إعلان

"الاسم مسلم والمبني قبطي".. حكاية دير مصطفي الكاشف فى الوادي الجديد -صور

01:59 م الخميس 07 نوفمبر 2024

الوادي الجديد – محمد الباريسي:


تتنوع المعالم الأثرية بواحة الخارجة التابعة لمحافظة الوادي الجديد، التي تروي فصولاً من تاريخٍ طويل، يختلط فيه عبق الحضارات القديمة مع قصص النفي واللجوء الديني، ومن بين تلك المواقع، يبرز "دير مصطفى الكاشف"، الذي يجمع بين العمق التاريخي والأثر القبطي، فيعد شاهدًا على مراحل متعددة من تاريخ الوادي الذي يربط مصر بالسودان عبر درب الأربعين.


التأسيس والموقع:

يعود تاريخ بناء دير مصطفى الكاشف إلى القرن السادس الميلادي، ويقع على بعد نحو 7 كيلومترات شمال مدينة الخارجة، عند سفح جبل الطير، وعلى بعد حوالي كيلومتر واحد شمال مقابر البجوات الأثرية، هذا ما أكده منصور عثمان، مدير الآثار الإسلامية والقبطية سابقا والخبير الأثري بالوادي الجديد، قائلا : " تأسس الدير على مساحة تقارب 600 متر مربع، ويشرف على موقع استراتيجي مرتفع يمكنه من كشف مسار درب الأربعين، الطريق التجاري التاريخي الذي كان يربط بين مصر والسودان".


سبب التسمية:

يضيف منصور: "سمّي الدير باسم "مصطفى الكاشف" نسبةً إلى آخر من عاش فيه، وكان يُدعى مصطفى. كان مصطفى يشغل منصب "الكاشف" في عهد الدولة العثمانية، وهو المسؤول عن تحصيل الضرائب وحفظ النظام في المنطقة، ويعود دور "الكاشف" إلى العصور المملوكية، إذ كان يُعيّن بجوار كل حاكم في الواحات شخص يُدعى "الكاشف" لتولي مسؤوليات التحصيل والإشراف على الأمن، وقد أُطلق اسمه أيضًا على عين المياه المجاورة للدير، لتصبح "عين مصطفى الكاشف".


الهيكل المعماري للدير:

يقول الأثري محمد إبراهيم، مدير عام الآثار بالوادي الجديد حاليا: "بُني دير مصطفى الكاشف على بقايا حصن روماني يعود إلى القرن الأول الميلادي، واستخدم في بنائه الطوب اللبن، يتكون الدير من ثلاث طوابق؛ يضم الطابقان الأول والثاني "قلايات" (غرف معيشة الرهبان)، بينما يحتوي الطابق الثالث على كنيسة بُنيت وفق طراز "البازيليكا" القبطي.


وأكد إبراهيم، أنه رغم أن الدير شهد تدهورًا عبر الزمن، إلا أن الكنيسة التي تقع في الجهة الشرقية لا تزال قائمة، ويصل ارتفاع جدران الدير إلى نحو 18 مترًا، ويضم الدير في ركنه الشمالي مطبخًا مزودًا بأفران وأوانٍ فخارية استخدمها الرهبان لإعداد الطعام.


وأضاف إبراهيم، أنه من السمات المميزة للدير أيضًا وجود مساكن مستقلة ذات أسقف على هيئة قبو، كانت تُستخدم لإقامة الطقوس الدينية وإيواء التجار العابرين. هذا التصميم يعكس أهمية الدير كملاذ ومأوى للتجار، ما يجسد دوره كحصن للدفاع الروحي والمادي على حد سواء.


الانتشار المسيحي ودور الدير:

أكد الخبير الأثري بهجت أبو صديرة، مدير عام الأثار الأسبق بالوادي الجديد، أنه قد شهدت واحة الخارجة انتشارًا واسعًا للمسيحية في القرون الأولى، ويرجع ذلك جزئيًا إلى نفي البابا أثناسيوس إلى المنطقة خلال فترة "بدعة آريوس"، وهو ما ساعد على نشر المسيحية بين سكان الواحة، وتعود الروايات المسيحية إلى وصول المسيحية إلى الواحات في القرن الأول الميلادي، على يد القديس برثلماؤس، الذي استشهد في منطقة تُعرف اليوم بـ"الواحات القديمة" أو واحة البهنسا.

وأضاف بهجت، أنه مع بداية القرن الخامس الميلادي، بدأت التحديات الأمنية تهدد استقرار المنطقة، بسبب غارات القبائل الصحراوية، وهو ما أثر على الوضع العام حتى القرن السابع وما بعده إلا أنه بحلول القرن الخامس عشر، شهدت المنطقة شيئًا من الاستقرار مجددًا، غير أن النفوذ المسيحي تراجع واندثرت الأسقفية القبطية في الواحة الخارجة تدريجيًا.


مظاهر الازدهار والاندثار:

كانت الواحات خلال العصور الوسطى تتبع إداريًا ولاية الأشمونيين، وجرجا، ومنفلوط، وكانت أحكامها تُستأنف في "مجلس الشرع" بمدينة الداخلة، التي كانت تتبعها الخارجة إداريًا، ويمثل دير مصطفى الكاشف جزءًا من تاريخ منطقة لعبت دورًا هامًا على المستويين الديني والإداري، هذا ما أكده خبير التراث الواحاتي، محمود عبد ربه، مضيفا أنه في فترة ازدهار الدير، كان الدير محطة للتجار والمسافرين، ومحورًا للنشاط الديني، إلا أن حالة الاضطراب التي شهدتها المنطقة نتيجة الغارات الصحراوية قللت من استقراره وازدهاره، ومع أن المسيحية قد اختفت إلى حد كبير من الواحة، إلا أن الدير بقي شاهدًا صامتًا على تلك الحقبة، يروي من خلال جدرانه وأسقفه قِصة العصور التي مرت عليه.


أهمية الدير في السياحة الثقافية والأثرية:

أكد محسن عبد المنعم الصايغ، مدير عام الهيئة المصرية لتنشيط السياحة بالوادي الجديد، اليوم، يُعد دير مصطفى الكاشف مقصدًا للمهتمين بالآثار والتاريخ، زيارة الدير تتيح لزائريه تجربة فريدة تدمج بين الاطلاع على الطراز المعماري القبطي ومعايشة الأجواء التي ميزت الدير قديمًا. ومن هنا تأتي أهمية دير مصطفى الكاشف كإضافة مهمة إلى مواقع السياحة الثقافية والأثرية في محافظة الوادي الجديد، حيث يمكن لزوار الواحة الخارجة التعرف على جذور المنطقة التاريخية والدينية.


ختامًا، يظل دير مصطفى الكاشف واحدًا من الشواهد الباقية على التحولات الاجتماعية والدينية والإدارية التي شهدتها واحة الخارجة على مر العصور.



فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان