والمناخ بالواحات، واشتريت زريعة السمك من كفر الشيح بواقع 30 ألف زريعة بُلطي بتكلفة 17 ألف جنيه شاملة تكاليف النقل حتى مدينة الخارجة، ويصل سعر طن الأعلاف لـ 12 ألف جنيه، وتبلغ مساحة المزرعة 7 أفدنة، بينما إجمالي مساحة البركة على 9 أفدنة حيث توجد متخللات نباتية وأرضية داخل البركة.
ولفت إلى، أن المشروع بدأ أغسطس الماضي، حيث تستغرق دورة تربية الأسماك 6 أشهر، وبدأت الفترة الحالية بشاير الإنتاج ومن المتوقع أن يكون متوسط الإنتاج 20 – 25 طن سمك بُلطي، وبالحسابات لتكلفة المشروع وصلت نسبة أرباحي المبدئية من 45- 50%، وحاليًا بدأت في بيع "بشائر إنتاج المزرعة بسعر 25 جنيهًا لكيلو السمك البُلطي بينما يُباع في الأسوق من 35-50 جنيهًا، إضافة إلى أن المزرعة وفرت فرصة عمل لي بشكل شخصي ولـ 10 أشخاص أخرين، واستعنت بصيادين من محافظة قنا للعمل بالمزرعة بالتعاون والتنسيق مع فرع هيئة الثروة السمكية بالمحافظة.
ومن جانبها أكدت الدكتورة وفاء عادل فتحي، رئيس قسم الأسماك بمديرية الطب البيطري بمحافظة الوادي الجديد، أن المديرية تشرف بشكل مباشر على المشروع والذي يُعتبر تجربة فريدة وناجحة في التوقيت نفسه وهو تربية أسماك في منطقة ومحافظة صحراوية إضافة إلى أن المزرعة تُعطي أعلى إنتاجية مع أقل تكلفة في ظل تواجد المياه بكميات كبيرة، وكميات من الطحالب والكائنات الدقيقة التي تصلح غذاءً للأسماك خاصة من نوع البُلطي.
وأضافت وفاء، أنه جرى سحب عينات من أسماك المزرعة وظهرت نتيجتها بالمعامل المركزية بنجاح التجربة بشكل باهر، وصلاحية الأسماك للاستهلاك الآدمي؛ وسيعطي ميزة نسبية لأبناء الوادي الجديد، وهو تناول سمك طازج وبسعر أقل من الأسماك الواردة من خارج المحافظة لتوفير نفقات وتكاليف النقل.
وتابعت: "المزرعة زُرع فيها 30 ألف زريعة من نوع البُلطي، وتستغرق دورة التربية من 4- 6 أشهر، ومتوقع متوسط الإنتاج لها من 20-30 طن سمك، وهو ما سيحقق عائدًا اقتصاديًا كبيرًا، كما أن المديرية تُشرف على المزرعة بشكل طبي مباشر؛ لرصد ظهور أي أمراض قد تُصيبها والمتابعة بالعلاج الفوري، بالإضافة إلى متابعة تنفيذ الإرشادات الخاصة بالتغذية".
من ناحيته، قال الدكتور ناجي محمد عوض، مدير عام مديرية الطب البيطري بمحافظة الوادي الجديد: "إننا أمام تجربة رائدة من نوعها وهي أول مزرعة أسماك بمركز الخارجة وسط الحقول ومحاطة بالجبال من كل جانب، وتحرص المديرية بعد نجاح التجربة على تعميمها في باقي مراكز المحافظة الخمسة، وتقديم الدعم الفني لكل من يرغب في تنفيذ المشروع، كما كلف محافظ الإقليم، اللواء محمد الزملوط، بتقديم كافة التسهيلات لإنجاح التجربة والعمل على تعميمها".
أضاف ناجي، أن التجربة نجحت في 4 اتجاهات أولها الاستفادة من تجمعات مياه الصرف الزراعي التي تشكل عبئًا ومشكلة في تجمعها بشكل كبير داخل برك دون جدوى، ثانيًا سد الفجوة الغذائية بالمحافظة من نقص الأسماك الطازجة التي توفر عنصر اليود المهم لأبناء المحافظة والمعروف عنها مشكلة نقص اليود لدى سكانها، وثالثًا توفير أسماك بسعر مخفض حيث ترتفع أسعار الأسماك المطروحة في أسواق المحافظة بسبب تكاليف النقل من المحافظات الساحلية والشاطئية، وأخيرًا خلق فرص عمل غير تقليدية للشباب وهو ما حدث بالفعل في هذه التجربة، بحسب ما قال.
وأوضح المهندس محمود أبو السعود، مدير فرع هيئة الثروة السمكية بمحافظة الوادي الجديد، أن التجربة هي الأولى من نوعها في مركز الخارجة وهي المزرعة الوحيدة التابعة للقطاع الخاص التي لها رخصة رسمية صادرة من الهيئة بالمحافظة، فرعم امتلاك الهيئة مزرعة أسماك في قرية القلمون، لكنها مزرعة حكومية استرشادية، وتتولى الهيئة تنفيذها، وهناك بركة في قرية أبو نص وأخرى بقرية صبيح، وهناك عدة مواقع يمكن أن تصلح كمزارع للأسماك: "نتمنى تعميم التجربة من خلال الشباب ودخول القطاع الخاص لهذا المجال".
أضاف محمود، أن الهيئة تدرس حاليًا سُبل تربية أصناف أخرى من الأسماك مثل سمك "البوري والطوبار" في ظل وجود تجارب ودراسات حديثة نجحت في تربية هذه الأصناف، في الظروف المناخية ذاتها للوادي الجديد.
ويقول سيد عوض أمين، صياد ويعمل بالمشروع: "أنا من محافظة قنا من منطقة الأشراف البحرية، جينا أنا وزميلي هاشم محمد عبدالوهاب، وهو من بلدتي ذاتها، إلى هنا موقع مزرعة الأسماك بمنطقة الخارجة 2 للعمل فيها، سعيًا وراء الرزق ولقمة العيش، وبتنسيق من فرع هيئة الثروة السمكية، في ظل أن أبناء المحافظة ليسوا مُدربين أو مؤهلين للعمل كصيادين، وأنا أعمل في المهنة منذ الصغر وورثتها عن أبي، كما سنعمل على تدريب أبناء الواحة على صناعة الشبك اليدوي لصيد الأسماك بأحجام مختلفة".
فيديو قد يعجبك: