لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور- الجرحى سوريون والأطباء من إسرائيل

08:55 م الأربعاء 02 أكتوبر 2013

مصراوي:

نشرت مدونة وزارة الخارجية الإسرائيلية تقريرا كان قد سبق أن نشر في ملحق صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، 4/9/2013، بشأن قصص لجرحى ومرضى سوريون قالت أنهم عولجوا بواسطة أطباء إسرائيليين بمستشفى هضبة الجولان.. وجاء في التقرير:

يستطيع المواطنون السوريون الراقدون في مستشفى ميداني إسرائيلي داخل موقع لجيش الدفاع الإسرائيلي في هضبة الجولان إلقاء نظرة من الجانب الإسرائيلي ليشاهدوا قراهم تمتد على سفوح الجبل الكائن فيه الموقع. ويقول المقدم أورن أفيتان، نائب قائد المستشفى الميداني، إن دوي الانفجارات يتناهى إلى مسامعهم بوضوح، بل يستطيعون أحيانا لمح أعمدة الدخان المتصاعد من أماكن مختلفة. ويضيف: "حين يتم إعلان الاستنفار عندنا ويصبح الجميع داخل الملجأ، لا يمكننا ترك الجرحى السوريين في غرف المستشفى معرضين للخطر، في الوقت الذي نكون فيه جميعا محميين. لذلك أقوم أنا والطاقم الطبي، يساعدنا بعض جنود الموقع العسكري، بالإسراع إليهم، ونحن نحمل الستر الواقية من الرصاص والشظايا، لإخراجهم من غرفهم. وقد كانت أول مرة وجدت فيها نفسي ممسكا بيد مواطن سوري لأقوده إلى الملجأ لحمايته. ولو كان أحدهم قال لي إن مثل ذلك يمكن أن يحدث يوما، لكنت أنفجر ضاحكا".

 



إنها أول مرة يتم فيها الكشف عن المستشفى الميداني الذي تم إنشاؤه قبل نحو نصف عام، ليبقى مجرد وجوده طي الكتمان حتى الآن. أما هوية الجرحى فلا يجوز الكشف عنها، ويمنع أيضا كشف الطريقة التي وصلوا بها إلى إسرائيل وكيفية عبورهم للحدود. يقوم المقدم الاحتياط عوفر مارين، جرّاح القلب ومدير وحدة الطوارئ الجراحية بمستشفى "شعاريه تسيدك" بأورشليم القدس ونائب مدير المستشفى، بعلاج جروحهم، محللا حالتهم النفسية في مثل هذه الأوضاع الاستثنائية التي يعيشونها. يقول: "يصلون إلينا وهم يمرون بصدمة مطلقة، حيث يشعرون بالشك العميق نحونا. يلاقون صعوبة في مجرد قبول كأس الماء الذي نقدمه لهم وتناول طعامنا. إنه أمر طبيعي، فقبل لحظات كنا في أنظارهم عدوا. قبل بضعة أسابيع دخل المستشفى جريح سوري مصاب بجروح بالغة تم تخديره وإخضاعه للتنفس الاصطناعي في سوريا. وحين قررنا إيقاظه، كنا في حيرة من أمرنا، فماذا سيحدث عندما يفتح عينيه ويرى أمامه ضابطا بالبزة العسكرية الإسرائيلية؟ كنا نبحث عن وسيلة للتخفيف من وطأة اللقاء الصادم، فقررنا إحضار جريح سوري آخر كان يرقد عندنا، ليبين له مكان وجوده وما يخضع له ولماذا. وكانت وسيلةً لتخفيف الصدمة. أحيانا يمضي بعض الوقت قبل أن يشعر الجرحى بأننا موجودون لتقديم العلاج لهم ليس إلا، لا للتحقيق معهم، ومن المؤثر جدا مشاهدة هذا التحول الإدراكي وهو يحدث".

ويتذكر الدكتور مارين جيدا الأم التي كانت وصلت قبل نحو ثلاثة شهور مع ابنتيها البالغتين من العمر السادسة والثامنة واللتين أصيبتا في أجزاء مختلفة من جسميهما من جراء إطلاق النار، حيث كانت صغراهما في تشرف على الموت. وروت الأم أنها، ولكي تصل إلى السياج الحدودي، كان عليها الزحف بين الجبال والوديان، حيث كانت تسحب ابنتيها عبر قنوات الصرف الصحي لساعات وساعات وهي تقول في نفسها: ‘أريد الوصول غربا، فكل من يمشي غربا يعود ولا تنقطع آثاره، فلو سرت في اتجاه الأردن أو لبنان، ليس من المؤكد كوني سأعود إلى بيتي، إذ حدث الكثير من مثل ذلك‘''.

 

تتحدث الآن، ولكنها حين وصلت بابنتيها، كانت جالسة أمام الطبيب لا تنبس ببنت شفة، وفقط بعد إيجاد أجواء من الثقة بينها وبين الطبيب الناطق بالعربية، بدأت تتكلم وتروي أنها أم لثمانية أطفال، وأن كبراهم قد أصابتها قذيفة مدفع هاون سقطت على بيتها وحولته إلى أنقاض. وبدأت تجري بحثا عن أطفالها، فلاحظت إحداهم تنزف بشدة جراء إصابة بالغة في بطنها. تقول: ''عزمت على عدم السماح لابنتيّ الجريحتين بالموت، فسرت بهما غربا. وكنت فيما مضى، وحين أرى من بعيد الغبار الذي تثيره سيارات القيادة العسكرية، أقول في نفسي أن العدو موجود هناك. أما هذه المرة، ولإنقاذ أرواح الصبيتين، كنت أعلم بأن علي السير في اتجاه الغبار''. تتكرر عبارة ''السير غربا'' في أرجاء المستشفى على ألسنة جميع الجرحى تقريبا، ممن يصلون إلى المستشفى، إذ أصبح الناس يرددون قصة العلاج الذي يتلقاه الجرحى في إسرائيل، ما يجعلهم يسعون، رغم المخاوف، للوصول إلى إسرائيل.

وقد أنقذ الطاقم الطبي الإسرائيلي حياة الصبيتين. وخلال الحديث الذي دار بينهما عشية عودتها إلى سوريا، قالت الأم للطبيب: ''في اليوم الذي يكون السياج الذين بيننا قد زال، سوف تأتي إلى بيتي في قريتي، لأطبخ لك طعام العشاء وأذبح خروفا من خير ما أملكه، تعبيرا عن امتناني لما بذلته من أجل ابنتيّ''.

كان مولد المستشفى الميداني العسكري الإسرائيلي في هضبة الجولان ظهيرة السبت الموافق 16 فبراير شباط من العام الحالي. وكان قد بلغ قيادة المنطقة العسكرية الشمالية فجر ذاك اليوم خبر أفاد بوجود سبعة أشخاص مصابين بجروح بالغة على مقربة من السياج الحدودي. وقد قدم لهم الأطباء والممرضون الإسرائيليون العلاج الأولي في الميدان، بينما بدأت استعدادات أوسع نطاقا لمواجهة حالات مماثلة مستقبلا. وعند ظهيرة السبت كان مستشفى ميداني قد بدأ تسييره، وأصبح يستقبل العديد من الجرحى الذين باتوا يتوافدون عليه بانتظام مع بعض الانقطاع من وقت لآخر.

ويتضمن المستشفى الميداني غرفة عمليات ووحدة للعلاج المكثف وأخرى لتصوير الأشعة، بالإضافة إلى صيدلية وأقسام للمرضى، والذين يمكثون في المستشفى لمدة أقصاها أسبوع، ثم يتم نقلهم إلى مستشفيات إسرائيلية مدنية لمواصلة علاجهم. ويغطي عَلَم إسرائيلي عملاق أحد جدران قسم العلاج المكثف، ليكون أول شيء يراه الجرحى السوريون عندما يعودون إلى وعيهم بعد التخدير. ''أريد أن يحفر في أذهان الجرحى السوريين أن إسرائيل تختلف عما كانوا يتخيلون'' – يقول الدكتور مارين.

ويقوم أفراد الطاقم الطبي في المستشفى الميداني بتقديم العلاج لمحتاجيه، ويتردد على ألسنتهم دائما ''قسم الطبيب'' الملتزمون به، علما بأن مادة الأدرينالين التي تستجيب لدعوة إنقاذ الحياة هي التي تحرك العمل، حيث ليس للسياسة موطئ قدم في غرف العمليات. والجميع سواسية في المستشفى، والأطباء الإسرائيليون أصبحوا متعودين على الواقع الجديد في المنطقة، والذي أصبح فيه تقديم الإسرائيليين العلاج للجرحى السوريين الذين انقلبت حياتهم رأسا على عقب فأصبحت جحيما، جزءً من حدث تاريخي يريد الكثيرون المشاركة فيه. ويمتنع أفراد الطاقم الطبي عن الحديث مع الجرحى عما يدور من قتال فيما وراء الحدود، فالحياة في المستشفى نوع من الفقاعة، حيث يبذل المستحيل لكي يتماثل الجرحى السوريون إلى الشفاء.

 

وترقد في مستشفى ''زيف'' بمدينة صفد فتاة تبلغ من العمر 15 عاما تدعى ليلى. ترتدي فستانا بنفسجيا ويلف رأسها منديل ملون. يبدو عليها الحزن، ونادرا ما تتكلم. كانت قد نقلت إلى هنا بعد أن استقرت حالتها الصحية في المستشفى الميداني بهضبة الجولان. ترقد في السرير، تخدمها أمها. وبقيت أخوات ليلى الثلاث وأبوها في مدينة درعا السورية الجنوبية، والتي انطلقت منها الثورة على بشار الأسد قبل سنتين. تداعب الأم ابنتها العائدة منذ بضع ساعات من غرفة العمليات، حيث خضعت لجراحة استهدفت زراعة رقعة جلدية في ساقها. كانت ليلى قد وصلت إلى الحدود الإسرائيلية قبل نحو شهر ونصف بدون والدتها، وبعد يوم واحد عمل الأطباء، مستعينين بجيش الدفاع الإسرائيلي، على الإتيان بالوالدة إلى فراش ابنتها. كانت الأم تخاف أول الأمر نقل ابنتها للعلاج في إسرائيل، ولكنها أصبحت مقتنعة بأن إسرائيل مكان أكثر أمانا، وبأن ليلى لم تكن لتعيش لو أنها بقيت في سوريا. أما الأطباء، فيتذكرون جيدا قصة ليلى. فقد وصلت في حالة الخطر، وكانت فاقدة للوعي، بعد أن تم بتر ساقها اليمنى وهي لا تزال ضمن الأراضي السورية، فيما كانت ساقها اليسرى مصابة بكسر مفتوح. وحين أفاقت بعد عشرة أيام، علمت بالمساعي الكثيرة التي يتم بذلها لإنقاذ ساقها، بل وقد حظيت خلال العلاج بساق اصطناعية حديثة ومتميزة سوف تمكّنها من العودة إلى سوريا وهي ماشية على الأقدام.

يبلغ عدد الجرحى السوريين الذين تلقوا العلاج في المستشفى الميداني الإسرائيلي حتى الآن زهاء 300 جريح. ويعرّف الأطباء الجرحى السوريين بأنفسهم مستخدمين أسماءهم الأولى فقط، ويتسلم كل جريح سوري عند وصوله ورقة هذا نصها: ''مرحبا بك في مستشفى جيش الدفاع الإسرائيلي. جئنا لنعالجك، وسوف نبذل أقصى ما يمكن من أجلك، وإذا كنت موافقا على الإقامة هنا، نرجوك التوقيع''.

نتساءل عن كيفية إعادة الجرحى إلى بلد معادٍ، فلا يأتينا جواب. لا شيء يبوح باسم الطبيب الذي قدم العلاج والبلد الذي تم ذلك فيه. والأدوية والأحذية والكراسي المتحركة خالية من أي سمة مميزة، مع أن الأطباء الإسرائيليين يأملون في يومٍ يستطيعون فيه الاطلاع على حالة من قدموا له العلاج، أو أقله معرفة ما إذا كان لا يزال على قيد الحياة.

 

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراك ...  اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان