سر ''تخاذل'' السعودية تجاه أزمة ''الفيلم المسيء''
تحقيق - محمد أبو ليلة:
في الثامن والعشرين من شهر إبريل من العام الحالي قامت المملكة العربية السعودية بسحب سفيرها لدي مصر، أحمد عبد العزيز القطان، وذلك اعتراضا علي الاحتجاجات التي قام بها بعض المصريين أمام السفارة السعودية بالقاهرة،اعتراضا علي إلقاء القبض علي المحامي المصري أحمد الجيزاوي في مطار جدة،واتهمت السلطات السعودية المحتجين أمام السفارة بإهانة ''الذات الملكية''المتمثلة في شخص ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.
هذه الخطوة، كانت رسالة شديدة اللهجة لمصر بأن تمنع التظاهر ضد ملكالسعودية، لكي تحافظ علي العلاقات بين البلدين، من يشاهد الموقف السعودي وقتها ستراوده فكرة أن السياسية الخارجية السعودية قوية وتستطيع أن تصونكرامة شعبها وملكها، حتى لو تمت إهانته من بلد عربي شقيق..كما بررت السلطات السعودية عملية سحب السفير..
موقف دبلوماسي متخاذل
لكن الغريب في الأمر أن الموقف الرسمي والشعبي للملكة العربية السعودية بات ضعيفا، من أزمة الفيلم المسيء لنبي الإسلام ''محمد''، على الرغم أن السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحمل اسم النبي ''محمد'' علي علمها الأخضر، الأغرب من ذلك أنه يوم الأحد الماضي تحدث الأمير سعود الفيصل وزير خارجية السعودية، هاتفيا، مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، ( أي بعد نشوء الأزمة بـ 6 أيام )، وقد خصص جزء من المكالمة لإدانة إنتاج الفيلم المسيء للرسول، ثم تطرق في الجزء الأخر لإدانة أعمال العنف التي تعرضت لها البعثات الدبلوماسية الأمريكية في بعض البلدان الإسلامية جراء عرض الفيلم.
شتان الفارق بين الحادثتين وبين موقف السعودية من كل منهما، حادثة إهانة بعض المصريين لملك السعودية وما ترتبط عليه من سحب سفيرها لدي القاهرة، وحادثة إهانة بعض الأمريكيين لرسول الإسلام، أي رسول ''ملك السعودية''، وما ترتب عليه من إدانة وزير الخارجية السعودي للحادث فقط بعد وقوعه بـ6
أيام!.. السؤال هنا، لماذا بات الموقف السعودي ضعيف من هذه الأحداث؟ وما السر وراء ذلك؟..
السعودية حليفة لأمريكا
the text
يقول الدكتور جمال زهران - أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس - أنه لم يشاهد أي رد فعل حقيقي من الجانب السعودي إزاء ما حدث، مما أصابه ذلك بدهشة شديدة، خاصة حينما رأي أن موقف السعودية هو نفسه موقف معظم دول الخليج، مضيفا أن السياسة الخارجية السعودية تسير في طريق محدد وهو الولاء لأمريكا قلبا وقالبا.
كما قال''السياسة الخارجية السائدة لهذه الدول هي حليفة لأمريكا فلذلك لا نسمع لها ''بنت شفه'' لمجرد رد فعل سلبي أو أي تحرك شعبي وكأن ما حدث من إهانة ليست لرسول الإسلام، هذا الأمر يختلف في مصر فلدينا في إطار زخم الثورة، كان هناك رد فعل شعبي وهذا يوضح أن في مصر شيء أخر غير بعض الدول الخليجية فنحن لدينا الإسلام الوسطي الحقيقي ولذلك تجد الغيرة علي الإسلام عالية جدا''.
7 قواعد أمريكية في السعودية
تحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية بأكثر من ألف قاعدة عسكرية في أكثر من130 دولة من دول العالم، تتنوع مهامها من القيام بالواجبات العسكرية المباشرة أو أعمال الدعم و الإسناد '' اللوجستي'' أو القيام بعمليات حفظ السلام تحت شعار الأمم المتحدة، وفي الخليج العربي يوجد ما يقارب 18 قاعدة أمريكية، 7 قواعد منها في السعودية وحدها إلي الأن.
فقد أكد الخبير العسكري اللواء طلعت مسلم أنه قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقبل الأحداث الإرهابية في مدينة الخبر السعودية، كان عدد القواعد الأمريكية في السعودية، يصل لأكثر من 12 قاعدة عسكرية، لكنها بعد هذه الأحداث استقرت علي 7 قواعد فقط، هما قاعدة الرياض الجوية، بالإضافة لقاعدة الملك عبد العزيز الجوية وقاعدة أبها وقاعدة الملك فهد الجوية بجدة، وقاعدة الظهران الجوية، وأيضا قاعدة الأمير سلطان الجوية بالرياض،
وقاعدة الطائف الجوية، مضيفا أن هذه القواعد تعتبرها أمريكا قواعد احتياطية تستخدمها وقتما تشاء.
الجدير بالذكر أن قاعدة الأمير سلطان الجوية التي تعتبر أحد مراكز قيادة القوات الجوية الأميركية الإقليمية المهمة، كانت تحتوي علي 5 آلاف جندي من الجيش وسلاح الجو الأميركي، وأكثر من 80 مقاتلة أميركية، وقد استخدمت هذه القاعدة في إدارة الطلعات الجوية لمراقبة حظر الطيران الذي كان مفروضا على شمال العراق وجنوبه إبان فترة العقوبات الدولية.
كما كانت تعمل مركزا للتنسيق بين عمليات جمع المعلومات والاستطلاع والاستخبارات الأميركية في المنطقة، حتى جاءت حرب العراق وانتقل علي إثرها4500 جندي أميركي إلي قطر، وتبقي بالسعودية 500 جندي أميركي فقط، ظلوا متمركزين فيما يعرف بـ''قرية الإسكان''.
قمع المظاهرات يمنع الاعتراض الشعبي
بعد أن بات الموقف الرسمي للسعودية من الفيلم ضعيف، تساءل البعض عن الموقف الشعبي، ولماذا لم تحدث احتجاجات ذو صدي واسع مثلما حدثت في دول الربيع العربي؟؛ لكن يبدو أن الإجابة كما قالها الدكتور جمال زهران ''أن السلطات السعودية تمارس قمع وديكتاتورية علي شعوبها إذا أرادوا التظاهر والتعبير عن رأيهم، لذلك لا تجد تظاهرات مؤثرة فأصبح كثير من الشعب السعودي مصاب بالخمول''.
ربما يتفق الكثير مع كلام ''زهران'' لأنه في الثالث من شهر مارس لعام 2011 خضعت المملكة العربية السعودية لمجموعة من الاحتجاجات الشعبية للمطالبة، بإطلاق سراح السجناء السياسيين وإصلاحات سياسية واقتصادية، لكن سرعان ما تم احتواء هذه المظاهرات من قبل النظام الحاكم، الذي قدم للمحتجين بعض الوعود بإصلاحات سياسية ومكافحة للفساد، ومنذ ذلك الحين لم تتعرض السعودية لأي احتجاج شعبي يؤثر علي الرأي العام السعودي أو العربي ككل .
فيديو قد يعجبك: