مصر وإثيوبيا.. تاريخ طويل من الصراع المائي
كتبتا– هبة محسن وهند بشندي:
مصر وإثيوبيا، تاريخ طويل من العلاقات، تربط البلدين، نظرًا لكونهما شريكتين مع باقي دول حوض النيل في مياه نهر النيل، وهو تاريخ يشوبه العديد من الصراعات والخلافات.
الصراع المصري – الإثيوبي، له تاريخ ممتد منذ نحو 150 عامًا، وله العديد من الأبعاد والجذور.
"بداية الصراع"
قال الدكتور مغاوري شحاتة، خبير المياه العالمي، إن إثيوبيا اكتشفت أهميتها كدولة منبع وأهمية مصر كدولة محورية، ويشير إلى أن هناك أمورا مشتركة جعلت إثيوبيا في حالة تنافس مع مصر من الناحية التاريخية، جعل تهديد الأمن المائي المصري من قبل إثيوبيا أمرا ليس بجديد.
العلاقات بين الدولتين، مرت بفترات تعاون طويلة، خاصةً في فترة الكنيسة المصرية، التي كانت تشرف على الكنيسة الحبشية قبل استقلالها، وفي عام 1902 بعد استقلال الحبشة عن إيطاليا، تم توقيع اتفاق بين انجلترا عن مصر والسودان وبين الحبشة كدولة مستقلة، تتعهد فيها الحبشة، إثيوبيا الآن، بعدم القيام بأي منشآت على نهر النيل، من شأنها أن تعيق وصول المياه لمصر، وهو الاتفاق الذي اعتبرته إثيوبيا فيما بعد مجحفًا لها ووصفته بـ"الاستعماري".
وأكد ملس زيناوي، رئيس وزراء إثيوبيا السابق، في اتفاق عام 1993 على نفس المعنى، وندمت إثيوبيا على هذا الاتفاق، الذي لم يتم تفعيله وتوقف العمل به بعد توقيعه، كما لو كان حبرًا على ورق- بحسب ما ذكره خبير المياه العالمي.
تاريخ التعاون بين البلدين، لم يستمر طويلاً، وسرعان ما ظهر الصراع بينهما على السطح، فكان هناك تهديد إثيوبي مستمر لمصر، بإمكانية قطع مياه النيل، سواء كان في عصر الإمبراطور الإثيوبي منليك في بداية القرن التاسع عشر ،حتى عهد الخديوي إسماعيل ورؤساء مصر عبد الناصر والسادات ومبارك، وظلت المشكلة قائمة حتى الآن.
وبرزت فترات الصراع، عندما رفضت إثيوبيا توقيع الاتفاق الإطاري للأمم المتحدة عام 1997، بشأن المجاري المائية العابرة للحدود، ورفضت "بروندي" أيضا التوقيع، وتحفظت مصر طالما أن بعض دول المنابع لم توقّع.
"مصر ودول المنابع"
وأوضح "شحاتة" أن مصر كانت تربطها بدول المنابع الأخرى، وهي بروندي ورواندا والكونغو وتنزانيا وكينيا وأوغندا، علاقات تعاون جيدة خاصة أوغندا، حيث قامت مصر بإنشاء سد "اوين" في أوغندا، لتوليد الكهرباء وتنظيم حركة المياه في اتجاه النيل الأبيض، وأيضًا طورت العمل مع دول المنابع بمشروعات مشتركة كحفر الآبار، ومشروعات صحية وتعليمية وغيرها.
كما قامت مصر بتطوير منابع النهر واكتشاف المزيد من المنابع، في رواندا وبروندي والكونغو الديمقراطية، لكن هذه الدول، وفور استقلالها بدعم من جمال عبد الناصر، وتحديدًا في عام 1964، أرسلت لمصر ما سُمي بـ"رسالة من جورجيوس" وهذه الرسالة أكدت على عدم اعترافهم بالاتفاقيات الموقعة بينهم مع مصر، بشأن تقسيم المياه، ومنحوا مصر مهلة عامين، قبل إلغاء هذه الاتفاقيات من جانب واحد.
"الدور الأمريكي"
عن الدور الأمريكي في الصرع المائي بين مصر وإثيوبيا، قال الدكتور مغاوري شحاتة، إن الولايات المتحدة اهتمت بإثيوبيا، لأنها مدركة أهميتها في معادلة المياه، فقامت هيئة مكتب استصلاح الأراضي الأمريكية، وهي هيئة حكومية بعمل دراسات على حوض نهر النيل الأزرق، واقترحت إنشاء 33 مشروعا للسدود واستخدامات المياه.
ولم يكن لإثيوبيا في ذلك الحين القدرة المالية أو الفنية على إنشاء هذه السدود، فكانت تنشئ سدودًا صغيرة لتوليد الكهرباء والزراعة، وأنشأت 13 سدًّا، ضمن مجموعة السدود المقترحة، بالتوازي مع مشروعات أخرى تعاونية مع مصر.
وبعد الانتهاء من هذه المشروعات، بدأت فكرة إنشاء مشروعات تعاون ضخمة، وقامت دول حوض النيل بعمل مبادرة "دول حوض النيل"، استمرت المفاوضات عشر سنوات من 1999 حتى 2010 ، ثم تعثرت لاعتبارات وخلافات إدارية وقانونية.
"السد العالي"
ويشرح خبير المياه الأسباب التي دفعت مصر لإنشاء السد العالي وتأثيره على العلاقات مع إثيوبيا وباقي دول المنابع، حيث أوضح أن مصر بدأت تفكر في الاستفادة من الفقد في المياه، والذي قُدر بـ22 مليار متر مكعب، وخاصة وأن هذا الفقد يتسبب في إغراق جزء من أرض السودان.
وكان لابد في ذلك الحين من إشراك السودان في مشروع مائي ضخم، لتنظيم عملية مرور المياه، وتجنب أخطار الفيضان، وكان مشروع "السد العالي"، وتم تقسيم الـ 22 مليار متر مكعب، الذي سيقوم السد بتخزينهم وفقًا لاتفاقية 1959، بواقع 14.5 مليار للسودان و7.5 مليار لمصر، بالإضافة لتعويض السودان بـ15 مليون جنيه مصري، بسبب غمر المياه لأراضيها.
وفي عام 1959 وبعد البدء في إنشاء السد العالي، تنازلت مصر عن حقها في سد "أوين" وحقوقها في السدود، التي أقيمت في السودان بدعم مصري، وكانت مصر دائمًا ما تتعاون مع دول حوض النيل، لتسهيل حركة المياه من الشمال وتعويض هذه الدول عن طريق إنشاء مشروعات حفر آبار في كينيا وتنزانيا وإثيوبيا.
وقال الخبير المائي، إن العقدة في العلاقات المصرية - الإثيوبية، تبقى دائما في إنشاء السد العالي، والذي تم إنشاؤه بعد معركة كبيرة بين مصر والدول الممولة والبنك الدولي، وبناءً عليه رفضت أمريكا والبنك الدولي تمويل السد العالي، مما اضطر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى اللجوء للاتحاد السوفيتي.
"عنتيبي وسد النهضة"
اتفاق "عنتيبي"، زاد حدة الصراع بين مصر وإثيوبيا، فهو لم يعترف بالحصص التاريخية لمصر " 55.5 مليار متر مكعب من المياه 18.5 مليار متر مكعب للسودان"، ورغم أن هدف الاتفاقية كان توزيع الفقد في المياه، التي تمثلت في 950 مليار متر مكعب على إثيوبيا، وحوالي 750 على الهضبة الاستوائية، و530 مليار على بحر الغزال على دول حوض النيل.
واتسعت هوة الصراع بإعلان إثيوبيا شروعها في بناء سد النهضة، الذي سيخلف أضرارًا كثيرة على مصر.
ويعود "شحاتة" للتأكيد على أن إثيوبيا لم تعترف بالحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل، ولم تعترف بالإخطار المسبق لبناء أي سدود على النهر، ولكنها عابت على مصر عدم إخطارها مسبقا بإنشاء السد العالي وتوشكي وترعة السلام، ولكن قانون 1997 الذي ينظم تقسيم الأنهار الدولية العابرة للحدود وإقامة المشاريع المائية، لم يصدر قبل بناء هذه المشاريع، فضلاً عن أنها لم تلحق أي ضرر بدول المنبع.
وتحول اتفاق عنتيبي، بدلاً من تعاون في (بناء سدود- توليد كهرباء – زيادة الحصص بعد الاستفادة من الفاقد)، أصبح تعاونًا لعقاب مصر، وهو ما اعتبرته مصر موقفًا متربصًا وتمردًا تاريخيا على الاتفاقيات الموقعة، من أجل إهدار حقوقها التاريخية ورفضت التوقيع على عنتيبي، ثم بدأت إثيوبيا في الشروع ببناء سد النهضة الذي أجج الصراع بين الدولتين الإفريقيتن.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراك اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: