من المجازر إلى قصور أوروبا.. حكاية عم عبد الله و٥٠ سنة نحت على قرون الجاموس
البحيرة - أحمد نصرة:
إذا كنت تتولى عملية ذبح الأضاحي بنفسك، عليك التفكير أكثر من مرة قبل أن تتعامل مع قرون الجاموس بالتخلص منها كنفايات، فهذا السلاح الذي وهبته الطبيعة الحيوان يمكن أن يعاد تدويره ليصبح تحفة فنية ذات قيمة تزين منزلك.
في منزله الريفي بقرية زاوية غزال في مركز دمنهور بمحافظة البحيرة، حوّل عم عبدالله أحد طوابقه إلى ورشة يمارس فيها حرفته النادرة في النحت على قرون الجاموس، والتي تعلمها منذ أكثر من ٥٠ عامًا وأورثها بدوره لأبنائه ليحترفونها.
"بشتغل في المهنة دي من سنة ١٩٦٧، كنت في معهد أزهري، وفتحوا مركز تدريب في القرية، لتعليم الحرف اليدوية فاتعلمتها فيه" يروي عم عبد الله لمصراوي بدايته مع النحت على قرون الجاموس.
عن مصدر القرون التي يحصل عليها ليحولها إلى منحوتات، يقول عم عبد الله: "بنجيب القرون من المجازر بالكيلو، ولازم تكون قرون كبيرة عشان نعرف نشتغل عليها وننحتها ونحولها لأشكال مختلفة".
وينحت عم عبد الله بشكل أساسي قرون الجاموس إلا أنه أحيانًا يستخدم قرون البقر السوداني، ويوضح الفرق بين الإثنين: "قرن البقر أطول وبيبقى فاضي كله من جوه، وبنعمل منه أباجورات على شكل سمكة أما قرن الجاموس فبيبقى جزء منه مليان وجزء فاضي، وبنستخدم مقياس عشان نعرف الجزء المليان واصل لغاية فين، ونبدأ نشتغل على أساسه، وننحت عليه أشكال حيوانات أو عناصر من البيئة".
ويوضح عم عبد الله مراحل النحت:" بنبدأ الأول بالرسم بقلم ملون على القرن بناء على الجزء المليان والفاضي فيه، بعد كده بنثبته على المنقلة وبننحته باستخدام أدوات بسيطة، زي المنشار ،الأزميل،الكماشة، والمبرد وبنسخن بعض الأماكن فيه عشان نعرف نطوعه، لغاية ما نوصل للشكل المطلوب".
ويكمل عم عبد الله: "بنستخدم عضم الأبقار في تطعيم المنحوتات باللون الأبيض وصنع بعض الأجزاء فيها زي العين مثلاً، بنجيب ماسورة العضم، وبنغليها فترة طويلة في مسحوق غسيل لغاية ما يبقى لونها أبيض خالص، بعدها بنكسر منها قطع صغيرة".
عقب الانتهاء من نحت الشكل الرئيسي للمنحوتة تأتي مرحلة إخراجها في صورتها النهائية، من خلال تلميعها لإكسابها مظهرها البراق.
يشرح عم عبد الله: " بنلمع المنحوتات بتمريرها على قطع من القماش متصلة بموتور ٣ آلاف لفة في الدقيقة، وبنستخدم مادة بيستعملوها في تلميع النحاس إسمها القماطة، لإكسابها اللمعة النهائية".
يستطرد عم عبد الله: "بعض الناس مش بتبقى مصدقة إن التحف إللي بنعملها بتكون في الأصل قرن جاموس، وبتفكرها من خامات تانية إكريليك أو رخام، وعشان نأكدلهم ساعات بنعمل منحوتات على قرن بنشطب الجزء العلوي منه ونسيب قاعدته في صورته الأولية".
"سعر القطعة بيختلف حسب الحجم والجهد المبذول فيها، وكنا الأول بنودي شغلنا خان الخليلي، دلوقتي جمعية الأسر المنتجة في البحيرة بتساعدنا وبتسوق لنا شغلنا، وفيه شركات بتاخد طلبيات مننا وبتصدرها لأوروبا، هناك بيحترموا الفن ده وبيقدروه كويس جدًا... فننا بيزور قصور أوروبا" يوضح عم عبد الله طريقة تسويق منحوتاته.
ويختتم عم عبد الله حديثه قائلاً: "علمت أولادي الفن ده عشان يحافظوا عليه، لكن لأنه فن صعب ومجهد، عدد إللي بيشتغلوه تراجع جدًا، ونتمنى الدولة تنفذ مشروع لحمايته من الاندثار".
فيديو قد يعجبك: