لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في قلب الصحراء.. قرية القصر الإسلامية تروي حكايات العصور الغابرة -صور

04:14 م الإثنين 14 أكتوبر 2024

الوادي الجديد – محمد الباريسي:

تعتبر قرية القصر الإسلامية، الواقعة في مركز الداخلة بمحافظة الوادي الجديد، نموذجًا فريدًا يجسد التراث الإسلامي العريق، وواحدة من أهم المدن الإسلامية الأثرية في مصر.

تبعد القرية حوالي 32 كيلومترًا شمال مدينة موط، عاصمة مركز الداخلة، حيث تحيط بها معالم طبيعية وأثرية تروي قصة مكان كان يشهد ازدهارًا إسلاميًا وعمرانًا مدهشًا على مر العصور.

بداية إسلامية في الواحات

في تصريح خاص لـ"مصراوي"، قال بهجت إبراهيم، مدير الآثار الأسبق بالوادي الجديد، إن "قرية القصر كانت أول محطة تستقبل القبائل الإسلامية بالواحات عام 50 هجرية، وكانت بذلك جزءًا من التاريخ المبكر للحضور الإسلامي في هذه المنطقة".

وأضاف: "القرية تحتفظ ببقايا مسجد من القرن الأول الهجري، الذي يمثل أحد أقدم المساجد بالمنطقة، وهو شاهد حي على تلك الحقبة".

لم تكن القصر مجرد قرية، بل كانت عاصمة الواحات لفترة طويلة، حيث سميت بهذا الاسم نسبةً لقصر الحاكم الذي كان يهيمن على المشهد العمراني في ذلك الوقت.

ولعبت القرية دورًا بارزًا في استقبال القوافل والحجاج المغاربة المتجهين إلى الأراضي الحجازية، حيث كانت بمثابة محطة هامة على هذا الطريق التجاري والديني المهم.

آثار الرومان والأيوبيين في قلب الواحات

يروي لنا محمود عبد ربه، جامع التراث الواحاتي، في تصريحه لـ"مصراوي": "تحتضن قرية القصر بقايا قصر روماني قديم يظهر جزءًا من تاريخ هذه المنطقة الذي يعود إلى ما قبل الإسلام".

ويضيف: "أحجار القصر الروماني القديمة استخدمت في بناء واجهات المنازل، ويعود تاريخ بناء المدينة إلى القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، واستمرت في التطور العمراني حتى العصر العثماني".

القرية تحوي نظامًا هندسيًا فريدًا، حيث تم تقسيمها إلى دروب و أحياء تتصل عبر بوابات كبيرة، كانت تُغلق ليلاً خوفًا من غارات القبائل المعادية.

يقول عبد ربه: "توجد في القرية عشر بوابات رئيسية، كانت تغلق كل حارة بها للحماية، وما زالت تلك البوابات قائمة حتى اليوم، شاهدة على التخطيط الدفاعي المبتكر للقرية".

العمارة الإسلامية المتفردة

من جانبه، يوضح محمد إبراهيم، مدير الآثار الحالي بالوادي الجديد، أن "القرية تحتفظ بملامح العمارة الإسلامية القديمة، بما في ذلك منازلها المبنية من الطوب اللبن التي تتميز بتصميم معماري مدهش يؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة داخل البيوت بحوالي 12 درجة مئوية مقارنةً بالخارج".

هذا النظام المعماري الفريد كان يعتمد على تصميم الشوارع الضيقة والممرات، ما يسهم في تبريد الهواء بشكل طبيعي خلال فصل الصيف.

ويضيف إبراهيم: "تحتوي القرية على مئذنة خشبية بارتفاع 21 مترًا تعود إلى العصر الأيوبي، وما تزال هذه المئذنة محتفظة بتفاصيلها المعمارية الأصلية.

كما أن بعض المنازل تتزين بأعتاب خشبية منقوشة عليها آيات قرآنية وأبيات شعرية تعكس الطابع الروحاني لسكان القرية".

التراث الحرفي والصناعات اليدوية

تشتهر قرية القصر الإسلامية بحرفها التقليدية التي توارثها سكانها جيلًا بعد جيل، إذ يقول محمود عبد ربه: "القرية كانت وما زالت مركزًا لصناعة الأواني الفخارية، وخاصة في منطقة الفاخورة التي تعتبر واحدة من أقدم مراكز صناعة الفخار في الواحات".

ويضيف: "كانت الحرف اليدوية تُعبر عن هوية أهل القرية، حيث أطلقوا على الحارات أسماء الحرفيين، مثل حارة النجارين والحدادين والفخارية".

كما تشتهر القرية أيضًا بإنتاج السجاد والمشغولات اليدوية، التي يُعرض بعضها في معارض محلية مثل "معرض أم جنا سنوسي"، وهو مقصد سياحي هام لكل من يهتم بالتراث المحلي والمنتجات اليدوية.

مركز للاستشفاء والسياحة العلاجية

إلى جانب مكانتها التاريخية، تحتل القصر الإسلامية مكانة مميزة كمركز للاستشفاء والسياحة العلاجية. ويشير بهجت إبراهيم إلى أن "القرية تشتهر بوجود بئر الجبل، الذي يُعد من أشهر الآبار الكبريتية في المنطقة، وقد تم استخدامه كموقع لتصوير فيلم 'عرق البلح' عام 1995".

ويضيف: "تحتوي برك المياه الكبريتية على طمي علاجي له فوائد كثيرة لمرضى الروماتيزم، ما جعل القرية وجهة للسياحة العلاجية على مر السنين".

ترميمات واهتمام حديث بالآثار

في عام 2015، خضعت قرية القصر لمشروع ترميم ضخم بتمويل من الحكومة اليابانية، وكان الهدف منه حماية بعض المباني المهددة بالانهيار.

يقول محمد إبراهيم: "القرية تمثل متحفًا مفتوحًا، يحتوي على آثار من فترات متعددة، بدءًا من الفرعونية وحتى الإسلامية". ويضيف: "لقد حققت عملية الترميم نجاحًا كبيرًا، وساهمت في الحفاظ على هذا التراث الذي يعود لعدة قرون".

كما أن القرية تضم معالم إسلامية أخرى مثل "معصرة الزيتون" التي تعود إلى حوالي 6 قرون، ومدرسة العلوم الشرعية التي أنشئت في عهد المماليك وتم تحويلها لاحقًا إلى محكمة وسجن في فترة الحكم العثماني.

تراث يحاكي الزمن

على مر التاريخ، ظلت قرية القصر الإسلامية مصدرًا للإلهام وجاذبًا لرواد العلم والتراث. يقول محمود عبد ربه: "القرية ليست مجرد مكان تاريخي، بل هي رمز للتماسك الاجتماعي والثقافي الذي عاشه أهل الواحات على مر العصور". ويضيف: "لا يزال الكثير من زوار الواحات يتوافدون على القرية للاستمتاع بتاريخها العريق ومعالمها التي تقف شاهدة على مراحل متعددة من الحضارة الإسلامية".

يختتم بهجت إبراهيم تصريحه قائلاً: "قرية القصر تمثل إرثًا يجب الحفاظ عليه، فهي ليست فقط تاريخًا مكتوبًا على جدرانها، بل هي أيضًا قصة حياة عاشها أجيال مضت، وما زالت أصداؤها تتردد في أرجاء المكان".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان