إعلان

صاحب نجمة الشرف العسكرية: لم أصدق أننا عبرنا إلا بعد مشاهدتي ''الفتلة الزرقاء'' -( حوار)

01:18 م السبت 05 أكتوبر 2013

حوار- علياء أبوشهبة:

البطولة ليست مجرد كلمة تقال، لكنها مواقف ولحظات عصيبة يمر بها الإنسان، ليظهر معها معدن الأبطال الحقيقي، واللواء طيار حسين القفاص الحاصل على نجمة الشرف العسكرية مرتين، واحد من نسور الجو في الطلعة الجوية، التي كانت نقطة البداية لعبور شط القناة.

وفي حواره مع ''مصراوي'' يروي القفاص، تفاصيل كثيرة عن قصة بطولته، وشرف العسكرية الذي حمل لواءه داخل قلبه ووجدانه، قبل أن يكون لقبا يكتب في أوراقه الرسمية.

في منزله في مصر الجديدة بدأ حديثه المشوق، والذي بدأه بالحديث عن السيدة عقيلة زوجته ورفيقة دربه و ابنة خاله قائلا :''الست دي بطلة و لو أنني حققت أي إنجاز في حياتي فهو بفضلها''. ثم تحدث عن مدينة الإسماعيلية التي نشأ فيها و تربى فيها، وتحدث عن عشقه ل ''الكنال''، فأهالى المحافظات الساحلية كما أشار يستخدمون هذا التعبير للإشارة إلى قناة السويس.

ابن الإسماعيلية

داخل إحدى الفلل المطلة على شط القناة، نشأ القفاص و تربى وسط أسرته، ليتعلم الكثير من الأصول والقيم على يد والديه، وروى تأثره بوالده، الذي كان رئيس عمال في هيئة قناة السويس، لم يكن متعلما ولا يعرف القراءة والكتابة، لكنه كان رجلا واسع المعرفة، زرع فيه وفي إخوته قيم الوطنية والرجولة.

كان القفاص بحكم نشأته أمام القناة، يحلم بأن يصبح ضابطا بحريا، ولكن الحلم تحول إلى الطيران من خلال قريب له، وعقب حصوله على الثانوية العامة عام 1966، تقدم بأوراقه إلى معهد التربية الرياضية، واشترى استمارة ثمنها ربع جنيه للتقدم إلى كلية الدفاع الجوي.

أثناء الاختبارات الطبية، لمعهد التربية الرياضية، أخبره لاعب كرة قدم شهير في تلك الفترة، بإعطاء نقود لمن يختبره، لكنه لم يفطن للأمر، وظهرت النتيجة برسوبه، وهو ما أصابه بالإحباط، وقرر العودة إلى الإسماعيلية، لولا قريبه الذي مازال يدين له بالفضل، لأنه ألح عليه في البقاء والتقدم لاختبار الكلية الجوية، وهو ما حدث بالفعل واجتازه.

صرامة ثم إحباط

العالم داخل الكلية الجوية، كان مختلفا تماما، لأنه شديد الصرامة، فالطيار لا يسمح له بالخطأ، ''لأن الغلطة بموته على طول''، و كان زميله عاطف السادات شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، والذي لم يكن له أي منصب رسمي حينها، ومنذ دخول عاطف الكلية حتى استشهاده، لم يلقَ أي معاملة مميزة، ويؤكد القفاص على أنه ''كان شاطر قوي''.

في العام الذي التحق فيه للدراسة، تم تطبيق نظام التخرج بعد 14 شهر، ثم جاءت أحداث نكسة 1967 المؤسفة، وأعلنت حالة الطوارئ، ليتم تخريج 74 طالبا، هم تقريبا كل الدفعة، في الوقت الذي تخرج فيه الكثير من الطلاب في أسلحة أخرى سريعا، دون إعداد و تأهيل كافٍ، وهو ما يعتبره من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبت.

ومع التناقض بين ما يبثه الإعلام من أكاذيب والهزيمة المؤسفة، كان إحباط الدفعة 21 ، لا حدود له لدرجة أنها عرفت بأنها ''دفعة فاقدة''، لكن الأمر تبدل بعد حضور مدير جديد للكلية الجوية، هو محمد حسني مبارك، الذي يعتبره اللواء حسين القفاص نموذجا يحتذى به في الحزم والصرامة، استخدم معهم كل الإجراءات الجزائية، وتعلموا منه الكثير.

مرارة التهجير

كانت صرامة وشدة القائد و المدير والأب في ذلك الحين، هو ما يشغل الشاب حسين القفاص عن التفكير في مدينته التي تدمرت، وفي أسرته التي تفرقت في مساكن المهجرين، وعانى أهلها الأمرين، بعيدا عن مساكنهم التي دمرت، لكن قوة عزيمة والده، وما سمعه من قصص البطولات كان حافزا إيجابيا له.

طيران المقاتلات يعتبر من أعلى أنواع الطيران، لذلك كانت الدراسة في قمة الصرامة، وهو ما أيقنه فيما بعد، رغم الرهبة التي أصابته عندما ركب الطيارة لأول مرة، ويتذكر أنه كان يخشى أن تكون اللغة عائقا أمامه، لأن مدربه كان هندي الجنسية ويشرح باللغة الإنجليزية، فتصرف بشكل لا يليق بالتقاليد العسكرية وأرسل له خطاب بمخاوفه، إلا أن مدربه طمأنه، ومن فرحته به في يوم الاختبار النهائي وزع المشروبات الباردة على الحضور من فرحته بتفوق القفاص.

التدريب الروسي والفخ المصري

بعد انتهاء الدراسة سافر 16 متخرجا إلى روسيا للتدريب لمدة 18 شهرا، وكانت المفاجأة في انتظارهم في مطار القاهرة، بوجود القائد حسني مبارك، الذي ودعهم محذرا إياهم من التكاسل، بعد أن خاض معركة قوية كادت أن تسبب أزمة دبلوماسية، بسبب إصراره على تدريب الضباط على الطائرات النفاثة، و كانت نقلة كبيرة بالنسبة لهم، بعد استخدامهم للطائرة الهليكوبتر البسيطة.

بعد عودة القفاص من الرحلة التي تعلم فيها الكثير، رغم أن فترة التدريب لم تكن تماثل الصرامة الشديدة في فترة الدراسة، يتذكر موقف كاد أن ينهي حياته العسكرية، قبل أن تبدأ فعليا، فور عودته من روسيا، لولا ستر الله، ويذكر أنه ركب أتوبيسا إلى مصر الجديدة بعد زيارة أسرته، والتقى ضابطا في القوات المسلحة، و تبادلا النقاش الذي سرعان ما أصبح حاميا، بسبب هجومه على سلاح الطيران والقول بأنه سبب نكسة 67.

و في اليوم التالي، فوجيء أن هذا الشخص أرسل للمخابرات الحربية رسالة، قال فيها إنه سرب معلومات حربية سرية، وهنا قامت الدنيا وكاد أن يحاكم عسكريا، ويتم فصله، ولكن محمد حسني مبارك، الذي كان حينها قائد أركان حرب، بعد تركه لمنصب مدير الكلية الجوية هو من أنقذه، وقال إنه لا علم لديه بأي معلومات أو أسرار وقال ''إزاي نصرف عليه الآلاف وندربه في روسيا و تاني يوم نفصله''، ووقتها وصل الموضوع إلى جمال عبد الناصر ،لكن أمام دفاع مبارك مر الموقف على خير، بعد تعرضه للجزاء والحبس.

عريس مع إيقاف التنفيذ

''مصر ما جابتش غير بطل واحد أنور السادات'' ، عبارة رددها اللواء حسين القفاص أكثر من مرة خلال حواره مع ''مصراوي''، مشيرا إلى أن الحرب لم تكن لتنتهي بالانتصار من دون مساندة الشعب كله، الذي حارب مع رجال القوات المسلحة، وكذلك أبطال المقاومة الشعبية، ومن فضل الله على مصر ، أنه منحها البطل صاحب النظرة الثاقبة الذي عرف متي يحارب ومتي يتفاوض.

يضحك القفاص عندما يتذكر أنه كان جزءا من خطة التمويه التي وضعها السادات، لأن السنوات التي سبقت الحرب، شهدت زواج الكثير من أفراد القوات المسلحة، وبعد خطبته إلى ابنة خاله، سافر إلى سوريا مرتين، وخلال الزيارة الثانية التقى المشير أحمد إسماعيل و كان ذلك عقب القرار التاريخي للسادات بطرد الروس، ووقتها كان ملازما أول وأمر بترقيته، و سأله ''مش عايز حاجه؟'' فأخبره أنه يبحث عن شقة، فوعده الاستجابة لمطلبه، ثم قال ''مش عايز حاجة تانية؟''، فقال له أنه يريد تليفون، فرد ضاحكا ''لا دي صعبة قوي''.

وفي شهر سبتمبر من عام 73 ، تزوج القفاص بعد حصوله على شهر إجازة زواج، ولكن بعد أسبوع طلب للجبهة، وهو ما تحملته زوجته بصبر.

يوم 4 أكتوبر، شعر القفاص بآلام شديدة في ظهره، و حصل على إجازة مرضية لمدة أسبوعين، و رغم حالة الطوارئ كان متشككا في وقوع الحرب، و لرغبته الشديدة في المشاركة، قطع الإجازة بعد مشاورة صديق له، مازال حتى الآن يدعو له، فلولاه ما كان مشاركا في الحرب.

وقال اللواء حسين القفاص :''أذكر أننى طلبت عاطف السادات يوم 5 أكتوبر قلت له ''إيه الأخبار يا عاطف أنا عريس مع إيقاف التنفيذ؟''، فرد بأنه لا يعرف شيئا.

عبور ''الفتلة الزرقاء''

يكمل قائلا:'' في يوم السادس من أكتوبر جاء القائد ليضحك معنا، وبعدها قال ''يلا بينا شوية جد''، ودخلنا لنعرف الخطة، وكان وقتها حتى الميكانيكي لا يعرف أن ساعة الصفر جاءت، وأذكر أنني لم أصدق أنها جاءت بالفعل، إلا عندما شاهدت ''الفتلة الزرقاء'' أو شط القناة من تحتي، لأننا وصلنا للنقطة السابقة لها مرتين من قبل وجاءت الآوامر بالعودة.

يضيف كانت مكالمات مبارك المتتالية تثير فينا الحماس، وكنا نقوم بضربتين جويتين في أقل من 17 ثانية، ونتنافس في ضرب الأهداف، رغم أن الطائرات التي كنا نركبها في ذلك الوقت كانت قديمة ومتهالكة منذ الأربعينات، وسقط من بيننا شهيد واحد في ذلك اليوم، أما عاطف السادات فكانت طلعته من بلبيس، وعلمت باستشهاده يومها وحزنت كثيرا.

وتوالت الضربات للأهداف ولم يشعر الأبطال بتوالي الأيام وصعوبتها، لأن نشوة النصر كانت تملأ نفوسهم، وكان يحاول طمأنة زوجته بقدر الإمكان، التي كانت تنتظر اتصاله بفارغ الصبر.

خطورة الثغرة

لكن الصعوبة الأكبر ،على حد قوله، كانت في الثغرة، وقال القفاص:'' كنا بالفعل نحارب العالم كله، أو أمريكا بالتحديد، ورغم ذلك تصدى لهم أسود الطيران بقوة، حتى جاء القرار الحكيم للسادات، فقد كان محاربا ذكيا، يعرف الوقت المناسب للانسحاب، ولولا رؤيته ما كنا لننتصر، إضافة إلى عزيمة الشعب كله الذي حارب مع الجنود''.

ويقول: أصعب لحظاتي التي كدت أبكي فيها، عندما مررت أعلى مدينتي الإسماعيلية وهي مدمرة بالكامل، لكن نشوة النصر عوضتني إحساس المرارة.

تكريم وحفاوة

بعد انتهاء الحرب سافر إلى ليبيا مع زوجته، و في زيارة لمبارك أمر بإعداد حفل عشاء ضخم، و قال إنه ضيف شرف الحفل، وعوضه عن التكريم الذي لم يحضره بعد الحرب بسبب ظروف سفره، وهو مازال يؤثره في نفسه ويحرك دموعه.

خدم اللواء القفاص في سلاح المواصلات، وبعد خروجه للمعاش عمل في شركة مصر للطيران، ويفخر كثيرا بأبنائه الثلاثة، ولابنه الأصغر مكانة خاصة، لأنه أصر على العمل في الطيران، ويذكره الآن بشبابه.

 

 

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراك ... اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان