أطفال سوريا على خطى ذويهم في الانقسامات السياسية والاجتماعية
دمشق - (د ب أ):
''رح نفرجيكن عنا طيارات كتير غيرها، بدنا نقصفكم فيها على طول ونقصف عمركن..'' هكذا يقول حسن وهو طفل في الحادية عشرة من العمر، ملوحا بيده ومهددا جاره ورفيقه في الملاعب خالد، حيث يعيشان في بناء متجاور لبعضهما في منطقة برزة، أحد أحياء العاصمة السورية التي تضم تنوعا من مختلف الأطياف الاجتماعية.
يرد خالد متحمسا وبلهجة عامية أيضا ''نحن أكتر منكن ومن طياراتكن، وبدنا ندمر طياراتكن ودباباتكن... بكرا بتشوف.. ''.
هذا '' التحدي '' بين طفلين لم يتجاوزا 12 عاما الذي يحدث بعد أن شاهدا من شرفة منزلهما طائرة حوامة تابعة لجيش النظام، أسقطتها نيران المعارضة المسلحة قرب حي القابون المنتفض، يشكل مؤشرا على مدى خطورة الصراع الدائرة في سوريا راهنا ومستقبلا.
إذ أن هذا التهديد والوعيد بين طفلين تجاورا لسنوات في منطقة برزة التي تشهد بعض أحيائها انخراطا مستمرا في الحراك العام ضد سلطات النظام السوري، ليس نادرا وقد يتكرر في العديد من الأماكن وفي معظم الأوقات، كما انه يمثل اختلاف وجهات النظر بين الأهل، وهو ما يلقي بظلاله على الأطفال السوريين الذين زاد تعلقهم وانشغالهم، كما ذويهم في متابعة أخبار القتال الدائر في البلاد بين السلطة والمعارضة واصبح حديث الكبار عن السلاح وأنواعه وعدد الضحايا، أمرا شبه اعتيادا أمام الأطفال الأبرياء.
يقول جرجس الحوش وهو طبيب أمراض نفسية، أن معظم الحالات المرضية التي تصلنا تكون بسبب التعب النفسي والإرهاق والقلق والتوتر مما يؤثر سلبيا في الشخصية الإنسانية خاصة في ظروف كالتي تعيشها سورية ، واخطر الحالات هي حالات الأطفال التي تحتاج الى وقت أطول للعلاج . إن تزايد حدة العنف في شخصية الأطفال السوريين بدت واضحة جدا.
ومع كل لقاء بين حسن وخالد يتجدد ''التناحر'' بأساليب وطرق مبتكرة، ذات مرة رفع حسن صورة الرئيس بشار الأسد، فما كان من خالد إلا أن رفع علم الثورة في مواجهته وكتب عليه حرية للأبد رغما عنك يا ''حسن'' ولعل خالد بمداورة ذكية من أهله فضل اسم حسن جاره ''الخصم'' على اسم ''الأسد'' لأن ذلك سيكون مكلفا اكثر رغم ان رفع علم الثورة أيضا مكلفا .
ويؤكد سامح وهو صاحب متجر للأطفال أن نسبة مبيعات ألعاب العنف لدى الأطفال السوريين زادت بشكل لافت ''يطلبون فورا أنواع أسلحة ويصرون على أهاليهم ان تكون كبيرة نسبيا لأنهم يريدون أن يسقطون طائرات العدو''.
الانقسامات الحادة والتي تأخذ شكلا وبعدا طائفيا تشمل الكبار قبل الصغار وتبدو واضحة مؤخرا حتى في السلوك العام ، فعلى سبيل المثال تابعية الشخص جغرافيا تلعب دورا ما تسيير أموره في بعض المفاصل العامة لاسيما الأمنية منها.
يقول موفق ''تم استدعائي لاحد الفروع الأمنية، السؤال الأولي لم يكن على خلفية نشاطي او مواقفي السياسية انما من اي منطقة انت ؟ قلت له من سقبا ( احدى ضواحي دمشق المنتفضة ) لم أكاد انهي جوابي ، صرخ صوتا طاول الفضاء لشدته ، شاتما منطقتي وأهلها المنتفضين''. ويضيف موفق وهو بائع خبز متجولا في سيارته '' اعرف الكثير من أصدقائي تم التحقيق معهم أثناء مرورهم على الحواجز الأمنية ، لمجرد ان سجل ولادتهم حسب البطاقة الشخصية ،هذه المنطقة أو تلك ، التي تقف في وجه النظام ''.
وترى نانسي وهي سيدة في عقدها الرابع تقريبا وتملك جاليري '' انتيك '' ان الأمر ليس كذلك ، و تقول'' لا أريد ان اصدق أن السوريين وصلوا إلى هذا الحد من الانقسام السياسي والطائفي لكن في نفس الوقت لم يعد بمقدوري أن أعيش في الوهم أو الخيال ، واقعنا بات صعبا جدا اسمع الأصوات المنقسمة بشكل حاد ومن كل الأطياف بشكل واضح ربما لم نكن كذلك، طبعا لم نكن كذلك ليس بفضل السلطات إنما بوعي السوريين وثقافتهم العريقة، لكن النظام يروج ويتصرف وكأنه شارك في وضع الأبجدية السورية التي أعطيت إلى العالم''.
ويعتقد ''أبو حسان'' إن الانقسامات الحادة التي أصابت المجتمع السوري بشيبه وشبابه وأطفاله إنما هي كانت نتيجة تراكمات قديمة تعود لعقود من سياسات ''النظام'' الذي كرس هذه الخلافات الاجتماعية والطائفية.
ويضيف ابو حسان الذي كان يعمل مدرسا لمادة التاريخ في عدد من المدارس والمعاهد السورية قبل ان يتقاعد ''الذي حصل مؤخرا دليل إضافي لما اقول، أكثر من سنة ونصف من عمر الأزمة ليس زمنا كافيا لخلق كل هذه المشاكل والفرقة بين ابناء المجتمع الواحد، لو لم يكن تراكم، لما وصلنا الى ما نحن عليه هذه الأيام''.
وتقول منظمات حقوقية وإنسانية وطبية ان الاقتتال الراهن اودى بحياة مئات الأطفال وشرد الالاف، كما خلقت الحرب الدائرة عاهات مستدامة لألاف منهم، بعضها نفسية ومنها جسدية فضلا عن ذلك فان الظروف قذفت ببعضهم إلى ساحات المعارك والقتال.
ويختلف عمران مع هذه الآراء طبعا كونه يعتمد على معطيات تؤيد سياسات النظام قائلا '' النظام ليس طائفيا، لديه مسؤولين من كل الأطياف، قد يقول البعض إن ذلك ليس منة من النظام على الشعب، هذا حق السوريين أن يشاركوا في كل مفاصل الحياة العامة في بلدهم، لكن أقول أن النظام كان بمقدوره ان يمنع ذلك ولم يفعل ، كان يمكن أن يحتكر كثيرا من الجوانب الاقتصادية.، لا أحد ينكر أن الحياة السياسية مغيبة منذ عقود في سورية لكن الأزمة اليوم في مكان آخر، لدينا أعداء في الداخل ومن الخارج''.
ويتابع عمران، اعلم أولادي ان لا يتحاورون مع ''الأعداء الإرهابيين'' لأن السلطة تأخذ ولا تعطي.
فيديو قد يعجبك: