"بلاليص" مهشمة وخرز من قشر بيض النعام في أقدم طرق الصحراء الغربية.. ما القصة؟
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
الوادي الجديد – محمد الباريسي:
تُعد منطقة الصحراء الغربية بمحافظة الوادي الجديد، واحدة من أغنى مناطق العالم بالأسرار التاريخية والآثار المتنوعة، حيث تعكس أهميتها كمعبر قديم للمسافرين عبر العصور، ومن أبرز هذه المعالم درب أبو بلاص، الذي يمتد بطول 400 كيلومتر بين الواحات المصرية وهضبة الجلف الكبير، ويعد شاهدًا على تطور حركة السفر منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الإسلامي.
أصل التسمية
ترجع تسمية "درب أبو بلاص" إلى محطة رئيسية تقع عليه، حيث عُثر في هذه المحطة على أكوام من الأواني الفخارية الكبيرة المعروفة باسم "البلاص" حسبما أكد محمود عبد ربه، متخصص التراث الواحاتي وصاحب مؤلفات رسمية عن تاريخ الواحات، وذكر أن هذه المحطة أصبحت رمزًا للطريق، الذي يتميز بتضاريسه الوعرة ومحطاته المتعددة التي كانت تُستخدم كاستراحات للقوافل.
بداية الطريق ومحطاته الأولى
يقول عبد ربه،: ينطلق درب أبو بلاص من منطقة عين أصيل في الواحات الداخلة، مرورًا بعدة محطات أبرزها صخرة ميرى، التي تبعد حوالي 89 كيلومترًا عن نقطة الانطلاق، اكتسبت هذه المحطة أهميتها من النقوش القديمة على صخورها، ومنها نقش يحمل اسم "مري"، بالإضافة إلى بقايا فخارية تعود لعصور مختلفة، منها الدولة القديمة وعصر الانتقال الأول.
وأضاف أنه على بعد 129 كيلومترًا من عين أصيل، تأتي محطة يعقوب، وهي محطة غنية بالشواهد الأثرية، منها مخازن للمؤن، وأماكن استراحة صغيرة، وعلامات منحوتة على الصخور يُعتقد أنها تُستخدم لحساب الأيام التي قضتها القوافل في المحطة، كما تحتوي على استراحات مخصصة للدواب.
أهمية المحطات
يقول الخبير الأثري بهجت أبو صديرة، مدير الآثار السابق بالوادي الجديد، إنه تمثل محطة أم العلامات واحدة من أبرز المعالم على الدرب، حيث تحتوي على علامة حجرية شاهقة بارتفاع يصل إلى مترين، ويُعتقد أنها استُخدمت كدليل للمسافرين، وربما كنقطة مراقبة للطريق، إلى جانب العلامات، تضم المحطة بقايا فخارية كبيرة كانت تُستخدم للعجين أو تخزين المؤن، ما يدل على وجود نشاط دائم لدعم القوافل.
وأوضح، أن محطة خوفو، فتُبرز البُعد التاريخي للدرب، إذ تشير النصوص إلى إرسال بعثات من عهد الملك خوفو (الأسرة الرابعة) إلى الواحات لجمع موارد طبيعية، يُعتقد أنها أكاسيد تُستخدم في الكتابة والرسم، توجد بالمحطة نقوش لخرطوش الملك خوفو بجانب إله الصحراء "إجاي"، إضافة إلى خرطوش الملك جدف رع.
الجلف الكبير
أكد عبد ربه، تُعتبر محطة الناهود آخر المحطات الرئيسية على درب أبو بلاص، حيث تبعد حوالي 359 كيلومترًا عن عين أصيل، وقريبة من هضبة الجلف الكبير، تضم هذه المحطة العديد من الأواني الفخارية التي تعود لعصور مختلفة، مثل الدولة القديمة وعصر الانتقال الأول.
الأثر الثقافي والديني
وأشار إلى، إلى جانب دور الدرب كمعبر للقوافل، يشهد على أهميته الثقافية والدينية العثور على أدوات صوانية، وخرز مصنوع من قشر بيض النعام، وطبعيات أختام على الطين كانت تُستخدم لحفظ الأواني الجلدية أو الفخارية، كما تظهر على صخور المحطات نقوش لحيوانات ومناظر صيد، تُبرز الحياة اليومية والأنشطة التي مارسها إنسان تلك المنطقة.
الاستكشاف الحديث
يقول عبد ربه، أنه في عام 1918، عُثر لأول مرة على الأواني الفخارية الكبيرة بمحطة أبو بلاص، وجرى استكمال العمل الاستكشافي في عام 1923 بواسطة الباحث "جون بول"، وفي أواخر القرن العشرين، قام الرحالة الألماني "كارلو برجمان" برصد حوالي 30 محطة على الدرب باستخدام الإبل، واستكمل فريق مشروع أكاسيا هذا العمل بإعداد خريطة أثرية شاملة.
علامات إرشادية فريدة
يقول الدكتور عبد المنعم حنفي، أستاذ جغرافيا متفرغ بجامعة بورسعيد، وابن واحة الداخلة،: إنه تنتشر على طول درب أبو بلاص علامات حجرية وُضعت على المرتفعات والأماكن المنبسطة لتوجيه القوافل، تتكون هذه العلامات من أحجار صغيرة مُرتبة في شكل أكوام، أو من كتل حجرية كبيرة وُضعت في وضع عمودي، وهو دليل على التنظيم الذي استخدمه المصريون القدماء لتسيير الرحلات.
أكد عبد المنعم، أن درب أبو بلاص يجسد ذاكرة حية لمسيرة طويلة من التفاعل الإنساني مع البيئة الصحراوية، وأظهرت نتائج المسح الأثري أن الدرب لم يُستخدم فقط كممر تجاري، بل كان أيضًا ممرًا ثقافيًا وحضاريًا، يعكس تطور الأدوات والأنشطة البشرية عبر العصور.
فيديو قد يعجبك: