إعلان

بيوت السويس.. قصة الحرب والصمود

03:02 م الخميس 24 أكتوبر 2013

تقرير- محمد أبو ليلة:

بعد حدوث ثغرة الدفرسوار يوم 16 أكتوبر عام 1973، أصبحت الأجواء مرتبكة في منطقة القناة، فإسرائيل لا يهمها سوى تحقيق نصرا سريعا واحتلال أكبر جزء من أراضي الضفة الغربية للقناة، والقوات المصرية المتواجدة غرب القناة لا تعرف حقيقة حجم القوات الإسرائيلية التي تحاربها في تلك المنطقة.

حاولت إسرائيل احتلال الإسماعيلية ولكنها فشلت، دخلت في معارك عدة مع الجيش المصري، أجبرته للانسحاب إلى مدينة السويس يوم 23 أكتوبر من العام نفسه، وقتها وجدت إسرائيل الفرصة سانحة لاحتلال السويس وتحقيق مكسب سياسي جديد.. ومن هنا بدأت المعركة.

''في الوقت ده زمايلنا في المقاومة كانوا بيجهزوا مجموعة صواريخ كاتيوشا، لكي نستخدمها في عملية فدائية خلف خطوط العدو في سيناء، فجأة وجدوا قوات كبيرة من الجيش المصري جاية من طريق إسماعيلية داخلة السويس، سألهم زملينا محمود عواد فيه أيه يا دفعة؟، ردوا عليه (اليهود جايين ورانا)، أدركوا أن هناك معركة قادمة وقرروا التنازل عن العملية الفدائية في عمق سيناء والدفاع عن مدينة السويس''، هكذا يقول عبد المنعم قناوي أحد أبطال منظمة سيناء العربية لمصراوي.

خطة المعركة

بعد أن غابت الشمس عن يوم 23 أكتوبر، كان يتواجد في مدينة السويس أكثر من 5 ألاف ضابط وجندي من الجيش المصري، لم يكن مع كل منهما سوى بندقية أو رشاش خفيف أو أربي جي ، إضافة لقوات الجيش الثالث المتواجدة في المدينة، وقتها أدرك الجميع أن الحرب على السويس قادمة خلال ساعات.

في تلك الأثناء قام العميد يوسف عفيفي قائد الفرقة 19 مشاة من قوات الجيش المصري (التي كانت متواجدة في السويس) بمشاركة مجموعة الفدائيين من منظمة سيناء العربية بتجميع الجنود الشاردين، وتوزيع السلاح على الأهالي المدنيين، وبدئوا وضع خطة الدفاع عن المدينة.

كان مقررا لأهالي السويس والفدائيين أن يواجهوا فرقة جيش إسرائيلية مكونة من ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مظلي، قضى أهالي السويس ليلة 24 أكتوبر ساهرين، متأهبين للحرب، كل منهم أخذ مكانه في المعركة.

''إن ملحمة السويس الخالدة سوف تنقلها الكتب والأبحاث وتتناقلها الأجيال جيل بعد جيل''.. كلمات قالها الرئيس الراحل أنور السادات، تخليدا للجهود التي بذلها أهالي السويس في الدفاع عن مدينتهم ضد العدوان الإسرائيلي.

بداية الحرب

حينما دقت الساعة السادسة من صباح يوم 24 أكتوبر، تواصل القصف المكثف من المدفعية والطيران الإسرائيلي على مدينة السويس، ما عدا أكبر شارع في المدينة ''شارع الجيش''، استمر القصف حتى العاشرة والنصف صباحا.

يقول رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقت الحرب الفريق سعد الدين الشاذلي في مذكراته، أن العدو بدأ هجومه على السويس بلواء مدرع يتقدم من الشمال على محور الإسماعيلية السويس ولواء مدرع مدعم بكتيبة مظلات يتقدم على محور القاهرة السويس ولواء مدرع أخر يتقدم من اتجاه الزيتية جنوب وجنوب شرق السويس، مضيفا أن الهجوم الذي جاء من المحور الشمالي فشل ولم يستطع دخول المدينة بينما دخلت دبابات العدو على المحور الغربي والجنوبي، ودارت تلك المعركة.

''بدأت الموجة الأولي من شارع الجيش تدخل كاستطلاع للمنطقة ، وكانت مكونة من عربات مجنزرة وورائها في الصندوق هناك دمي '' 6 تماثيل'' كل واحد ماسك بندقية، لا يوجد بني أدمين غير سائق العربة وصف ضابط، بعدها دخلت الموجة الثانية دبابات''، يروي عم سمير أقدم بائع صحف في السويس والذي عاصر معركة 24 أكتوبر، كما عاصر العدوان الثلاثي على السويس في تصريحاته لمصراوي.

ويكمل البطل عبد المنعم قناوي: نصبنا 3 كمائن في شارع الجيش، كمين عند مزلقان البراجيل، وترعة المغربي كان يقوده البطل أحمد أبو هاشم وكان هناك كمين أخر عند جامع الأربعين يقوده البطل غريب محمد غريب والبطل عبد المنعم خلف ورجال المقاومة وكمين أخر عند سينما مصر.

إبراهيم سليمان

كان إبراهيم سليمان بطل الجمهورية في الجمباز أحد أفراد الكمين الأول، وحينما اقتربت منه أول دبابة إسرائيلية على بعد 10 أمتار فقط، أطلق عليها قذيفة أر بي جي، قطعت رأس سائق الدبابة، وظلت الدبابة تسير بدون سائق حتى اصطدمت بالرصيف، بعدها تم تدمير باقي القوة في الدبابة الأولى.

''بعد تدمير أول دبابة اصطدمت باقي الدبابات ببعضها، وبقت المدرعات والدبابات تلف وترجع، وتخبط في بعض، الجنود الإسرائيليين تركوا الدبابات والمدرعات وحاولوا الاختباء في البيوت، أكبر عدد من القوات الإسرائيلية احتمى في قسم الأربعين كان مبنى كبير ومحاط بأربع شوارع''، يقول كابتن غزالي –بطل المقاومة الشعبية بالسويس- تلك الأحداث.

يتابع: حاول ابراهيم سليمان نط سور القسم من الخلف لتدمير القوة الإسرائيلية التي بداخله، شاهده أحد الجنود الإسرائيليين أطلق عليه عدة طلقات ليستشهد على سور القسم وظلت جثته معلقة على السور حتى العاشرة صباح يوم 25 أكتوبر.

معركة الأربعين

لا تزال معركة قسم الأربعين مشتعلة، وصل البطل أشرف عبد الدايم لمدخل القسم الرئيسي وأشتبك مع القوات وقتل كثير من الإسرائيليين، ثم أصيب واستشهد في تلك اللحظات، كان بجانبه حافظ أمين، أطلق عليه القناصة رصاصا من سطح القسم وأستشهد على مدخل قسم الأربعين.

في الكمين الأخر الذي نصبه الفدائيون للإسرائيليين بالقرب من ''مزلقان البراجيل''، أستشهد قائد المجموعة أحمد أبو هاشم، بعدما دمر أخر دبابة في الفوج الإسرائيلي الثاني الذي دخل من شارع الجيش، وكان قائد مجموعة منظمة سيناء العربية محمود عواد يقود الكمين الثالث بالقرب من مسجد أبو العزايم.

''كان زملائنا في هذا الكمين احتلوا عدد من دبابات العدو بعدما هرب منها الجنود، واشتبكوا بالمدفع الرشاش الموجود فوق برج الدبابة، مع دبابة إسرائيلية أخرى، وقتها أمرهم محمود عواد أن يخفوا الضرب، وجرى بسرعة في اتجاه الدبابة الإسرائيلية ونط وألقى قنبلة في برج الدبابة، دمرها بطريقة غير متكررة في خط المواجهة كله لدرجة أن من صنع الدبابة، وهم إنجليز جاءوا للسويس بعد الحرب ليشاهدوا التدمير الذي حدث للدبابة وكانوا مذهولين جدا بما حدث''، هكذا يروي عبد المنعم قناوي ذكرياته عن تلك المعركة.

استمرت تلك المعركة حتى مساء يوم 24 أكتوبر، قضى فيها الفدائيون على عدد من معدات وأفراد العدو حيث وقع 100 قتيل إسرائيلي وحوالي 500 جريح، ودبابات بعضها مدمر والبعض الأخر سليم لكنه بلا أفراد.

بعدها أمر محمود عواد قائد مجموعة الفدائيين بإشعال كل دبابات العدو الصالحة، حتى لا يستخدمها العدو مرة أخرى، واستخدم ''جدعان'' السويس البنزين في إحراق تلك الدبابات.

الشيخ حافظ سلامة

في اليوم التالي من المعركة حاول لواء مدرع إسرائيلي دخول السويس من ناحية ميناء الأدبية، لكن هذه المرة أدرك الإسرائيليون أن هناك شعب يحاربهم، فأصبح الدخول في معركة جديدة أمر صعب، لكن قائد هذا اللواء الإسرائيلي ذهب إلى شركة السويس لتصنيع البترول، (كان يتحدث العربية) وأتصل بمحافظ السويس يطلب منه أن يأتي هو وكل القيادات المدنية والعسكرية أمام إستاد السويس رافعين الأعلام البيضاء، لتسليم المدينة، وإذا لم ينفذ تلك الأوامر في خلال نصف ساعة سيضرب السويس بالمدافع والطائرات.

أخذ المحافظ يبحث عن الحاكم العسكري للسويس وقتها العميد عادل إسلام، والذي كان وقتها في مسجد الشهداء مع الشيخ حافظ سلامة أحد رموز المقاومة يتابع تطورات المعركة مع الفدائيين، أتصل المحافظ بالحاكم العسكري وروى عليه ما قاله له القائد الإسرائيلي، طلب منه العميد عادل أن يستشير الشيخ حافظ سلامة أولا في فكرة تسليم المدينة، لكن المحافظ ثار في وجهه وقال له ''ليس هناك وقت''.

سمع الشيخ حافظ سلامة الحديث فجذب سماعة الهاتف من يد الحاكم العسكري ورد على المحافظ قائلا: سيادة المحافظ لو هتسلم السويس فده بصفتك الرسمية كمحافظ ولو مدير الأمن أو الحاكم العسكري قرروا يسلموا المدينة فهذا باعتبارهم معينين من الدولة، أما أنا وشعب السويس ''محدش عيننا'' دي بلدنا هندافع عنها لحد أخر نقطة دم احنا لسة منتصرين عليهم أمبارح ودمرنا كل دباباتهم مينفعش نيجي نسلم بسهولة.

نفذت المهلة التي حددها القائد الإسرائيلي وظل منتظر هو وقواته أمام الإستاد ولم يظهر أحد لتسليم المدينة، دخل بعدها هذا القائد الإسرائيلي لمسجد بجوار الإستاد يسمى ''المعهد الديني'' مستخدما مكبرات الصوت وأخذ يردد ''هنضربكم بالطيران والمدفعية لو ما سلمتوش''.

بدأ الشيخ حافظ سلامة يرد عليه من مكبرات الصوت بمسجد الشهداء ''أهلا وسهلا مرة ثانية على أرض السويس، إن مدينة السويس في احتياج لان ترتوي بدمائكم القذرة مرة ثانية وثالثة ورابعة..''.

''رغم أن السويس يوم 24 أكتوبر كان فيها 5 قذائف أر بي جي فقط، يعني لو كان إسرائيل دخلت يوم 25 كانت احتلت السويس تماما، لكن مثلما قالوا في الأمثال خدوهم بالصوت ليغلبوكم، ربنا بث في قلوبهم الرعب، هما عارفين حجم الخسائر فراجعوا نفسهم وامتنعوا عن احتلال السويس، وقرروا يحاصرونا 101 يوم انتهت بفض الاشتباك''، يقول قناوي.

لكن إسرائيل ظلت تقصف السويس بالطيران أيام 26و27، ولم يتوقف القصف إلا صباح يوم 28 أكتوبر بعد وصول قوات الأمم المتحدة إلى السويس، وقد بلغت خسائر الجيش الثالث ومدينة السويس نتيجة قصف الطيران في حرب السويس من 24 إلى 27 أكتوبر حوالي 80 شهيد و42 جريحا، حسب إحصاءات رئيس أركان الجيش في ذلك الوقت الفريق سعد الدين الشاذلي.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراك اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان