لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حوار- ''قناوي'' يواصل حكاياته عن حرب أكتوبر (2)

06:00 م الخميس 24 أكتوبر 2013

حوار- محمد أبو ليلة:

بعدما حاصر العدو الإسرائيلي مدينة السويس، منذ يوم 24 من أكتوبر عام 1973، أصدرت المخابرات الحربية قرارها لقناوي بالتسلل خلف خطوط العدو، لجمع المعلومات عن نوع السلاح والأفراد التي تمتلكها إسرائيل في حصارها للسويس.. ومن هنا بدأت بطولة جديدة من بطولات الشباب السويسي...101 يوم قضاها الفدائي عبد المنعم قناوي على جبل عتاقة.

''سلكت عدة دروب في سلسلة جبال عتاقة ، استقر بي الحال في حفرة ضيقة تحت صخرة ضخمة، كنت مزود بجهاز اللاسلكي والكاميرا ونظارة معظمة وطعام يكفيني 15 يوم فقط وجركن ماء واحد نفذ مني بعد عدة أيام ، وبعدها أصبحت أعتمد على الندى المتساقط عند الفجر أو الماء المتجمع في الحفر الصغيرة نتيجة الأمطار''، هكذا يقول.

كان قناوي يواجه صعوبة شديدة بسبب برودة الجو، حيث كان ينام في حفرة صخرية وجهه في مواجهة النجوم مباشرة، وغطاؤه بطانية خفيفة، وفي أحدى المرات تجمدت أصابعه حتى كسرت مفتاح اللاسلكي لعدم قدرته على السيطرة عليه، ومرة أخرى لم يستطع كتابه الشفرة بالقلم لتجمد أصابعه.

لكن أصعب ما واجهه في تلك المنطقة الجبلية غير البرد والعدو كانت الثعابين، أخطرها نوع يسمى ''الطريشة''، كان من المعتاد في الدوريات الجبلية سواء كانت استطلاع أو قتال، أن تصحب معها بعض الأمصال المضادة للعقارب ولدغات الثعابين.

لم يكن مع قناوي شيء من هذا ولا قرص سبرين، لكن إرادة الله أنقذته من تلك الثعابين، أحيانا كان يأكل الحشائش عندما ينفذ منه الطعام، وأحيانا أخرى كان يلتقي برجال الصاعقة أثناء قيامهم ببعض دوريات قتالية في جبل عتاقة، وكانوا يقدمون له الطعام والشراب.

''أنقذ الجيش الثالث''

وفي أحد الليالي كان قناوي يرتدي ''أفرول'' إسرائيلي ويرقد على جبل عتاقة يراقب تحركات العدو، وجد نقطة استطلاع للعدو تبعد على مسافة قريبة من مركز قيادة الجيش الثالث أثناء حصاره، بعدها ذهب لقائد الجيش اللواء عبد المنعم واصل وأخبره.

''أخبرت قائد الجيش بوجود قوة إسرائيلية قريبة وكانت على وشك تدمير مركز القيادة، وأعطيت له نظارتي المعظمة، وحينما وجد قوات إسرائيلية اصطحبني لملجأ به قائد استطلاع الجيش الثالث يدعى عقيد عبيد، وسأله ''أيه اخبار العدو؟''، رد عليه قائد الاستطلاع أن العدو بعيد عن مركز القيادة''.

''ثم قالي لي اللواء عبد المنعم واصل: أعطيه نظارتك المعظمة كي يرى، أعطتها لها وقولت أن هناك 5 أفراد إسرائيليين وطيارة هليكوبتر طراز بل 205، على مقربة منا، وهو بيبص (ينظر) في النظارة لاحظ الطائرة الإسرائيلية تصعد وتظهر عليها نجمة داوود، بعدها أنهال قائد الجيش على قائد الاستطلاع بالضرب ونهره بشدة، وأمرهم على الفور بنقل مركز قيادة الجيش من منطقة عبيد إلى بعد 50 كم في منطقة الروبيكي (الواقعة على طريق العاشر من رمضان) بعدها بساعات قام العدو بتدمير مركز قيادة الجيش الثالث القديم''، يكمل قناوي.

مبارك والسويس

سألنا قناوي، بعد مرور 40 عام هل ترى أن الأهداف التي قامت من أجلها حرب أكتوبر قد تحققت؟، أمهلنا ثواني قبل الرد كان يعيد شريط ذكرياته، وقال بنبرة حزن يملأها اليأس ''أهداف حرب أكتوبر تلخصت في قائد الضربة الجوية وكأن مبارك هو اللي حارب لوحده، حرب أكتوبر كانت حقيقة، في كل متر فيه بطولة تحتاج لكتب، والسويس شاركت بأبطال حقيقين في تلك الملحمة لكن مبارك ظلمها مثلما ظلم مصر كلها''.

حيث يرى قناوي أن هناك شباب مصري تائه ومغيب بسبب نظام مبارك، قائلا: في أواخر يناير عام 1974، عقد مؤتمر صحفي في تل أبيب يناقشوا مشكلة هزيمة الجيش الإسرائيلي، أحد الصحفيين العالميين، سأل وزير الدفاع موشي ديان، لأول مرة منذ قيام دولة اسرائيل، يتم هزيمة الجيش هل لو سنحت ليكم الفرصة لمحاربة المصريين هل ستحاربونهم مرة أحرى؟ قال له موشي ديان نعم ولكن عندما ينتهي جيل اكتوبر، وهذا ما فعله مبارك''.

ويستطر حديثه: في أكتوبر عام 1983 أصدر مبارك قرار جمهوري بإلغاء الاحتفال بيوم 24 أكتوبر في مصر كلها، وأقتصره على السويس، هذا اليوم كان عيد قومي لمصر، كانت تعطل الدوواوين، ويصبح أجازة رسمية، السادات كان يصلي كل عام عيد الفطر معنا في السويس، لأن لولا شعب السويس لكانت مصر تدمرت احنا قمنا بأكثر مما عملته القوات المسلحة.

قناوي لا يخفي كرهه لنظام مبارك الذي وصفه بـ''عميل أمريكا وإسرائيل''، لكنه فيرى أن مبارك هو أحد المسؤولين الأساسيين عن ثغرة الدفرسوار، عندما كان قائد للقوات الجوية في ذلك الوقت.

يتابع: مصر كانت ممكن أن تتغلب على الثغرة لو كانت شاركت القوات الجوية، مبارك كان يستطيع أن يأمر الطيران ''تي يو 16''، بضرب الثغرة من عند منطقة أبو صوير لأنها قاذفة بعيدة المدى، إسرائيل ذهبت إلى إسماعلية دون طيران، وجاءت إلى السويس وحاصرتها ، ولم نجد طائرة مصرية عليها ''جركن مياه حتى''.

ميكروباص

بعد مرور 40 عام على حرب أكتوبر، يعمل البطل ''عبد المنعم قناوي'' سائقا لسيارة ميكروباص أشتراها بالتقسيط في منتصف الثمانينيات، فهو يحب القيادة بطبعه لكنه وبعد انتهاء حرب أكتوبر، مثله مثل كثير من زملاءه الأبطال، لم يجدوا مكانا لهم في ''عالم التزييف، وأبطال أكتوبر الوهميين''، هكذا كان تعبيره.

وبرغم مرض السكر الظاهر على فمه، والانزلاق الغضروفي الذي يجعله غير متزن في مشيته يصر ''قناوي'' على اقتياد سيارته الميكروباص حتى الأن، كي يستطيع أن يتحصل بعض النقود التي تساعده على المعيشة، بجانب معاشه الشهري المقدر ب 450 جنيه.

سألناه عن تكريم الدولة له هو وأبطال السويس، لم يتذكر ''قناوي'' سوى 500 جنيها منحتها الدولة مكافأة له وزملاءه في منظمة سيناء العربية لعدة سنوات، قائلا ''كان يوم القبض بالنسبة لنا عبارة عن رحلة بنتجمع فيها سنويا مع الفدائيين ونأكل بالفلوس سمك، والباقي نجيب فاكهة للعيال وإحنا راجعين.. وكان الله بالسر عليم''.

''قناوي'' أصيب بـ 3 جلطات أحداهما في المخ، عُولج منهم على نفقة الدولة، لكن كل مرة، يصاب لابد أن يتحرك زملاءه القدامى في المقاومة والشيخ حافظ سلامة كي يتوسطوا له عند المحافظ وحينما يعلم المحافظ أنه من الفدائيين يصدر أمر بعالجه.

لكنه أشتكى: ''هو أنا لازم لما اتعب استني لما حد يتصل بالمخابرات ويكتب مذكرة ويروح للمحافظ علشان يعالجوني، ليه ميكونش معايا كارنيه ولا شهادة مثل البطاقة أني أدخل أي مكان طبي عسكري في الجمهورية كي يسهل لي العلاج''، وهكذا كان تسائله.

''علشان أتعالج على نفقة القوات المسلحة لازم وزير الدفاع أو رئيس الأركان يصدق على قرار علاجي ، لمدة ست شهور أو عام، ولما يخلصوا نعمل قرار جديد، عقبال ما يصدر قرار أخر بعلاجي يكون العلاج الأول اللي أخدته باظ لأن مافيش متابعة في العلاج، علاج السكر والانزلاق الغضروفي والمخ والأعصاب إلى ماشاء الله، ليس له وقت محدد''.

معاناته

يقول قناوي: القيادات العسكري تقول أنتم لستم عسكريين والقيادات المدنية لا تعترف بنا، لكن قبل حرب أكتوبر، المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية أصدر لنا أمر كفدائيين بالعمل تحت رتب عسكرية، يعني الشهيد إبراهيم سليمان الذي أستشهد في حرب السويس كان نقيبا مكلفا، وكلنا كنا برتب عسكرية مكلفة، زكلائنا الذين استشهدوا يُصرف لذويهم معاشات برتب عسكرية''.

''بعض قيادات الجيش أيام مبارك قالوا لنا لو كنتوا موتوا كنا اهتمينا بيكوا وأهاليكم كانوا خدوا معاشات، قلتله يا فندم طيب لو متنا كلنا بعد كده مش هتلاقي بني أدم يتكلم عن حرب أكتوبر''، يقول قناوي والحزن يكسو وجههة.

كل ما يطلبه قناوي وزملاءه الأربعة المتبقيين من فدائي السويس، هو ''كارنيه'' مثل المحاربين القدامى، كي يسهل لهم العلاج وبعض الخدمات في الدولة، تقديرا لدورهم الذي بذلوه فداءً للوطن، وحتى يستطيع قناوي أن يسدد ثمن علاجه الذي يكلفه شهريا 750 جنيه.

لم يتبقى لدى الحاج ''قناوي'' ثلاثة بنات، وولد أصيب في تفجيرات شرم الشيخ في عام 2005 أثناء عمله بأحد المطاعم هناك، فتمت بتر ساقه اليسرى، حينها علق الرجل بأريحية ''أنا جاهدت عشان البلد وربنا سترها معايا وهو جاهد عشان أكل العيش''.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراك اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان