الحاكم بأمر الله.. ''المُفتري'' و''المفترى عليه''
كتبت - منى قطيم:
جمع في فترة عهده بين النقائض، بين خدمة العلم ومحاربته، بين بناء الجوامع وهدمها، بين نشر العدل والتحكم في الشعب، ليصبح الحاكم بأمر الله ''أيقونة'' على مر العصور ويصبح لقبه صفة يوُصف بها كل حاكم يأُمر وينهى ويتحكم في شعبه وكأنه ورثه الخاص، وفي مثل هذا اليوم 3 ديسمبر منذ حوالي ألف وستة عشر عاماً كانت مصر على موعد مع حكمه.
''الحاكم بأمر الله''.. هو المنصور بن العزيز بالله بن نزار، ولد في سبتمبر عام 985، وكان وقت توليه حكم مصر في عداد الأطفال؛ فعمره لم يكن يتجاوز الحادية عشر عاماً، فلقد تولى بعد وفاة والده مباشرة فهكذا جرت العادة، فوقتها لم يكن هناك استفتاء ولا انتخاب إنما توريث مباشر، وبتقاليد الحكم عين وصي للحاكم الصغير الذي يحمل الترتيب السادس للخلفاء الفاطميين، لكن لم تمر سوى أربع سنوات حتى انفرد الحاكم بأمر الله بالسلطة وبالمصريين.
هناك بعض الأشخاص بمجرد سماعهم أسم ''الحاكم بأمر الله'' يتبادر إلي أذهانهم ذلك الحاكم الذي منع أكل ''الملوخية'' و''زرع العنب''، و''صيد الأسماك''، وأجبر الشعب على أن يكون ''حافي القدمين''، وقائمة طويلة من الممنوعات التي لم يكن لها سبب سوى التحكم في العباد لا شيء أكثر ولا أقل، على حد علمهم.
وهناك من رأى فيه الحاكم المختل عقلياً غير السوي في تصرفاته، المحب للدماء حتى أنه قيل أن القتل عنده كان جزاء لمن يخطئ ولو كان الخطأ تافه؛ فلقد قتل أعداد مهولة من حاشيته وموظفيه وتابعيه، بالإضافة لواقعة حرقه لمدينة القاهرة، كما أكد الكثير أنه كان سبب في الترويج للحملات الصليبية بإقدامه على هدم كنيسة القيامة، ليس هذا فقط فلقد حُكي عنه أساطير في اضطهاد اليهود والنصارى.
''الحاكم بأمر الله'' الذي عُرف عنه ولعه بالعلم والأدب في الصغر، هو نفسه الشخص الذي قيل أنه استساغ فكرة ''تأليهه'' التي دعا لها أشخاص مثل ''الفرغاني'' و''حمزة اللباد''، ومضمون دعوتهم أن الإله يحّل في الحاكم ووصل الأمر للدعوة بعبادة الحاكم بأمر الله.
على الجانب الأخر، سنجد العكس تماماً؛ سنجد فريق يؤكد أن كل ما قيل عن تحكمات الحاكم بأمر الله ما هي إلا مجرد زييف وتشويه للحقائق كجزء من الحرب بين العباسيين والفاطميين، لترى أن نظرتهم له مغايرة تماماً فهم يروا فيه الحاكم المؤمن الزاهد العادل القوي المحب للعلم حتى وصل الأمر بهم لتدليل على ذلك من خلال لقبه فهو يحكم بشرع الله وأمره، ليكملوا على ذلك ما قام به من استكمال الجامع الذي بدأه والده قبل موته والمعروف حالياً بمسجد الحاكم بأمر الله إلى جانب عدد من المساجد.
أما عن حُبه للعلم؛ فدللوا على ذلك بأنه قام ببناء ''دار الحكمة'' وجهزها بكل ما يحتاجه العلماء وأقام بها مكتبة عظيمة، وأكدوا على عدله من خلال العقوبات الغليظة التي فرضها على كل من يبخس الموازيين، ليس هذا فقط فلقد أكدوا أن عهده كان أمن وأمان لدرجة جعلت من التجار يذهبون إلى بيوتهم ليلاً بدون غلق ''دكاكينهم''، وأن ما قيل عنه في حبه للدماء كان افتراء؛ فكل ما قام به من قتل كان بغرض تعزيز قوة ملكه، حتى في منعه للشعب من أكل ''الملوخية'' دافعوا عن ذلك بأن نبات الملوخية وقتها كان به يرقة تصيب أكيليها بـ''البلهارسيا''، وأن منعه لبيع العسل والعنب كان لصنع الناس الخمر منه.
وكما كانت حياته محور للتناقض والغرائب، فكان موته حلقة في سلسلة الغموض والأساطير التي ميزت فترة حكمه؛ ففي يوم خرج الحاكم بأمر الله وتحديداً في العام1021، كعادته بعدما أسدل الليل ستائره وذهب على ظهر حماره إلى المقطم وحده، لكنه لم يعود حتى الآن - على حسب رواية الفريق الذي يعتقد أن الحاكم بأمر الله هو ''المهدي المنتظر'' - وأنه أختفى ولكنه سيعود في يوم من الأيام، وحتى الآن هناك من ينتظر عودته .
أما الفريق الأخر؛ فقد أطمأن لصحة خبر مقتله بعدما وجدوا حماره مجروح في قدميه وإن لم يكن وجود لجثة الحاكم، ليؤكد البعض أن شقيقته هي التي قتلته، ليبقى ''الحاكم بأمر الله'' هو أكثر شخص أرهق التاريخ في تصنيف عهده وغموض نهايته.
فيديو قد يعجبك: