لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

عبد الجليل الشرنوبي: خروجي من الإخوان إفاقة من غيبوبة طويلة

04:17 م الأحد 06 أكتوبر 2013


القاهرة – (دوتشه فيله):

يعتبر عبد الجليل الشرنوبي، رئيس تحرير الموقع الإلكتروني الأشهر لجماعة الإخوان المسلمين "إخوان أون لاين" سابقاً، من أبرز المنشقين عن الجماعة. DW عربية أجرت معه هذا الحوار حول مستقبل الإسلام السياسي والانشقاق عن الإخوان.

 

DW عربية: متى تركت الإخوان ولماذا ؟ وكيف تنظر لانسحابك من التنظيم الآن؟

عبد الجليل الشرنوبي: كان القرار ذروة أحداث الفيلم الذي كنت أعيش فيه وأنا داخل التنظيم. يمكنك أن تسميه فيلم "القرار". كنت متردداً بشأن بقائي داخل الجماعة من عدمه. القرار كنت أعد نفسي له منذ عام 2008، لكن لم أقدم عليه حتى لا يكون في مصلحة نظام مبارك، وحتى لا يقال أن الأبواب فتحت للشرنوبي لأنه منشق عن الإخوان، خاصة أنني أعمل في مجال الإعلام.

أخذت القرار، بشكل نهائي، في الذكرى الأولى لجمعة الغضب عام 2012، حينما أطلق بيان رسمي للجماعة وصف "الوقعية" على هذه المظاهرات. وحينما نُشر هذا البيان في الموقع، حاول القيادي الإخواني عصام العريان أن يلقى بالمسؤولية على الموقع ورئيس تحريره، أي عليّ، فقررت أن أقدم استقالتي للمرشد. كنت على يقين أنني أسبب للتنظيم صداعاً وكنت موقناً أن الجماعة لن تعيد النظر أو تتراجع.

 

كنت تشغل منصب رئيس تحرير موقع "إخوان أون لاين" لفترة. كيف تقيم هذه التجربة؟

الشرنوبي: جماعة الإخوان لا تستطيع أن تدير مؤسسة إعلامية. من الممكن أن تصدر نشرة موجهة، لكنها لا يمكن أن تكون مالكة لجهة إعلام حرة، لأنها تخاطب ناس لا تفكر. حاولت كثيراً أن أقدم تجربة صحفية مهنية، وأن أجعل الموقع يتسم بالمهنية، وليس موقعاً تابعاً لجماعة محظورة. عبد الله كمال كتب مقالاً أيام مبارك يحذر من تجربة عبد الجليل الشرنوبي، لأنه سيحول موقع الجماعة المحظورة إلى موقع ناجح. لكن في الحقيقة، من الصعب جداً أن يكون إعلام الجماعة إعلاماً حقيقياً، وكانت مقالات العديد من القياديين مثل عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان لا تنشر إلا بعد مراجعتها من جانب مكتب الإرشاد. وبعد الثورة، اكتشفت أن محمد مرسي، المسؤول عن الموقع وقتها في مكتب الإرشاد، كان يزيد القيود بحجة أن "الجماعة في وضع حساس، وكل كلمة تُحسبْ علينا".

 

حينما تسمع عن تزايد أعداد من انشقوا عن الجماعة.. كيف تفسر ذلك؟

الشرنوبي: خرج من الإخوان أصناف عدة، منهم من اختلف على مكانته داخل التنظيم فعارض وخرج، ومنهم من اختلف على مكانته داخل الأطر التي شكلتها الإخوان بعد الثورة، فخرج وأسس حزباً أو حركة. لكن الأزمة الحقيقية هي أن هناك من غادر الإخوان ولم يغادرها، فهناك بعض الإخوان السابقين ممن وجدوا تعارضاً كبيراً بين الأفكار وتطبيقها، ولهذا قرروا أن يأخذوا موقفاً مما يحدث، والكثير منهم ساءت علاقته بالتنظيم المحلي المصري، إلا أنهم أبقوا على علاقة جيدة بالتنظيم الدولي، مما يعنى أنه كان هناك خلاف في معظمه مرتبط بتوزيع التركة.

لكن الخلاف لم يمنع حكماء التنظيم الدولي من أن يقولوا لأطراف النزاع في مصر: "أنتم جميعاً أبناء هذه الدعوة.. عارض التنظيم في ظل فلسفة الجماعة". ولا أرى أن كل من انشق عن الإخوان كان يعارضهم حقيقة، ولا أراه يتعامل على الأرض بحيادية صرفة. لا أجد تحليلاً آخر للمواقف، إلا أن التنظيم الدولي لعب أدواراً في صناعة التفاهمات والصفقات المتبادلة، مثل علاقة حزب الوسط بالإخوان .. لقد قضيت عمري كله داخل الجماعة والقادة يقولون لنا أن عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط الإسلامي المسجون على ذمة التحقيقات في قضايا، عميل لأمن الدولة، ثم نكتشف أنه كان جزءاً أساسياً من تجربة حكم الإخوان لمصر. لهذا أرى أن الجماعة كانت توزع الأدوار طوال الوقت.

 

أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية أحمد المسلماني مؤخراً عن لقاء يجمع الرئيس المؤقت عدلي منصور بمجموعة من الإخوان المنشقين. كيف تقيم هذه الدعوات؟

الشرنوبي: سبق لي أن حضرت لقاءاً في الرئاسة مع المتحدث الإعلامي، والجلسة كانت للنشر الإعلامي. قبل أن نجلس، صدر بيان صحفي من مؤسسة الرئاسة عن اللقاء، وبمجرد بدئه، صدر بيان آخر بحدوث اللقاء ولم يُعلن عن التفاصيل. تبدو هذه الدعوات وكأنها للدعاية الإعلامية فقط ولا تهدف لبناء حوار حقيقي.

راهن الكثير من المحللين على دور إصلاحي وثوري أحياناً قد يلعبه شباب الإخوان وإمكانيات إصلاح الجماعة من الداخل.. ما تعليقك؟

الشرنوبي: حتى لا نضحك على أنفسنا، لا يوجد شباب أو شيوخ في هذه الجماعة. هناك ماكينة إنتاج تنتج أشخاصاً بفكر واحد. من قفزوا من السفينة هم من اجتمعوا مع الإخوان بحثاً عن مصالح أثناء وجودهم في الحكم، وهؤلاء ليس لهم تأثير فى التنظيم ولا يعتبرون عناصر فاعلة فيه. الجماعة الآن تدفع أموالاً تقدر بملايين الجنيهات المصرية في القرى للتأكيد على أنها تريد الدفع بالعديد من الشهداء. ماكينة جماعة الإخوان لا تزال تدور.


العديد من زملائك السابقين إما في السجون أو هاربون. قيادات الجماعة انتقلت من الحكم إلى السجون، والقواعد شهدت سقوط الكثير من الضحايا. كيف تتعامل مع هذا؟

الشرنوبي: الخروج من جماعة الإخوان المسلمين أشبه بالخروج من غيبوبة طويلة، إذ تكتشف أن هناك عملية محو منظمة تجرى لسيرتك لحظة الخروج. فالأوامر تصدر من القيادات باعتبار هذا الشخص كأنه لم يكن موجوداً، وبعد فترة يتم تغيير خانة وجودك السابقة ويسرد تاريخ مغاير عنك. لكن أحياناً يكون هناك اتفاق على الخروج الآمن، بصيغة "لا تتكلم عنا ولن نتكلم عنك". لكن إذا تكلمت، فإنك ستنتقل من ركن "الأخ الفاضل" إلى خانة "أعداء الدعوة"، لتكتشف أن كل علاقاتك القديمة انقطعت وربما يكون ذلك صادماً من الناحية الإنسانية، لكن عليك أن تتجاوز (ذلك).


والآن كيف ترى وضعية جماعة الإخوان المسلمين الآن ومستقبلها؟

الشرنوبي: الإخوان المسلمون تحولوا من جماعة محظورة أيام مبارك ومتاح لها الفعل والنشاط السياسي على الأرض إلى جماعة محظورة بأمر الشعب. حينما كنت في الإخوان، كانت الناس فى الأحياء الشعبية التي كنا نسكنها تحمينا. في بيت والدي بدمنهور (الواقعة في محافظة البحيرة شمال غرب القاهرة)، عندما كان رجال أمن الدولة يذهبون إلى هناك للقبض عليّ، كان الناس يتسترون على وجودي. فكان "المكوجي" يقول إن الأستاذ عبد الجليل في القاهرة ولا يأتي إلى هنا. لكن الوضع تغير تماماً الآن، والأزمة الحقيقية للجماعة أنها قررت أن تصطدم مع المجتمع ومع الناس في الشارع. هكذا أصبحت في مأزق مع مشروعها ومع الناس.


متى بدأ هذا الصدام من وجهة نظرك؟

الشرنوبي: منذ أن بدأت الجماعة تتحرك تحت مظلة أن الإسلام في خطر، حينما جرى البناء الثاني للجماعة في السبعينيات. شعار "الإسلام في خطر" يتم الترويج له، سواءً لجمع المال أو للترشح في انتخابات أو للدفع بمرشح منها لرئاسة الجمهورية. هذا الخطاب قائم على أن المشروع الإسلامي وأفكاره يتم محاربتهما، وأن جماعة الإخوان هي من ترفع هذه الراية، لأنه التنظيم الوحيد في العالم الذي يحمي حمى الإسلام. هكذا كانت الجماعة تكسب التعاطف والأعضاء الجدد وتفتح أبواب تلقي التبرعات من داخل مصر وخارجها.


هل ترى أن تجربة الإسلام السياسي أو المشروع الإسلامي لحكم مصر انتهت، أم أنه سيتم الترويج لكون المشكلة خلال فترة الحكم القصيرة كانت محصورة في أزمة التطبيق؟

الشرنوبي: فترة الحكم القصيرة كشفت أكبر عملية نصب واحتيال. لم تكن أزمة الإخوان المسلمين بسبب المبادئ أو التطبيق، وإنما وجود مشروع معلن وآخر خفي. لقد كنت من المؤمنين بأفكار الإخوان المعلنة، أي إقامة دولة الإسلام في القلوب، دولة السلوكيات والأخلاق. لكني اكتشفت أن الهدف هو بناء دولة التنظيم على الأرض للوصول إلى كرسي الحكم. الإخوان لم يقدموا للأعضاء ولا المتعاطفين معهم فكرة حقيقية مجردة، وإنما كانت الفكرة من أجل مشروع آخر هدفه السلطة. وحينما أعيد تقييم الصورة، أجد أن الفكرة أعمق وأبعد من سيطرة خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للجماعة، المسجون حالياً على ذمة التحقيق، على التنظيم، وإنما منذ عهد مؤسسها حسن البنا، الذى وضع أفكاراً تكرس للانغلاق وبناء "غيتو" داخل المجتمع.

رسائل مؤسس الإخوان أكدت ذلك، إذ كتب "أعني بالسمع والطاعة أن يكون الأخ بين يدي مسؤوله كما الميت بين يدي مغسله". وقال البنا أيضاً إن كل الدنيا ستقف ضد مشروع الإخوان، موضحاً أنه يقصد الحكومات والأنظمة والحكومات الغربية والشعب بجهله ورجال الدين. فكرة بناء تنظيم مغلق جعلت مؤسسها لا يملك فرصة للسيطرة عليه، فقد اكتشف أن التنظيم أكبر منه بكثير وقال في نهاية حياته "لو استدبرت من أمري لكنت عدت بالإخوان إلى أيام الأسر والمشروع الخيري" وما كان صنع هذا المارد الذي يصعب التحكم فيه.


هل ترى أن الإسلام السياسي سيتمكن من تشكيل حركة معارضة فاعلة؟

الشرنوبي: جماعة الإخوان أمامها خيار من اثنين: إما أن تراجع نفسها وتفكك تنظيمها وتتحول إلى أنشطة يكون الجزء السياسي منها في حزب لا علاقة له بالدين والجزء الديني تحت مظلة الأزهر، بينما يكون الجزء الخدماتي تحت مظلة الشؤون الاجتماعية، وذلك بالتحول من العمل السري إلى العمل العلني، وهذا الخيار أراه مستحيلاً. والخيار الثاني هو أن تصر على خوض المواجهة حتى النهاية، ويبدو أن التنظيم الدولي حريص على هذا الخيار حتى لا يسقط التنظيم في مصر بلد المنشأ، وكأن الهدف الآن هو الإبقاء على "الحياة" حتى لو عادت لوضع الحظر مرة ثانية. لكن أزمة مصر الحقيقية ليست في وجود الإخوان، وإنما لأن الجماعة نمت كجسد وبدن في وقت اضمحلت فيه الفرص أمام الجميع. وتقييمي للمعارضة المصرية أنها نمت وتربت في مرحلة مبارك، وما زالت تأبى أن تطور أدواتها أو تفرز تنظيماً حزبياً تتحرك به على الأرض.


كيف تقيم الانتهاكات التي تحدث الآن سواءً على مستوى الحريات أو حقوق الإنسان وتزايد المخاوف من عودة الدولة الأمنية ؟

الشرنوبي: الناس تريد للدولة أن تعود أياً كان شكلها. قضيتنا الآن عودة الدولة وسنرى بعد ذلك ما هو شكلها. بالنسبة للحريات، لا أظن أنه يمكن الانتقاص منها. القيود التي كانت قائمة على التعبير قبل الثورة لن تعود، لأن الفاعل طوال الفترة الأخيرة كان الإنسان ورغبة المواطن في التعبير. لا يمكن أن يعود التاريخ بنا للخلف، وأزمتنا حالياً ليست في قلة الحريات، وإنما افتقاد الوطن لمشروع بناء حقيقي. كل الناس تنتقد بشكل جيد، ولكن لا أحد يقدم البديل. الناس تحتاج إلى مشروع عملي على الأرض.

رغم ذلك، ألا ترى أن عزل مرسي والمرحلة الانتقالية التالية لذلك كان من الممكن أن تدار بشكل مختلف؟

الشرنوبي: عزل مرسي وماتلاه من أحداث فض اعتصامات الإخوان وأنصار مرسي كانت إجراءات لابد منها لتبقى الدولة. وكان لابد أن تدفع مصر هذا الثمن ليعرف العالم أن هناك تنظيم موجود في أكثر من 88 دولة وكان يهدد ثبات شكل الدول والأوطان، لأن هذا التنظيم ببساطة لديه وطنه ولا توجد فيه جنسية إلا الولاء للفكرة وحدوده هي دوائر التنظيم. كل تلك الإجراءات كان لا بد أن تتم.

كيف تقيم ما جرى منذ 3 يوليو وعزل مرسي، مروراً بطريقة فض الاعتصامات وسقوط ضحايا لتلك العمليات، وأن عمليات الفض كان من الممكن أن تتم بشكل يقلل من الخسائر؟

الشرنوبي: كانت إجراءات لابد منها، ويمكن فهم ما جرى منذ 3 يوليو حتى الآن بالعودة لحادثة في التاريخ الإسلامي، وهي واقعة جرت خلال فترة حكم الإمام علي بن أبي طالب، ابن عم الرسول محمد والخليفة الرابع في الدولة الإسلامية. ما حدث في هذه الواقعة قريب إلى حد كبير مما جرى هناك. فحينما كلف الإمام علي جنوده بفض اعتصام "حروراء" القريب من عاصمة الدولة "الكوفة" بالعراق، خاف الجنود وقالوا إن المعتصمين من حفظة القرآن والسيرة وصحابة الرسول. لكن الإمام كان حاسماً في قراره لأن ذلك الاحتجاج كان يهدد بنية الدولة!

 

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراك ...  اضغط هنا

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان