إعلان

32 يوما في العزل.. طبيب متطوع لعلاج مصابي كورونا:أنا والمرضي بقينا أصحاب

11:50 م الأربعاء 15 أبريل 2020

الأقصر – محمد محروس:

كانت الساعة تدق الحادية عشر مساءً يوم السابع من شهر مارس الماضي، وبينما يجلس طبيب العظام حسام فتحي مع زملائه في قسم الطوارئ بمستشفى إسنا التخصصي يتبادلون الحديث حول الأخبار المتواترة عن فيروس كورونا المستجد، وبؤرة الإصابة التي ظهرت مؤخرًا على متن إحدى البواخر السياحية في مدينة الأقصر، وإذ بمدير المستشفى يخبرهم بقرار وزيرة الصحة باختيار المستشفى ليكون أحد مستشفيات العزل التي ستستقبل المصابين بالفيروس.

رغم أن القرار كان مفاجئًا فالاعتقاد السائد حينها أن يقوم مستشفى الحميات بهذا الدور، لكن رد فعل الدكتور حسام وزملائه كان مثاليًا، يقول حسام :"تقبلنا القرار بصدر رحب جدًا وكنا فخورين أن نقوم بهذا الدور، وبدأنا على الفور في اتخاذ اللازم من خلال غلق قسم الاستقبال ونقل الحالات المحتجزة إلى المستشفيات الأخرى خلال ساعتين فقط".

يوضح حسام كيفية اختيار الطاقم الطبي الذي تولى مهمة علاج مصابي كورونا قائلًا:" أنا واحد من الأطباء الذين لم يكن اسمهم مدرجًا في كشف الطاقم الطبي المعني بعلاج المصابين بفيروس كورونا، بحكم أن تخصصي بعيد عن طبيعة المرض الذي يسببه الفيروس، وكان أمامنا خيارين أن نغادر المستشفى فورًا أو أن نتطوع لمساعدة زملائنا المعنيين بهذا الأمر، فكنت أنا واحدًا من 6 أطباء تطوعوا لمساعدة زملائنا".

حسام البالغ من العمر 27 عامًا تخرج من كلية طب القصر العيني عام 2017 ويعيش منذ 10 أعوام تقريبًا مع بداية التحاقه بكلية الطب في القاهرة، بينما يعيش باقي أفراد أسرته في محافظة الفيوم، وبعد أن قضى سنة الامتياز وأول سنة تكليف في أحد مستشفيات القاهرة تم تعيينه مؤخرًا طبيب مقيم جراحة عظام بمستشفى إسنا التخصصي.

لم يُبلغ حسام أسرته بطبيعة مهمته في مستشفى العزل حتى وصل إليهم عن طريق الصدفة منشورًا على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" حول دوره في مساعدة المرضي:" أهلي مكانوش يعرفوا حاجة ولما عرفوا كلموني وكانوا قلقانين عليا جدًا وبيعاتبوني عشان خبيت عنهم، لكن بعد كده اطمنوا وشجعوني عشان أكمل مهمتي" يقول حسام.

أول يوم في العزل

في 13 مارس الماضي استقبل مستشفى إسنا أول حالة مصابة بفيروس كورونا وكانت سائحة أمريكية تبلغ من العمر 75 عامًا، لم يكن الأمر سهلًا على حسام وزملائه، ففيروس كورونا المعروف عنه طبيًا قليل جدًا، ولم يكونوا متأكدين بعد من أن الفيروس ينتقل عبر الهواء أم لا، أو المدة الزمنية التي يعيشها على الأسطح، ورغم أن حسام يرتدي كافة الملابس الواقية من بدلة وقفاز وقناع زجاجي لكن السائحة الإنجليزية لاحظت توتره وقلقه فبدأت هي تطمئنه.

يستدرك حسام:"لم أستطع حينها أن أخفي شعوري تجاه رد فعل السائحة الأمريكية التي بدلًا أن أقوم أنا بتطمينها هي التي بادرت وحاولت تطميني وهذا الموقف والثبات الانفعالي للمريضة الأمريكية رغم سنها الكبير واحتمالية تعرض حياتها للخطر كان موقف تحول فيما يتعلق بقلقي تجاه الفيروس".

ارتفاع نسبة التعافي

بدأ بعد ذلك المستشفى يستقبل مزيدًا من الحالات، وغالبيتهم كانوا سياح من جنسيات إيطالية وألمانية وأمريكية، إلى جانب بعض العاملين على متن المراكب السياحية الذين انتقل لهم الفيروس من خلال مخالطتهم للسياح المصابين، وأيضًا بعض العائدين من العمرة، وبعد مرور 10 أيام حقق المستشفى نجاحًا ملحوظًا في نسبة التعافي بين المصابين، فعلى سبيل المثال تعافي 10 إيطاليين من بين 12 إيطالي جميعهم كبار سن كانوا يتلقون العلاج داخل المستشفى.

إلى جانب التزام حسام وزملائه بالبروتوكول العلاجي لوزارة الصحة، كانوا يعتمدون على استراتيجية الدعم النفسي والتغذية الجيدة، ما ساعدهم في تحقيق نسب شفاء مرتفعة:"كنا بنتعامل كأسرة واحدة طاقم طبي ومرضى، حالة إنسانية عجيبة اتولدت بينا، كنا بنحاول خلالها نساعد المرضى ونحقق لهم كل اللي محتاجينه، خلقنا حالة من المرح والتفاؤل كبيرة، كنا بنشغل لهم الموسيقى اللي بيحبوها ونساعدهم في التواصل مع محبيهم، والحمد لله كانت النتيجة رائعة".

بعد 14 يومًا حسام يرفض المغادرة

انتهت مهمة الفريق الطبي الذي يشاركه حسام في المستشفى بعد مرور 14 يومًا، وفقًا لتوصيات وزارة الصحة، وكان عليهم مغادرة المستشفى ليتولى فريق طبي آخر المهمة ليستكمل المسيرة، لكن حسام رفض وأصر على البقاء وإكمال مهمته مع المرضى، ولم يغادر المستشفى إلا بعد 32 يومًا :"كنت حاسس إني ما ينفعش أمشي وإني بعمل دور إنساني عظيم".

حالة أسرية وصداقات مع المرضي

طوال هذه الفترة التي قضاها حسام في المستشفى ونظرًا لطبيعته الاجتماعية، ما جعل بينه وبين المرضى صداقات قوية جعلت بعضهم على اتصال دائم به حتى الأن وطلبوا أن يزوروه في منزله، كما توطدت علاقة حسام بزملائه الأطباء :"حالة عظيمة كانت موجودة بين كل زملائي، الكل بيشتغل بحماس وتجرد وإنسانية، اختفت الخلافات وظهرت المحبة والتعاون وروح الفريق، كنا بنشتغل تحت إشراف دكاترة كبار واستشاريين عظام منهم الدكتورة إلهام محمود التي أصبحت فيما بعد مدير المستشفى، ولن يوفي حقها أي كلام، خلقت روح أنا مشوفتهاش قبل كده، مين يصدق إن المديرة تحضر لنا الأكل بنفسها؟".

رسالة حسام لزملائه

"أشد على أيد زملائي في كل مكان وأقول لهم، أنتم تقومون بدور بطولي وإنساني كبير ستفخرون به أمام أبنائكم، لن ينسى لكم العالم والتاريخ تضحياتكم وعدم تخاذلكم أو تخليكم عن المرضى في هذه الظروف الصعبة، ورغم أن العائد المادي ضئيل ولا يكافئ حجم التضحيات التي تقدمونها، لكنكم لم تهربوا أو تتخلوا عن القيام بدوركم الإنساني تجاه المرضى".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان