أسرار ووثائق من 3 حضارات.. هنا "القلمون" العاصمة التاريخية للواحات
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
-
عرض 14 صورة
الوادي الجديد – محمد الباريسي:
تقع قرية القلمون على رابية مرتفعة في قلب واحة الداخلة بمحافظة الوادي الجديد، وتبعد حوالي 11 كيلومترًا عن مدينة موط.
منذ القدم، كانت هذه القرية ذات أهمية كبيرة، حيث امتزجت بين دورها كمركز إداري وتجاري وموقع أثري غني بشواهد تاريخية عريقة.
القلمون ليست مجرد قرية، بل هي قصة تمتد عبر آلاف السنين، حيث مثلت شاهدة على تعاقب الحضارات بدءًا من العصر الفرعوني مرورًا بالروماني والإسلامي، وصولًا إلى العثماني مصراوي يصحبكم في جولة داخل القرية.
استقلال الواحات في العصور القديمة
قبل دخول الإسلام إلى مصر، كانت الواحات المصرية تتمتع بنظام حكم مستقل تحت قيادة حكام محليين لكل واحة، مثل الخارجة، الداخلة، والفرافرة، كان هؤلاء الحكام مسؤولين عن تنظيم القوانين وجمع الضرائب وحفظ الأمن منذ عهود العصور الرومانية وما قبل التاريخ.
هذا ما أكدته الأثري محمد إبراهيم، مدير الآثار بالوادي الجديد، قائلا: "الشواهد على هذا التاريخ ما زالت قائمة في المعابد والأضرحة، مثل معبد هيبس وقصر الزيان ومقابر المزوقة، هذه المعالم تجسد حضارة ازدهرت بعيدًا عن تأثيرات النيل، لتثبت أن الواحات كانت مراكز حضارية فريدة بذاتها".
العصر الإسلامي: من بلدة القصر إلى القلمون
أكد الخبير لأثري منصور عثمان، مدير الآثار القبطية والإسلامية بالوادي الجديد السابق، أنه مع بزوغ العصر الإسلامي، برزت الواحات كمراكز إدارية وتجارية، وانتقل الحكم من بلدة القصر إلى القلمون في أواخر العصر المملوكي وبداية العثماني.
وأضاف، أن هذا الانتقال كان نتيجة جهود أمراء الجراكسة الذين جاؤوا لحماية الواحات من هجمات اللصوص. هؤلاء الأمراء حفروا آبارًا جديدة وشيدوا سورًا حول القرية لتعزيز أمنها، القلمون لم تكن مجرد قرية عادية، بل أصبحت مقرًا لمجالس القضاء الشرعي ومركزًا للحكم، وهو ما عزز مكانتها كعاصمة لإقليم الواحات.
وثائق تاريخية تثبت عراقة القلمون
تقول الدكتورة حنان حجازي، رئيس قسم الآثار بكلية الآداب بجامعة الوادي الجديد، إنه دار الوثائق القومية تضم مجموعة كبيرة من السجلات التي تؤكد أهمية القلمون كمركز حكم في العهد العثماني. من بين هذه السجلات، وثيقة تعود لعام 1030 هـ توضح أن الناظر في الأحكام الشرعية كان يدير شؤون الواحات من القلمون، مع تعيين نواب لإدارة مناطق الواحات الأخرى.
وأضافت حنان، أنه تكشف وثائق أخرى عن مشكلات واجهها سكان الواحات، مثل نزوح أهالي الخارجة بسبب الضرائب الباهظة، وما ترتب عليه من خراب للمنطقة، تدخل حاكم القلمون آنذاك لحل الأزمة من خلال وعود بإعفاءات ضريبية لإعادة السكان إلى أراضيهم وإعادة إعمار الواحة.
ولفتت إلى، أنه قد كشفت وثائق تاريخية محفوظة بدار الوثائق القومية أن القلمون كانت مقر حكم الواحات خلال العصر العثماني، من أبرز هذه الوثائق، سجل برقم 392 يحتوي على حجج شرعية صادرة بين عامي 409 هـ و1342 هـ، إحدى هذه الوثائق، المؤرخة عام 1030 هـ، تشير إلى وجود قاضٍ شرعي بمدينة القلمون يدير شؤون الواحات، ويشرف على نواب الشرع في واحة الخارجة.
وقالت : " إنه قد أظهرت وثيقة مؤرخة عام 1095 هـ حالة من الاضطراب عاشتها واحة الخارجة، حيث ترك أهلها منازلهم بسبب تعسف جباة الضرائب، أصدر حاكم الواحات بالقلمون نداءً يدعو الأهالي للعودة إلى قراهم مع وعد بتخفيف الضرائب، مما أعاد الحياة تدريجيًا إلى الواحات.
القلمون في عيون المؤرخين
وقالت رئيس قسم الآثار بآداب الوادي الجديد، إن القلمون كانت محط اهتمام المؤرخين والرحالة على مر العصور، ذكرها ابن حوقل في كتابه "صورة الأرض" في القرن الرابع الهجري، وأشار إليها البكري في "المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب"، كما وردت في "قوانين الدواوين" لابن مماتي، و وصفها المؤرخون بأنها بلدة غنية بالكروم، تضم كنائس ومعمارًا مميزًا، مما يعكس تنوعها الثقافي والديني.
أسرار محفوظة: وثائق نادرة ومخطوطات ثمينة
تحتفظ عائلة الخطيب في قرية القلمون بوثائق تاريخية تعود لأكثر من 340 عامًا، يقول عبدالستار سليمان، أحد أفراد العائلة، إن هذه الوثائق تشمل معاملات زراعية، شجرة العائلة، ومخطوطات إسلامية، الأبرز بين هذه الكنوز مصحف مكتوب يدويًا على يد الجد الأكبر للعائلة، باستخدام ريشة البوص وحبر طبيعي، المصحف مكون من 10 مجلدات عتيقة ويحتوي على تفسير الجلالين وتوضيحات حول الناسخ والمنسوخ.
العادات والتقاليد في مجتمع القلمون القديم
يتميز مجتمع القلمون القديم بعادات وتقاليد فريدة، يقول الدكتور عبد المنعم حنفي، ابن واحة الداخلة والأستاذ بجامعة بورسعيد، إن التعاون والتكافل كانا سمة بارزة بين السكان، كانت الزراعة تجري بالمشاركة في المحاصيل بدلًا من الأجر النقدي، وكانت خيرات المنازل تتوزع بين الجميع. تخللت منازل القرية سقائف خشبية لتوفير الظل وربط المنازل ببعضها البعض، مما يسهل تبادل الطعام والمستلزمات.
معمار القلمون: شاهد على عراقة الماضي
أكد الخبير الأثري بهجت أبو صديرة، مدير الآثار بالوادي الجديد السابق، إنه في منتصف القرن الماضي، كشفت بعثة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة عن 16 عتبة خشبية قديمة تعلو مداخل المنازل في القلمون، كانت هذه العتبات تحمل نقوشًا بخط الثلث، تشير إلى أسماء المنشئين وتواريخ الإنشاء، أقدمها يعود لعام 1108 هـ، هذه النقوش تثبت أهمية القلمون كواحدة من المراكز الحضرية البارزة في العصر العثماني.
أسماء العائلات ودورها في التاريخ
كان للعائلات المحلية دور كبير في إدارة شؤون القلمون، يقول الباحث الأثري الدكتور محمود صالح، بمنطقة آثار مركز الداخلة، إن بعض العائلات، مثل "الكاشف" و"الشاهد"، تولت مناصب إدارية هامة في عصر المماليك والعثمانيين، عائلة الكاشف كانت مسؤولة عن تحصيل الضرائب وحفظ الأمن، بينما تخصصت عائلة الشاهد في تسجيل عقود الملكية وإدارة شؤون الآبار الزراعية.
دعوة لتوثيق التراث وحفظ الوثائق
يدعو أهالي القلمون إلى ضرورة توثيق تاريخ القرية وتراث الواحات بصفة عامة، يقول يحيى شاهين، أحد أبناء القرية، إن الوثائق والمخطوطات التي يحتفظ بها الأهالي تحتاج إلى جهود متخصصة لحمايتها من الضياع.
يؤكد شاهين أن هذه الكنوز تمثل جزءًا أصيلًا من هوية الواحات ويجب أن تُعرض في متاحف أو تُوثق في كتب علمية.
القلمون بوابة الماضي إلى الحاضر
ختاما القلمون ليست مجرد قرية صغيرة في قلب الصحراء، بل هي نافذة على عصور تاريخية مليئة بالأحداث والتطورات، بين معابدها القديمة ووثائقها النادرة، تحمل القلمون إرثًا ثقافيًا وإنسانيًا يستحق الحفظ والتقدير، إنها قصة مجتمع واعد في قلب الصحراء، يتحدى الزمن ليحافظ على هويته وتراثه.
فيديو قد يعجبك: