الصحافة التونسية الساخرة.. تاريخ قاوم المحتل بالكلمة ورشاشات حبر ترسم هموم المواطن
تونس - أ ش أ
على مدى عقود طويلة لعبت الصحافة التونسية الساخرة دورا هاما في مقاومة المحتل الفرنسي، وكانت "الكلمة" والنقد اللاذع أقوى في أوقات كثيرة من كل أشكال المقاومة الأخرى، وإلى جانب ما أبرزته تلك الصحف في مواجهة المحتل من مواهب صحفية وأدبية وفنية كبري، إلا أن أبرز ما قدمته هو الروح الوطنية والالتفاف الشعبي حول هذه الإصدارات بوصفها "لسان حال الشعب في مواجهة غطرسة المحتل وقوته وسماجة وجوده".
وعقب ثورة 14 يناير 2011 حدثت في تونس نقلة نوعية في قطاع الإعلام بصورة عامة فصدرت صحف عديدة حاولت أن تكون بمحتوى وخطاب يعكس مشاغل المواطن وتطلعاته، وفي هذا الإطار صدرت بعض الصحف الساخرة الناقدة، والتي حرص أصحابها على أن تكون قريبة من نبض المواطن التونسي، ومرآة تعكس معاناته، والقلم الذي يقول كل الحقائق دون تردد أو خوف فصدرت "القطوس" (القط بالعربية) لمؤسسها "سليم بوخذير"
في أغسطس 2011، و"ضد السلطة" لمؤسسها "توفيق بن بريك" في ديسمبر 2011.
كما صدرت صحيفة "أحوال" لصاحبها البشير القوطالي واستمرت لمدة شهرين فقط من مارس وحتي مايو 2013، وبعدها خفت وهج الصحف الساخرة في ظل متغيرات كثيرة ضربت العالم والمنطقة، تحت ضغوط مشكلات التمويل التي يتطلبها إصدار هذه المطبوعات وضعف المردود المادي في مقابل ارتفاع تكاليف الإصدار.
مركز التوثيق الوطني التابع لرئاسة الحكومة التونسية نظم معرضا يحكي فيه تاريخ الصحافة التونسية الساخرة، خلال الفترة من 13 -21 أبريل 2022، في إطار أهداف المركز الخاصة بحفظ الذاكرة الوطنية للأجيال القادمة، وحتى يكون هناك رابط بين ما قدمته الأجيال السابقة وبين المأمول من الأجيال الحالية في تعزيز بناء وطنهم ورفعته، وهو ما يؤكد أن الكلمة كانت وستبقي من أهم أسلحة الأوطان ودرعها، المهم أن يعمل المواطن العربي بوصية "أقرأ".
"رشاشات الحبر":
الهزل وروح الدعابة والفكاهة وسرعة البديهة والنزوع إلى الضحك والإضحاك والسخرية هي سمات أساسية في تركيبة المواطن التونسي، حيث لا تكاد تخلو حقبة تاريخية من أدباء وشعراء وصحفيين وفنانين وممثلين أتقنوا "فن المقاومة بالكلمة" باستخدام رشاشات الحبر لرسم هموم المواطن ومقاومة المحتل، وهو مايتطلب قدرات فائقة لتطويع الكلمات والألفاظ والتلاعب بالمعاني أحيانا لإيصال رسائل مبطنة فيها من السخرية بقدر ما فيها من الحكمة وخبرات الحياة المتنوعة.
وفي سبيل حرية الأوطان خاض الكتاب والمفكرون والأدباء الساخرون حروبا وصراعات لا تقل عن الصراعات السياسية المحتدمة وقتها، وشكلوا على مدى عقود ظهيرا وطنيا لقن المحتل دروسا لن ينساها بالتوزاي مع الصفعات الساخرة التى ألهبت أعصابهم وهزت صورتهم الهشة أمام الجميع، كما عالجت أيضا مجموعة من القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، فيما احتجب العديد منها وتوقف عن الصدور بسبب قمع المستعمر نتيجة ما طال ملابسهم المتأنقة من رذاذ الحبر المتناثر على أوراق الصحف يفضح أفعالهم الاستعمارية، فضلا عن الصعوبات المادية التى حالت دون استكمال المشوار.
ومن أوائل التجارب التونسية في ساحة الصحافة الساخرة صحيفة "ابو قشة" لصاحبها محمد الهاشمي المالكي وصدرت في 1908 واستمرت لمدة عام واستخدمت اللغة العربية الدارجة لايقاظ الشعب ومقاومة نظام الحماية، كما صدرت في نفس العام جريدة "أبو نواس" لصاحبها سليمان الجادوي وتوقفت عن الصدور في 22 أبريل 1910 ، فيما أصدر كاتب يدعى بنعيسي الشيخ أحمد صحيفة "جحا" في 8 يوليو 1909 واستمرت في الصدور حتي عام 1921 وكان أغلب مقالتها باللغة الدارجة، ثم صدرت بعدها صحف "جحجوح" و"الضحك" ثم "شهاب جحجوح"، فيما صدرت صحيفة "المضحك" في عام 1910 واستمرت لمدة 13 عاما، وصحيفة "كاركوز" في 18 مايو 1910 على يد الكاتب الصاد بلخوجة وكانت صحيفة أسبوعية فكاهية ساخرة، وصدرت في ذلك التوقيت أيضا صحيفة "النمس" على يد محمد بن الحاج ومحمود التونسي واستمرت في الصدور لمدة 27 عاما ولكنها توقفت خلال هذه الفترة لمدة 10 سنوات، كما شهدت هذه الفترة صدور عدد من الصحف مثل: "حصة الضحك"، "ولد البلاد"، الزعبال"، وفي 7 نوفمبر 1911وإثر اجراءات تعسفية تم ايقاف جميع الصحف العربية بما فيها الهزلية، ولم تعد الصحافة من جديد للظهور إلا بعد الحرب العالمية الأولي.
وبداية من عام 1920 صدرت صحيفة "قزدور"، و"الوداد"، و"القيراون" ، و" البان"، و"النديم"، و"جحجوح" و"الزهو" و"السردوك"، فيما شهدت الفترة من عام 1936 إلى عام 1938 نهضة الصحافة الهزلية التونسية بعد الحصول على حرية الصحافة التى منحتها أوامر 1936 في عهد المقيم الفرنسي "ارمان فيون" وكذلك بقدوم الأديب محمود بيرم التونسي إلى تونس 1932.
وفي تلك الفترة ظهرت صحف "السرور" ، وصبرة" و"الانشراح"، وبعد أحداث 9 أبريل 1938 ، تعطلت أغلبية الصحف الهزلية ولم يصدر سوى صحيفتا "النديم" و"الزهو"، وبعدها ظهرت صحف "سعادة الشباب"، و"الرقيب"، و"شهاب جحجوح" و"النشاب"، وبعد اندلاع الثورة الوطنية في تونس في 1952 ظهرت صحف جديدة من هذا النوع بعد الاستقلال الداخلي في تونس 1955 ، حيث صدرت صحيفة "الفرززو" لمالكها الهادي العبيدي في 2 يناير 1955، وصحيفة "الجزيري" في 1961 ، و"القنفود" لصحابها الحبيب البرجي في يوليو 1962، و"أضواء المدينة" في عام 1971، و"الامتاع" في مايو 1979 واستمرت حتي مارس 1980 لتدخل على إثرها في مرحلة تراجع على مستوى إصدار صحف جديدة.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: