فيسك: فوز مرسي هو لحظة الموت الحقيقي لمبارك
كتبت – سارة عرفة وسامي مجدي:
''لن أجيب على هذا السؤال''.. كان هذا رده عليّ حينما سألته في نهاية حديث معه عن رؤيته لمستقبل مصر في ضوء متابعته للأحداث التي مرت بها القاهرة على مدى أكثر من عام ونصف منذ أن تخلى الرئيس السابق حسني مبارك عن السلطة، حتى انتخاب الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني إسلامي لمصر.
ما يقرب من ساعة تحدث الكاتب الصحفي روبرت فيسك، مراسل جريدة الإندبندنت في الشرق الأوسط، إلى مصراوي عن الأحداث في الشرق الأوسط وكان لأم الدنيا فيها النصيب الأكبر خاصة أن اللقاء كان بعد يومٍ واحد من إعلان الدكتور محمد مرسي رئيسا لمصر كأول مدني ''إسلامي'' يتولى هذا المنصب الرفيع.
فوز مرسي ووفاة مبارك
يرى فيسك أن فيما كان إعلان فوز مرسي لحظة تاريخية في عمر مصر، فإنها أيضا لحظة النهاية الحقيقية للرئيس السابق حسني مبارك، وقال ''كانت لحظة تاريخية في ميدان التحرير وفي نفس الوقت كانت لحظة الموت الحقيقي لمبارك سياسيا.. وهي أيضا لحظة موت الديكتاتورية التي لا أعرف إن كانت ستعود مرة أخرى أم لا؟''.ورغم مقولته هذه بأن فوز مرسي إعلان موت مبارك سياسيا إلا أنه قال إن الرئيس الجديد يبدوا وكأنه ''ظل رئيس'' بالنظر إلى حل مجلس الشعب والإعلان الدستوري المكمل الذي سلبه أغلب صلاحياته، وجعله مثل أداة تنفيذية لقرارات المجلس العسكري الذي احتفظ لنفسه بصلاحيات تشريعية كاملة وتنفيذية مؤثرة للغاية.
وعاد فيسك بذاكرته إلى الوراء إلى شهر يناير وفبراير 2011، أيام الثمانية عشر يوما، وقال إن ''كل من كان في الميدان وقتها كان هدفه الإطاحة مبارك، فقط الإطاحة به.. وماذا عن الجيش وماذا عن طنطاوي (المجلس العسكري)؟؟.. ولم يكن لدى أيا من الشباب مشروع محدد.. والإخوان كانوا في غاية الذكاء''.
وتابع قائلا: ''أعرف أن الجيش المصري ليس كالجيش في الجزائر سوريا أو العراق أو اليمن أو ليبيا هناك فرق كبير.. لكن ما أعرفه أيضا أن مهمة الجيش هي الدفاع عن الناس، لكن ليس بإعلان دستوري مكمل ولا بحل البرلمان و(لا بالضبطية القضائية)''.
الجيش المصري مختلف
وأضاف أن ''المشكلة هي أن الجيش لديه مشاريع اقتصادية ضخمة (تقول تقارير أن اقتصاد الجيش يقدر بـ ثلث اقتصاد مصر)، كما أن كبار قياداته فاحشو الثراء.. وهذا نتاج المعونة العسكرية الأمريكية التي تقدر بـ 1.3 مليار دولار.. أعلم أن الجنرالات في الغرب اثرياء أيضا، لكن هذا يكون بعد أن يتقاعدوا من الخدمة!!''.وضرب مثالا بما فعله الجيش الجزائري مطلع تسعينات القرن الماضي من قمع وقتل للإسلاميين، حيث قتل أكثر من 200 ألف جزائري خلال تلك الفترة، وقال إنه كان شاهدا على الأحداث، وأشار إلى أن الجيش في مصر عمل على بث الخوف والرعب في نفوس الثوار.
وكان مما ذكره أيضا مقابلة أجراها هو وزوجته في شارع جانبي قرب مجلس الشعب مع أحد ضباط 8 أبريل العسكريين الذين انضموا إلى الثوار في ميدان التحرير ويحاكموا الآن عسكريا، وأشار إلى أن الضابط الشاب الذي قابله متعلم جيدا ويتحدث الانجليزية بطلاقة، وأنه أراد إحداث تغيير حقيقي.
سعد زغلول ومرسي وشفيق
وعقد الكاتب البريطاني مقارنة بين الدكتور محمد مرسي الرئيس الجديد لمصر والزعيم الراحل سعد زغلول زعيم ثورة 1919، وقال إن هناك اختلافا شديد، فزغلول – كما قال فيسك – ''كان زعيما ثوريا وقوميا، وكان يريد أن يعيش في مصر حديثة تقدمية علمانية، أما مرسي فأرادها إسلامية دون أن يتحدث عن الأقباط''.. وتعجب من مقولة السادات ''أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة''، وقال ''كنت وقتها في بيروت وصعقت عندما سمعت هذا''.وبالنسبة لأحمد شفيق الذي كان منافسا لمرسي في الانتخابات، فقال ''إنه كان يمثل النظام القديم، وأراد أن يروع مصر .. وهذا هو معنى الأمن الذي تحدث عنه''.
وشبه الصراع بين مرسي (الإخوان) وطنطاوي (المجلس العسكري) كالصراع بين سعد زغلول وبين المندوب السامي البريطاني في مصر في عشرينات القرن الماضي.
وردا على سؤال عن إمكانية أن ينفذ مرسي برنامجه الانتخابي وبرنامج الجماعة ''النهضة''، في ظل وضعه الحالي وصلاحياته المحدودة، قال فيسك إنه سيواجه صعوبة في ذلك، والسبب الرئيسي هو عدم وجود دستور حقيقي يحدد العلاقة بينه وبين العسكر ويحدد شكل العلاقة بين السلطات. وزاد ''المشكلة أيضا أن المجلس العسكري يأخذ خطوات سريعة وكبيرة، إضافة إلى الدولة العميقة والبيروقراطية في مصر''.
بماذا تفكر أمريكا وإسرائيل؟
وانتقل للحديث عن الولايات المتحدة وإسرائيل، وطرح سؤالا ''في ماذا تفكر الولايات المتحدة وإسرائيل؟''، وقال إن الإسرائيليين والسعوديين استوعبوا الدرس ولم يتصلوا بالرئيس الأمريكي كما فعل نتنياهو وآل سعود في بداية الثورة وطالبوا أوباما أن يحافظ على نظام مبارك، الذي عمل على تعجيز المصريين من خلال تعجيز الشعب المصري وشل قدرته بتعليم مزيف وصحافة مزيفة وسياسية مزيفة.. كل شيء كان مزيفا''.وأشار إلى ما قاله الصحفي الإسرائيلي جيدون ليفي ''على إسرائيل أن تقول مبروك لمصر.. نريدها ديمقراطية!!''، وهو ما فعله نتنياهو وأعلن ترحيبه بالانتخابات الرئاسية المصرية وما أفرزته، لا لشيء سوى لأنه لا يستطيع الاتصال بأوباما الآن كما فعل من قبل.
ورأى فيسك أنه كي تتقدم مصر وتلحق بركب التقدم عليها أن تهتم بثلاثة أشياء هي ''التعليم والسفر والتكنولوجيا''، وذكر مقولة كان قد قالها في لقاء سابق مع مصراوي وهي: ''متى كسرت حاجز الخوف فلن تشعر به مرة أخرى''.
الكل يبحث عن مصالحه
وانتقل للحديث عن الأوضاع في الشرق الأوسط، وقال إن الغرب لا يتحدث عما يجري في البحرين والسعودية والفساد فيها ''لأنه حليفا للملك (العاهل السعودي) ولأنه تحتاج إلى بترول وأموال الخليج والقواعد الأمريكية هناك''.أما عن سوريا وما يحدث فيها، قال فيسك إن ''بشار سيبقى في الحكم فترة طويلة أكثر مما نتصور، وأن الغرب يخطأ عندما يحث شيء كبير ويقول إن هذه هي نقطة التحول، وهذا يرجع إلى حركة البعث المتأصلة في سوريا، وسيطرة العلويين على الجيش كذلك خوف المسيحيين''.
شيء آخر قاله فيسك وهو أن ''الكل يبحث فقط عن مصالحة من السعوديين والقطريين الذين يريدون الإطاحة بالأسد لإضعاف إيران، وروسيا التي تريد الحفاظ على طرطوس، وأوروبا والغرب يريدون الحفاظ على خطوط توصيل البترول إليهم، وإيران التي تريد بقاء العلويين في الحكم وكذلك دعم حلفها حزب الله في لبنان.. الكل لديه مصالح ويريد الحفاظ عليها''.
مستقبل مصر بأيدي أبناءها
وكان رده على سؤال عن رؤيته لمستقبل مصر بأن رفض الإجابة، وزاد على ذلك بأن قال: ''لا تسأل أحد غير مصري عن مستقبل مصر.. لا تسأل الغرب.. ولا أمريكا.. ولا ناعوم تشومسكي.. ولا أنا.. فقط اسأل المصريين.. أسألوا أنفسكم ماذا تريدون؟''.اقرأ أيضا:
فيديو قد يعجبك: