''فرط الحركة''.. مرض يصيب 4 من كل 70 طفلاً.. و''المكافأة'' السر فى علاجه
تحقيق - علياء أبو شهبة:
لم يعرف ''رامز'' الطفل الذي لم تتجاوز سنوات عمره الثمانية سبب غضب والدته الدائم منه وعقاب والده المستمر له، والذي يتنوع ما بين الضرب والسب، والذي زاد مع دخوله المدرسة، والسبب الوحيد الذي يري ''رامز'' أنهم يعاقبونه من أجله هو اللعب، فهو يحب الجري والقفز ويكره المدرسة وكذلك مدرسته التي تعاقبه باستمرار.
والدة ''رامز'' شاركته المعاناة، حيث لاحقتها الاتهامات الدائمة بالإفراط في تدليل ابنها، وكان دائما اهتمامها الزائد بابنها سبب انتقاد المحيطين لها، وحتى أشقاء ''رامز'' يشعرون بالغيرة من أخيهم ''الشقي''، وخاصة أنه دائم الرسوب في المدرسة، بخلاف شقيقه الأصغر منه بعام.
حيرة والدة ''رامز'' تشاركها فيها آلاف السيدات، وقد أرشدتها إحداهن إلي الذهاب لوحدة الصحة النفسية للأطفال في مستشفى العباسية للصحة النفسية.
ترددت ''أم رامز'' في البداية، ولكن يأسها دفعها للذهاب، وعرفت أن ابنها مصاب بمرض ''اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه'' والمعروف علميا باسم ''ADHD''، ومعدل الإصابة به هو من 3 إلي 5 %، ويزداد في بعض الأحيان ليتراوح ما بين 10 إلي 12%، وذلك وفقا للإحصاءات العالمية، بمعني أنه في المتوسط في كل فصل دراسي به 70 طالب يوجد 4 أطفال مصابين بالمرض، وأبرز أعراضه ''النسيان'' و''عدم التركيز''.
يوجد 8 وحدات حكومية للطب النفسي تتخصص في معالجة هذا المرض، وسعر الجلسة 10 جنيهات ونصف الجنيه، وتكلفة الاختبار النفسي 30 جنيها، هذا إلي جانب المراكز الخاصة، وتتواجد هذه الوحدات التابعة لوزارة الصحة في العباسية وحلوان وبنها وبني سويف وأسيوط والخانكة والإسكندرية وبورسعيد.
ويظهر هذا المرض عادة في بداية مرحلة الطفولة، ولكنه يتم اكتشافه عادة في بداية سن دخول المدرسة؛ حيث يبدأ حينها الأهل في البحث عن سبب تأخر أبنائهم الدراسي، ولكن المعضلة الكبرى كما توضح الدكتورة ''برسيس فكري'' - أخصائي الطب النفسي - أن الكثيرون يتخوفون من خضوع أبنائهم للعلاج النفسي، ليستمر المرض لديهم حتى تنتهي أعراضه مع البلوغ وذلك بنسبة 50%، ولكن حينها يكون الطفل فقد ثقته بنفسه وتعرض للكثير من الإصابات الجسمانية نتيجة لنشاطه الزائد من جهة، ونتيجة العنف معه علاوة على إحساسه الدائم بالفشل الناتج عن عدم قدرته على التركيز.
''والدة مينا وكيرلس'' ظلت تبحث طويلا دون أن تفقد الأمل لتعرف سبب مشكلة ابنها ومن أين تبدأ العلاج، فلم تترك بابا إلا وطرقته، فقد كانت تتألم أكثر من ابنها كلما ضربته لتصلح من سلوكه، ولم يتملكها اليأس بعد عرض ابنها الأكبر مينا على طبيب نفسي بناء على نصيحة أطباء الأطفال، والذي أكد لها أنها بحاجة للعلاج النفسي لأن ابنها ''شقي شويتين''، وحتى وحدة علاج الطفل بمستشفى ''الدمرداش'' لم تجد فيها السبيل لعلاج ابنها، إلي أن تعرفت على وحدة علاج الطفل بمستشفى الصحة النفسية بالعباسية.
تقول ''أم مينا'' أنها وجدت ضالتها المفقودة لتؤكد لزوجها وكل المحيطين بها أن ابنها مريض ولكنها ثابرت من أجل معرفة طبيعة مرضه، فهي تقول إنها لم تنل القسط الوافر من التعليم، ولكن لديها المثابرة والحافز لتجعل أبنائها في وضع أفضل منها.
''والدة يوسف'' - الذى لم يتجاوز عمره التسع سنوات - لاحظت عليه منذ صغره ''الشقاوة الشديدة'' فضلا عن عدم قدرته على الاندماج مع من هم في مثل عمره، فضلا عن عدم قدرته على التركيز في أي لعبة مهما كانت بساطتها، وزاد شعورها بالمشكلة عندما أصبحت شقيقته الأصغر تسبقه في تركيب ألعاب البازل، بل ومع تكرار فشله الدراسي الذي دفعها لنقله من مدرسة لأخري، تأكدت من معاناته من مشكلة ما تعرفت عليها من خلال إحدى والدة زميل له في المدرسة، والتي عرفتها بطريق العلاج.
توضح ''والدة يوسف'' أنها جربت معه الكثير من الطرق ما بين الثواب والعقاب وحتى ''اليوجا'' التي تعلمتها من أجله، ولكن الأساليب العلاجية التي تعلمتها بعد تشخيص مرضه ساعدتها كثيرا.
وتقول الدكتورة إيمان جابر - الطبيبة بإدارة الأطفال بالأمانة العامة للصحة النفسية بمستشفى العباسية - أن 75% من أسباب الإصابة بالمرض تكون وراثية، كما أنه ليس له أي صلة بزواج الأقارب، وفي الأغلب ينتقل من الأب، ويفسره الكثيرون على أنه ''شقاوة'' زائدة من الطفل.
والعلاج يشمل العمل على ثلاثة محاور هم ''الطفل ووالديه والمدرسة'' بإعطائهم تعليمات بجلوس الطفل في الصف الأمامي في الفصل بعيدا عن الباب أو الشباك أو أي عنصر يمكن أن يشتت انتباهه، إضافة نداءه باسمه طوال الوقت، فضلا عن مساعدته على تنظيم وقته.
يأتي ذلك إلي جانب جلسات تعديل السلوك، مع التوصية المشددة بممارسة الرياضة، ويتم اللجوء إلي الدواء في حالات محدودة، وتعتبر ''المكافأة'' هي كلمة السر في التعامل مع الطفل في هذه الحالة لأنه يبحث عنها وتساعده على الشفاء.
وتوضح الدكتور هبة محمد صبري - مدير عيادة الطب النفسي للأطفال بمستشفى العباسية للصحة النفسية - أن العيادة خصصت هذا العام جانب من نشاطها للاحتفال بالأسبوع العالمي للتوعية بمرض فرط الحركة ونقص الانتباه لدى الأطفال، تحت شعار '' دي مش شقاوة ولا إهمال.. دي فرط حركة ونقص انتباه''، وذلك من خلال تنظيم ندوات للتوعية والتعريف بالمرض وطرق علاجه في المدارس ومراكز الشباب والنوادي الاجتماعية والوحدات الصحية والكنائس، للمساعدة على اكتشاف المرض وعلاجه.
فيديو قد يعجبك: