إعلان

بالصور- بطن البقرة.. التي لم تمتد إليها يد الثورة

08:39 م الإثنين 28 أكتوبر 2013

كتبت - علياء أبوشهبة:

جلست على قطعتين من الطوب الأحمر تحاول التقاط أنفاسها، حتى تتمكن من العودة لمنزلها حاملة على رأسها دلو يحوى ماء ليس نظيفا تماما ولكنها تقنع نفسها بأنه كذلك.. تنهدت ''أم عفاف'' تنهيدة طويلة حيث ينشغل عقلها بالشتاء الذي يدق الأبواب، و''عشتها'' المتواضعة ليس لها سقف يقيها لسعة البرد وماء المطر.

''أم عفاف'' السيدة الخمسينية قالت ل''مصراوي'' إنها لم تشاء السكن في منطقة ''بطن البقرة''، لكن الفقر هو الذي اختار لها هذا المكان، بعد انهيار منزلها في مصر القديمة في زلزال 1992.

تساءلت حائرة :''قالو البلد قامت فيها ثورة عشان الغلابة يعرفوا يعيشوا، بتمر السنين واحنا لسه مش عارفين ولا قادرين نعيش مفيش غير إننا نموت عشان نستريح''.

عشوائيات خلف الأبراج

أبراج سكنية فاخرة شاهقة الارتفاع تكاد تصل إلى عنان السماء، تطل علي نيل ساحر لا تعرف انقطاع الماء ولا الكهرباء ، اللهم إلا قليلا أو ربما نادرا، إلا أن هذه الواجهة الجميلة تخفي على بعد أمتار قليلة منها مشهد مخالف على الاطلاق، منازل بعضها مبني من الطوب الأحمر والبعض الآخر مبني من الصفيح أو ألواح الخشب.

إلا أن جميعها تشترك في أنها لا تعرف للصرف الصحي معني، علاوة على ماء ملوث ينساب عبر صنابير المياه، هذا بخلاف جبال من القمامة أصبح بينها وبين السكان تعايش، أوضاع مؤسفة يعيشها ساكنو منطقة ''بطن البقرة'' العشوائية عبر سنوات طويلة.

وما بين أبراج المعادي الفاخرة وحي مصر القديمة تقع منطقة بطن البقرة التي تعرف أيضا بمنطقة ''الفخارين'' لتخصص أهل المنطقة في صناعة الأواني الفخارية عبر سنوات طويلة.

ما أن تصعد كوبري العاشر تجد جبال القمامة تحاصرك من كل جانب، لتشاهد بعدها باعة الفخار على جانبي الطريق إضافة إلى باعة الجبس والأسمنت و البلاط وغيرها من مواد البناء، و لكنهم مجرد الواجهة التي تخفي خلفها منطقة تمتد معاناة سكانها لسنوات طوال.

أكوام القمامة وروث الحيوانات

بعد عبور هذه الواجهة تحاصرك الكلاب الضالة التي لا يختلف حالها سوء عن حال البشر، فالجميع في المعاناة سواء، والأمر المثير للدهشة أن المنطقة يقع في بدايتها مقلب صغير للقمامة على بعد أمتار قليلة من جهاز شئون البيئة والإدارة العامة لشرطة السياحة والآثار.

وسط منازل مهددة بالانهيار وفي طرقات ضيقة غير ممهدة يغطيها روث الحمير وفضلات الكلاب، تخرج سيدات المنطقة لتجلسن خارج منازلهن حتي يتنفسن الهواء وليلعب أطفالهم حفاة ونصف عراة في هذا المكان، يتداولن الحديث عن انقطاع الكهرباء الدائم، وعن علبة الدواء التي يعتبر الحصول عليها حلم صعب المنال لأنه يتطلب ركوب ''عربية بالنفر'' تكلف ما لا يقل عن ثلاثة جنيهات ذهابا وأخري إيابا من أجل الوصول لأقرب صيدلية لشراء الدواء.

الرعاية الصحية .. مفقودة

''ابني لما اتعور كان هيروح فيها لأن دمه اتصفي لغاية ما وصلنا للقصر العيني وكانوا عايزين يطردونا كمان''، هذا ما قالته ''أم صلاح'' احدى ساكنات المنطقة التي تعاني من عدم توفر أي عيادة أو نقطة اسعاف قريبة من منزلهم وهو ما يجعل أرواحهم معلقة -على حد قولها- لصعوبة اسعافهم وعدم وجود أي عيادة أو صيدلية بالمنطقة.

تشاركها الذكريات الأليمة ''أحلام'' السيدة الثلاثينية التي تحمل رضيعها علي كتفها صارخا من حرارة الجو، وتحكي كيف أنها كادت تفقد حياتها مثل الكثيرات من جيرانها، وذلك عندما أصيبت بنزيف حاد نتيجة الاجهاض واستغرقت وقتا طويلا حتي وصلت إلى المستشفي.

''أحلام'' تشعر بالرعب والفزع كلما مرض واحد من أبنائها الخمسة بسبب معاناتهم من مياه الصرف الصحي التي تجلب لهم الذباب وتصيبهم بالسعال الذي لا يتوقف.

الصرف الصحي الغائب

معاناة ساكني منطقة بطن البقرة مع الصرف الصحي لا حدود لها، فتروي أم خالد أن الصرف لديهم يعمل بنظام ''الطرنشات'' وتشغلهم المعاناة الأسبوعية لصرف هذه المياه، ما بين انتظار سيارة صرف تحصل على ما يقرب من 150 جنيه أسبوعيا، وانتظار أحد أهالي المنطقة الذي ينقل مياه الصرف في تانك يضعه على ''عربية كارو'' يجرها الحمار و لديها القدرة علي الدخول للشوارع الضيقة التي لا تستطيع السيارة الكبيرة الوصول إليها.

ولربما تتأخر كلا السيارتين لأيام عديدة لتغرق مياه الصرف البيوت والشوارع، وتظل الرائحة البغيضة تلازمهم لأيام، ويتعرض أولادهم للمرض.

تقول ''أم خالد'' أن جهود الجمعيات الخيرية التي جاءت للمنطقة لم تفلح في حل المشكلة، وتشير أم خالد إلى مشروع ''صناع الحياة'' بقيادة عمرو خالد جاء إلى المنطقة في شهر رمضان الماضي و تبرع إلى أهالي المنطقة بسيارة لنقل مياه الصرف لكنها سرعان ما تلفت بعد أيام قليلة، لتغطيها أكوام القمامة بعد ذلك، وتستمر معاناتهم مع مياه الصرف ليصبح غسل البطاطين والملاءات حلم غالي يصعب الحصول عليه.

''أم عبير'' تصيبها ''بيارة'' الصرف الصحي الموجودة في صالون منزلها بالحسرة على نفسها، وتحاول تضييق نفقاتها لتوفر ما يكفي لصرف هذا الماء الفاسد، ليست هذه هي كل أحلامها، فهي تحلم كذلك بمدرسة قريبة من منزلها يمكنها أن تلحق بها بناتها الخمسة، وان يصل أتوبيس النقل العام للمنطقة، خصوصا انه وصول أمرا مستحيلا.

حسرة يومية

''علي'' صانع الفخار لم يعرف في حياته سوي هذه المهنة التي تعلمها منذ سنوات عمره الأولي ، يقول أنه لم يتعلم القراءة و لا الكتابة فالمنطقة لا يوجد بها مدرسة، وهو ما يشعره بالظلم و ما يزيد من هذا الشعور كلما مر علي منطقة المعادي التي تبعد كثيرا عن مقر سكنه وعمله، ليسأل نفسه دائما ''اشمعني أنا''.

ويشاركه هذا الشعور ''محمود'' فتي ''الدليفري'' أو توصيل الطلبات للمنازل الذي يعمل في سوبر ماركت كبير في المعادي و يقول أنه ينتقل يوميا في رحلة شاقة على نفسه ما بين عالم ينتمي إليه وولد فيه ليجد أنه ينقصه كل شيئ ليشعر أنه يعيش حياة آدمية، وبين عالم آخر لا يخلوا من أشكال الرفاهية التي لم يكن ليراها إلا عبر شاشة التلفزيون، و يقول أنه استغل الفرصة ليستحم في دورة المياه التابعة لمخزن السوبر ماركت الذي يعمل فيه و كانت هذه هي المرة الأولي التي يشعر فيها بآدميته.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ... اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان