ماليزيا ..قصة نهضة بدأها بائع الموز المتمرد
كتبت – هند بشندي:
في 31 أكتوبر 2003، أقدم مهاتير محمد على عمل قد يوصف في عالمنا العربي بالجنون؛ فقد قرر اعتزال السلطة والانسحاب من الحياة السياسية تماما، بعد 22 عاما تولى فيها رئاسة وزراء ماليزيا.
لكن من وجهة نظر الكاتب والصحفي الفلسطيني الدكتور عبد الرحيم عبد الواحد، فهو ليس كذلك، انما هو "عاقل في زمن الجنون" وهو العنوان الذي اختاره لكتابه لينقل فيه للعالم العربي تجربة مهاتير محمد.
بينما مهاتير نفسه في كتابه "دكتور في المنزل" وصف نفسه بالديكتاتور الوحيد الذي تخلى عن الرئاسة وهو في عز صحته، فقد ترك الرئاسة وبلده في مقدمة البلدان الصناعية، التي كانت تستورد كل شيء تقريباً، والآن أصبحت تصدر ما كانت تستورده.
لم تكن هذه الاستقالة النهائية هي المرة الأولي التي يستقيل فيها، فيقول في أحدي حواراته الصحفية "حاولت الاستقالة عام 1998، لكن لسوء الحظ فإننا واجهنا أزمة مالية طاحنة في المنطقة في ذلك العام، فضلا عن أزمة سياسية داخلية، واضطررت للبقاء لفترة أطول لتفادى الأضرار، وفي عام 2002 رأيت أن الوقت مناسب للرحيل لذا استقلت، غير أن الناس طالبوني بالبقاء لعام آخر فبقيت لمدة عام ثم رحلت".
ليرحل محضير بن محمد أو مهاتير كما يعرف اسمه في البلاد العربية، واضعا خططا تنموية لبلاده تستمر حتي عام 2020 ، وتاركا وراءه ارث اقتصادي وفكري، واضعا عده كتب منها موسوعته التي ضمت 10 مجلدات حملت رؤيته وتجربته.
عنصري للغرب وبطل للشرق
"مهاتير" هو العنصري المعادي للسامية المتغطرس، هكذا ينظر اليه العالم الغربي، بينما هو البطل والقائد الذي أعطى كل الأسباب لدول العالم الثالث لتقف شامخة، انه من أعطى بعض البلدان الشجاعة لمستقبل مفعم بالأمل، كما يوصف في العالم النامي.
أما في بداية حياته فكان مجرد شابا متمردا؛ فكتابة الذي حمل عنوان "معضلة المالايو" وانتقد خلاله شعب المالايو واتهمهم بالكسل، مُنع من التداول وأصبح مهاتير محمد في نظر قادة الحزب الحاكم في ماليزيا مجرد شاب متمرد.
لكن المتمرد، بائع الموز السابق الذي استطاع دراسة الطب في سنغافورة، والشئون الدولية بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية، عشق السياسية، واتقن أصولها.
وقد بدأت رحلته السياسية في 1964 بعد أن تغلب على منافسه في الانتخابات البرلمانية المرشح عن الحزب الإسلامي الماليزي ليتربع بعد عدة سنوات على عرش الحكم في ماليزيا منذ عام 1981 حتى 2003.
التجربة المعجزة
ماليزيا بلد صغير تعادل مساحتها، مساحة محافظة مصرية واحده، عدد سكاناها أقل من ثلث سكان مصر حيث يبلغ سكانها 28 مليون نسمة، كانت قبل تولي مهاتير مجتمع زراعي لا يعرف سوى زراعة الأرز والمطاط وبعض النباتات والفاكهة.
لتتحول من معدل فقر يصل إلى 70 في المئة، لبلد معدل الفقر بها نحو 5 في المئة فقط، وليزيد دخل الفرد من 350 دولار ليصبح في الوقت الحالي 8000 دولار.
هل هي معجزة؟ سؤال يجيب عنه مهاتير في موسوعته، وتحديدا في المجلد الخامس الذي حمل عنوان "ماليزيا" فيقول ما يحدث في آسيا في الواقع أبعد ما يكون عن المعجزة لقد حدث النهوض نتيجة للعمل الشاق والإيمان بالحلول العملية والواقعية والاعتراف بالسوق كقوة من قوى النمو والتعليم والانفتاح مع الأفكار كانت تلك بعضا من مفاتيح التحول الاقتصادي في شرق آسيا.
كل سطر في كتابه يقطر فخرا واعتزازا فيقول "كثيرا مما اذلونا بالأمس هم الذي يمدحوننا اليوم وهم يتحدثون الآن عن النموذج الماليزي الجدير بالتقليد".
ويحكي عن بداية النجاح فيقول "منذ عام 1991 تسابق مجتمع ماليزيا بالكامل حول ما نسميه برؤيه 2020 كان الهدف الذي استولي على خيال الناس حتي من هم في جانب المعارضة هو هدف النمو بمعدل 7 في المئة على امتداد السنوات من عام 1991 إلى عام 2020 ونكون بذلك قد ضاعفنا من دخلنا القومي في كل عشر سنوات ونخرج للوجود كدولة متقدمة بشكل تام قبل نهاية عام 2020".
ويستكمل "كي نحقق هذا الهدف البطولي للغاية حددنا سلسلة من اصلاحات واستراتيجيات اقتصادية اعتبرناها الصيغة الربحية، تتكون من أشياء كثيرة أولها أن الحكومة لا تدخل في مشاريع تجارية وبدانا في بداية الثمانينات بالانتقال الاستراتيجي ليصبح القطاع الخاص آلة أساسية للنمو".
وأكد "استغرق منا ذلك عده سنوات صادفنا فيها أصعب الأوقات لكن القطاع الخاص الذي ربيناه وكبرنا أصبح اليوم نابضا بالحياة لقد اصبح بحق الآلة الرئيسية لنمونا".
"تجربة إسلامية لا علمانية"
وأوضح مهاتير محمد خلال جولته الأخيرة بالقاهرة، إن تجربة النهضة في ماليزيا ليست بالتجربة السهلة، لكن ''قام الجميع بوضع مصلحة ماليزيا أمام أعينهم".
وعن أهم المشكلات التي واجهت ماليزيا يقول "هي مشكلة البطالة، ولكن قمنا بالتغلب عليها ووفرنا العديد من فرص العمل للشباب، من خلال إقامة المشروعات الكبرى، وجلب الاستثمارات الأجنبية، وقمنا بالتركيز على الزراعة والصناعة، مقدمين إعفاءات وتسهيلات ضريبية على الاستثمارات الأجنبية لمدة عشر سنوات''.
وتابع ''كان على الصناعة الماليزية أن تتخذ خطوة جديدة في طريقها النهضوي، فقمنا بصناعة الإلكترونيات التي كانت تتطلب تنمية العنصر البشري، فقمنا بالعمل على المناهج التعليمية الماليزية وتعديلها، حتى يتم بناء طلاب قادرين على مواكبة التقدم".
"مجموعة من الإنجازات" هي ملخص تجربة مهاتير في ماليزيا، لكن من صاحب الانجاز، يقول في المجلد الأول من موسوعته، أنه عندما منح جائزة الانجاز لمدي الحياه من بيت التمويل الأمريكي (لاريبا) اعترافا لدوره بمعالجه الأزمة الاقتصادية، أعلن وقتها بان الشعب الماليزي هم الذين يستحقون هذه الجائزة.
مهاتير الذي يعتبر نفسه مسلما سلفياً، يؤمن بمبدأ "إذا أردت أن أصلي فسأذهب إلى مكة وإذا أردت المعرفة فسأذهب اليابان".
يؤكد على إسلامية التجربة فيقول "لا علمانية في الإسلام وحياتنا كلها محكومة بالدين الإسلامي كذلك طريقة إدارتنا للدولة محكومة بالدين.. ولهذا لا يمكن أن نقول هذه الدولة مسلمة ولكنها علمانية، لا يوجد شيء كهذا فالدولة المسلمة تظل مسلمة ولا مجال لتطبيق المبادئ العلمانية".
لذا بعد ثورة 25 يناير حرصت، كلا من حكومتي عصام شرف وهشام قنديل على تطبيق تجربة ماليزيا، واستضافتا مهاتير لاستلهام التجربة الماليزية، ليعلن من مكتبة الإسكندرية إن خطط النهضة الشاملة لبلاده استوحاها من أفكار النهضة المصرية لصاحبها محمد على باشا.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: